يرتبط شهر رمضان المبارك في أذهان أطفال قطر بـ"القرنقعوه"، وهو احتفال ليلة منتصف شهر رمضان من كلّ عام (تصادف غداً الإثنين). لا يقتصر الاحتفال على الصغار، بل بات العديد من المؤسسات والشركات الخاصة يحتفل ويدعو الزبائن للاحتفال، حيث توزع عليهم الحلوى والمكسرات.
ليلة "القرنقعوه" عادة اجتماعية لها أشباه عالمية كالهالوين الغربي، ونسخ خليجية مشابهة، وإن اختلفت التسمية. ففي الإمارات يطلق عليها "حق الليلة" ويحتفل بها في منتصف شهر شعبان. وفي عُمان يطلق عليها "الطَلْبة". وهي ليلة "القرقيعان" في السعودية والكويت. وتشترك البحرين مع قطر في تسمية "القرنقعوه".
يغني الأطفال في هذه الليلة وهم يحملون أكياس المكسرات ويطوفون بها في الأحياء: "قرنقعوه .. قرقاعوه... عطونا الله يعطيكم.. بيت مكّة يودّيكم.. يا مكّة يا المعمورة.. يا أمّ السلاسل والذهب يا نورة".
حتى سنوات قليلة كان الاحتفال بهذه الليلة يتّسم بالبساطة والمحلّية، فكانت الأسر تكتفي بشراء المكسرات والحلويات اللازمة لتوزيعها على أطفالها، وخياطة الملابس والأكياس لهم. أمّا اليوم فتنظم مؤسسات تجارية وجمعيات خيرية احتفالات واسعة، ترافقها تغطية إعلامية للحدث الخليجي، الذي يراد له الإضاءة على التراث والتقاليد المتوارثة. باتت ترافق هذه المناسبة نشاطات ترفيهية أخرى، منها نقش الحنّة على أكفّ البنات، وتلوين الوجوه، والألعاب الشعبية الخليجية، وتوزيع الحلويات الشعبية من لقيمات وهريس ومجبوس. وباتت العائلات تشتري الملابس من الأسواق جاهزة وكذلك الأكياس الخاصة بـ "القرنقعوه".
تزايد أخيراً إقبال العائلات القطرية على زيارة الأماكن والمؤسسات العامة، التي تحتفل بالقرنقعوه، لكنّها لم تتنازل عن الطابع التقليدي للاحتفال. وهو يقضي بأن ينتظر الكبار في بيوتهم حتى يأتي الأطفال ويقرعوا الأبواب ويطلبوا الحلوى والمكسّرات، فيضعون الجفير (السلة الكبيرة) ويوزّعون ما فيه للأطفال. بعدها ينطلقون إلى الاحتفالات العامة التي تتوزّع في أرجاء الدوحة، تحديداً المرافق السياحية، وأبرزها هذا العام في الحي الثقافي "كتارا"، وسوق واقف.
ووفقاً للعادة الشعبية التقليدية، يخرج الأطفال في مجموعات بعد الإفطار إلى الأحياء حاملين معهم أكياساً من القماش، ويطوفون على المنازل القريبة وهم يغنون، فيطرقون الأبواب بغية ملء أكياسهم بأنواع الحلوى والمكسرات التي يعدها الأهالي خصيصاً قبل أيام من هذه المناسبة.
يرتدي الأطفال الملابس الخليجية وهي للأولاد ثياب بيضاء جديدة، ويعتمرون فوق رؤوسهم "القحفية"، وهي طاقية مطرزة بخيوط فضية، كما يرتدي البعض "السديري" المطرز وهو رداء شعبي يوضع على الثوب، ويتدلى حتى الخصر. أما الفتيات فيرتدين فوق ملابسهن العادية "الثوب الزري"، وهو ثوب يشع بالألوان، ومطرز بخيوط ذهبية. كما يضعن "البخنق" لتغطية رؤوسهن، وهو قماش أسود تزينه خيوط ذهبية في الأطراف، إلى جانب ارتداء بعض الحلي التقليدية. أما الأكياس التي يحملها الأطفال عادة في هذه الليلة فتسمى "الخريطة"، تعلّق في العنق، وتُصنع عادة من القماش، وفي بعض المناطق من الجلد. وتستعد الأسر قبيل ليلة النصف من رمضان بتحضير سلال "الجفران" التي يملؤونها بالمكسرات وأصابع الحلوى استعداداً لمجيء الأطفال في ليلة "القرنقعوه".
يصرّ الأهل على ارتداء أطفالهم الأزياء التقليدية، وإن تحول الاحتفال من عادة تراثية إلى احتفالية كبيرة أكثر عصرية، حيث تشارك فيها مختلف المؤسسات. فقد أدخلت بعض التعديلات وأصبحت هناك أشكال جديدة مجسمة لـ"القرنقعوه" خلافاً لشكله القديم، فضلاً عن الهدايا والحلويات الفاخرة غير التقليدية. كما باتت تباع في المتاجر صناديق فاخرة تحمل باقات من الحلويات المنوعة وبأسعار باهظة لكي يتبادلها الأصدقاء والأهل كهدايا بهذه المناسبة.
تحتفل "مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع" بـ"القرنقعوه" بمشاركة آلاف الأطفال. ويقول المسؤول فيها، فهد القحطاني، إنها عملت على تقديم ليلة "القرنقعوه" التقليدية في قالب عصري، ما يساعد في تقريبها إلى جيل الشباب. ويشير إلى أنّ الفعالية "جذبت عدداً كبيراً من مواطني وسكان قطر الذين حضروا مع عائلاتهم لإحياء الليلة التراثية، التي تحولت إلى مناسبة اجتماعية تساهم في تعريف أفراد المجتمع بالعادات والتقاليد القطرية العريقة".
مع ذلك، تحمل الاحتفالية بعض المظاهر السلبية، فبعض الأسر تتنافس في كيفية عرض وتغليف الأكياس، التي يحملها الأطفال، وقد يكلفهم ذلك مبلغاً كبيراً من المال. كما أنّ بعض المتاجر التي تستعد قبل فترة، باتت تعرض علباً فاخرة بالمناسبة يصل سعر الواحدة منها إلى مئات الريالات.
بدورها، تفسر الباحثة الشعبية القطرية، الدكتورة كلثم الغانم، تسمية الليلة بهذا الاسم، أنّ الأصل يعود إلى "قرة العين في هذا الشهر". فالقرة هي ابتداء الشيء ومنها استمدت التسمية الرائجة اليوم "قرنقعوه".