وتمكن الأسيران المحرران من سجون الاحتلال الإسرائيلي، خلدون البرغوثي (43 عاما)، وعبد الرحمن البيبي (35عاما)، في الأسبوع الثاني من شهر أبريل/نيسان الجاري، من تدشين مشروعهما المشترك في مدينة رام الله، وسط الضفة الغربية، الذي طالما حلما به طيلة فترة اعتقال تراوحت بين 8 و9 سنوات، والذي أطلقا عليه اسم "قطار الطعام"، وهو عبارة عن حافلة تعمل بالطاقة الشمسية، ومجهزة لتقديم أنواع عديدة من الوجبات والمشروبات.
وحول فكرة المشروع، يوضح الأسيران المحرران لوكالة "الأناضول"، أنهما أطلقا عليه اسم "قطار الطعام"، في "رسالة للتنقل والحرية" بعد سنوات طويلة أمضياها سوياً رهن الاعتقال في السجون الإسرائيلية، كابدا خلالها مرارة الحرمان من الحرية.
ويعتبران أن مشروعهما فرصة لهما للاندماج في المجتمع الفلسطيني بعد الإفراج عنهما، فضلاً عن أنه مصدر جيد للدخل يعينهما على تأمين حياة كريمة لعائلتيهما، في ظل الأوضاع المعيشية الصعبة التي تشهدها الأراضي الفلسطينية المحتلة.
والبرغوثي متزوج منذ فترة طويلة، ولديه 6 أطفال، أما البيبي فهو متزوج حديثاً، ولم يُرزق بأطفال بعد.
يقول البرغوثي، الذي نال الحرية مطلع عام 2016 بعدما أمضى 8 سنوات في الأسر، أن "الفكرة ولدت معنا داخل الاعتقال في السجون الإسرائيلية، كنا نفكر بمشروع عمل عند التحرر يكون مختلفاً".
ويضيف، بينما كان منهمكاً في إعداد شطائر ومشروبات لزبائنه أمام مبنى "جامعة القدس المفتوحة" في مدينة رام الله: "بعد تفكير طويل قررنا أن يكون لنا مشروع غير تقليدي؛ فكانت فكرة قطار الطعام، وأن يعمل المطعم على الطاقة الشمسية".
ورغم الاعتقال ومراراته، إلا أنه كان سبباً، كما يقول البرغوثي، في هذا المشروع؛ حيث كان وزميله البيبي، مسؤولين عن إعداد الطعام لنحو ألف معتقل، ومن خلال هذه التجربة تعلما فن الطهي.
وتابع أنه "بعد التحرر بدأنا في التنفيذ، وقدمت لنا الجهات المختصة الفلسطينية التسهيلات المطلوبة"، بحيث حصلنا على قرض مالي من أحد البنوك في رام الله بدعم من "هيئة شؤون الأسرى والمحررين"، وهي هيئة تابعة لمنظمة التحرير الفلسطينية.
ويستطرد أنه "تم إنجاز الشاحنة بعد إجراء تعديلات عديدة عليها، ومنها تصميم الديكور الداخلي، وتجهيزها بالثلاجات (برادات) والأدوات الخاصة، وكلها تعمل بالطاقة الشمسية".
ويتنقل "قطار الطعام" من موقع إلى آخر في مدينة رام الله في محاولة لإرضاء أذواق زبائنه، بما لذ وطاب من صنوف الأطعمة والمشروبات.
وحول ذلك، يقول البرغوثي: "في الصباح نتوجه إلى المؤسسات الرسمية والجامعات، وفي المساء وأيام العطل الرسمية إلى الحدائق والمنتجعات السياحية، والمواقع السياحية التي لا تتوفر بها مطاعم وخدمات".
يبتسم الرجل ويمضي حديثه: "خرجنا من الاعتقال لنكون أحراراً لا مقيدين بمكان عمل، اليوم نعمل في مواقع مختلفة، نتنقل حيث نريد".
ويقدم المطعم الشطائر والمشروبات الباردة والساخنة، ويطمح القائمون عليه إلى تخصيص زاوية مختصة بالحلويات. وأعلى المطعم ألواح شمسية، تعمل على تخزين الطاقة الشمسية وتحويلها إلى كهرباء.
يوضح البرغوثي: "فكرتنا تقوم على التواجد بين المساكن وأمام المؤسسات والحدائق، بالتالي لا يمكن لنا العمل بالمولدات الكهربائية، التي تنتج ضجيجاً، فكانت فكرة الطاقة الشمسية، بالإضافة إلى كونها طاقة نظيفة".
لم يَغِب عن مشروع البرغوثي والبيبي أي تفصيل صغير قد يُعيق يومًا عملهما؛ بحيث زودا مطعمها المتنقل بـ "بطاريات لتخزين الكهرباء"، يُمكن الاعتماد عليها في حال لم يكن الجو مناسباً لتوليد التيار الكهربائي من الطاقة الشمسية.
وعن الإقبال على مطعمهما، يقول البرغوثي: "مشروعنا هو أول مطعم متنقل في الضفة الغربية، لقي اهتماماً وترحيباً من الجمهور، الناس تحب أن تجرب الغريب".
ويطمح الفلسطينيان إلى تطبيق الفكرة بسلسلة مطاعم متنقلة في كافة محافظات الضفة الغربية.
البيبي، الذي نال حريته في عام 2015 بعد 9 سنوات من الاعتقال، يعتبر بدوره مشروعهما "رسالة لكل معتقل فلسطيني محرر يلهمه الأمل في أنه قادر على إيجاد فرصة عمل مناسبة يكسب من خلالها قوت يومه" بعد انتهاء محنة الاعتقال.
ويضيف: "المعتقل يكتسب خلال سنوات الاعتقال مهارات عديدة، يختلط بعدد كبير من الناس، بعد التحرير يمكنه العمل والانخراط في المجتمع".
ويعمل في "قطار الطعام"، البرغوثي والبيبي، بالإضافة إلى عامل ثالث. ولاقت فكرة المطعم المتنقل إعجاب كثير من زبائنه.
يقول إسماعيل أجاص، وهو طالب في "جامعة القدس المفتوحة"، بينما كان يتناول طعاماً من إعداد "قطار الطعام": "الفكرة غريبة وجميلة، هذه أول مرة في الضفة الغربية نرى فيها مطعماً متنقلاً".
ويضيف "الطعام المقدم هنا بجودة عالية، وينتج على الطاقة الشمسية النظيفة، بالإضافة إلى أن القائمين عليه أسرى محررون، أدعو زملائي إلى تجربته".
وبينما تركت الكاميرات البرغوثي والبيبي، واصل الشابان عملهما بنشاط وحيوية، بينما سيستمر قطارهما في التنقل في أنحاء رام الله، حاملاً معه رسالة للمعتقلين الفلسطينيين في سجون إسرائيل، وعددهم نحو 7 آلاف معتقل (حسب إحصائيات رسمية فلسطينية)، أنه بإمكان كل واحد منهم، بعد أن يتنفس نسمات الحرية، المساهمة في بناء مجتمعه بدلاً من أن يكون عبئا إضافياً يثقل كاهل هذا المجتمع الرازح تحت الاحتلال.