يمكن القول إنّ العرض الذي امتد أكثر من شهرين حول أوضاع المعوقين العرب يشكل كارثة فعلية. كارثة تطاول أصحابها كأشخاص يعيشون في ظروف أقل ما يقال فيها إنّها تحتاج إلى جهود كبيرة للتغلب على كمّها الهائل من الصعاب. وكارثة تصيب أوطانهم ودنيا العرب بالتأكيد.
فعندما نتحدث عن عشرات الملايين من المعوقين لا نتحدث فقط عن طاقة بشرية تخرج من عالم العمل وقواه إلى مجال الحاجة إلى الإعالة والإنفاق من قبل الأهل والعائلات، بل عن المجتمع برمته. المعروف أنّ الشخص المعوق يحتاج الى إنفاق كبير، ليس فقط على الأجهزة الطبية التي يحتاجها بل على الأدوية والتجهيزات والمتابعة الدائمة. وهكذا تصبح الخسارة مزدوجة، واحدة تطاول قوة العمل ومساهمة المتضررين، وثانية تصيب عموم المجتمع الذي هو في المحصلة في موقع المسؤول عن تأمين المتوجب عليه لهؤلاء.
نتحدث إذاً عن الملايين في عموم الساحات العربية بما فيها تلك التي لم نتناولها. وهذا يعني أنّه إذا ما أضيف إلى عدد الأشخاص المعوقين، من يعانون الأمراض المزمنة والأمّيون والعاطلون من العمل وكبار السن والأطفال، فإنّ على كلّ عامل عربي أن يعيل براتبه المحدود أضعاف من يعيلهم العامل الأجنبي. ولما كانت معظم الشعوب العربية شعوباً فتية باستطاعتها تعويض الخسائر البشرية، إلاّ أنّ الحاصل هو العكس تماماً. فما يجري على امتداد المنطقة هو عملية تدمير ممنهج للمقومات المادية والمجتمعية. ومعها يتعذر تأهيل هذه الأعداد في المدارس والجامعات الأكاديمية والمهنية. وبذلك تخسر الديار العربية أضعافاً مضاعفة ممتدة على عشرات السنين، طالما أنّ الإنتاج اليوم لم يعد يدوياً بل ميكانيكياً وعلمياً وإلكترونياً. ومثل هذه المقومات تبدو مفقودة لدى الملايين من الشباب الذين كان بإمكانهم عبر العلم الانخراط في مسار التقدم والتنمية.
قدرت منظمة اليونيسكو عدد الأطفال العرب الذين يفتقدون الى مقاعد الدراسة بسبب الفوضى المدمرة بأكثر من 35 مليون طفل. والآن يتبين مثل هذا العدد، وأكثر، من الأشخاص المعوقين، وضعفا الرقمين من الأميين. من كل هذا يمكن الاستخلاص أنّ المنطقة العربية محكومة في المستقبل بقيود ثقيلة تمنعها من العبور نحو عملية تنموية شاملة بواسطة قواها الذاتية، طالما أنّ قواها الحية معطلة. ليس صحيحاً أنّ التخلف بمثابة قدر لا فكاك منه، وليس صحيحاً كذلك أنّ التقدم يحدث لمجرد الرغبة في تحقيقه. كلاهما له منظوماته ومقوماته المتداخلة التي تدفع المجتمعات نحو ترجيح هذه الكفة أو تلك.
*أستاذ جامعي