في السعوديّة، تختلف العادات الرمضانيّة عمّا كانت في الماضي. البعض اعتاد النمط الجديد، في حين ما زال بعض آخر يحنّ إلى زمان كانت الروحانيّة فيه هي السائدة.
سهر ومسلسلات تلفزيونية وتسوّق... هكذا أضحى رمضان في السعودية ودول الخليج، وقد غابت الروحانية التي كانت تميّز هذا الشهر الفضيل. واختلفت العادات الاجتماعية، فغابت الزيارات العائلية، فيما تضاءلت الولائم الكبيرة، لا سيما نتيجة تبدّل الأوضاع الاقتصادية للأسرة السعودية.لم يعد السعوديون يترقّبون دويّ مدفع رمضان في مغرب كلّ يوم ليعلمهم بأنّ موعد الإفطار قد حان، فقد راحت الأنظار تتحوّل إلى الهواتف المحمولة التي تحدّد التوقيت بدقة. وينشغلون في متابعة مواقع التواصل الاجتماعي والتطبيقات ذات الصلة. إلى ذلك، كثيراً ما يقرأ السعوديون اليوم القرآن الكريم عبر تطبيقات هاتفية، حتى صحّ القول بأنّ التكنولوجيا سرقت كلّ ما كان يميّز رمضان في السابق.
تتميّز السعودية بامتداد رقعتها الجغرافية، الأمر الذي يجعل عاداتها في رمضان تختلف في العاصمة الرياض عنها في المنطقة الشرقية، وكذلك الحال بالنسبة إلى المنطقة الغربية وتلك الجنوبية. ويشمل ذلك حتى الأطباق الخاصة على المائدة الرمضانية. في المنطقة الوسطى مثلاً، لا تخلو مائدة من اللقيمات والسمبوسة وشوربة الشوفان، فيما لا تغيب البسبوسة عن مائدة المنطقة الغربية وإلى جانبها المتو واليغمش والفرموزة. أمّا الأبرز، فهو الفول ومشروب السوبيا. فيما يفضّل أهالي المنطقة الجنوبية العريكة بالسمن البلدي مع اللحم. ولا يختلف الحال كثيراً لدى أهالي المنطقة الشرقية. لكنّ ثورة التكنولوجيا اليوم راحت تؤثّر على العادات، ليصبح كلّ شيء متشابها، وتختفي الكثير منها، ولم يبقَ إلا القليل المتمايز.
إلى ذلك، تنقلب ساعة السعوديين البيولوجية في شهر رمضان، من دون استثناء، حتى الأطفال منهم. ينقلب الليل نهاراً، فيسهرون إلى ما بعد الفجر وينامون طوال النهار.
يقرّ أستاذ علم الاجتماع في جامعة أم القرى، الدكتور موفق النعيمي، بأنّ "أموراً كثيرة تغيّرت في رمضان، ليس في السعودية فحسب، إنما في مختلف دول الخليج، خصوصاً في النواحي الاجتماعية". ويقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأسرة كانت تستفيد من هذا الشهر للاجتماع والحفاظ على الألفة. فكان تحلّق أفرادها حول المائدة، أمراً أساسياً عند كلّ إفطار وسحور. كذلك كان الجميع يكثر من قراءة القرآن والاشتغال بالطاعة. أما اليوم، فينشغل الشباب بمتابعة برامج التلفزيون ومسلسلاته طوال المساء. في السابق، كنّا نتابع مسلسلاً واحداً. أمّا اليوم، فالمسلسلات بالعشرات".
ويشير النعيمي إلى أنّ "التكنولوجيا تطغى على كلّ مناحي الحياة، حتى على رمضان وروحانيته. وقد ساهمت وزارة الشؤون الاجتماعية في قتل روحانية الشهر بقرارها منع المساجد من تشغيل مكبرات الصوت خلال صلاة التراويح. فلم نعد نسمع القرآن من المساجد في كلّ مساء. كذلك، لم نعد نجد للعادات القديمة حيّزاً، نظراً لطبيعة الحياة اليوم. حتى الشبّان اختلف وضعهم عن السابق، فصاروا يقضون جلّ أوقاتهم في الاستراحات وهم يشاهدون البرامج ومباريات كرة القدم والكرة الطائرة. هذا أيضاً له تأثيره السلبي على علاقة الشباب بأسرهم".
من جهته، يقول أستاذ الاقتصاد علي الجفري إنّ "الأوضاع الاقتصادية الصعبة كان لها تأثير على الأسر السعودية متوسطة الحال". ويوضح لـ"العربي الجديد"، أنّ "العادات الغذائية اختلفت من دون شكّ عما كانت في الماضي، لكنّها ما زالت تُعدّ مسرفة إلى حدّ التبذير". يضيف أنّ "رمضان بات حملاً ثقيلاً على بعض الأسر، إذ هي غير قادرة على تلبية حاجات الشهر. المواد الغذائية وحدها تستهلك نحو 80 في المائة من الراتب الشهري للأسرة، وهذا الأمر يمثّل ضغطاً كبيراً، خصوصاً أنّ العيد يلحق برمضان، وهو موسم آخر للمصاريف الباهظة".
ويشدّد الجفري على أنّ "شهر رمضان تحوّل إلى شهر تسوّق أكثر منه شهر عبادة وصوم وصلاة. منذ صلاة العشاء وحتى منتصف الليل، تتنقّل النساء في الأسواق لشراء ملابس العيد، والبعض لا يكتفي بشراء قطعة واحدة بل أكثر، بهدف التباهي. حتى في ظلّ التضخم الكبير وارتفاع الأسعار، فإنّ الضغط الاجتماعي يجبر الكثيرين على الاستدانة لتوفير النفقات المبالغ فيها".
عدد لا بأس به من السعوديين، يتّفق مع الآراء القائلة بضياع روحانية الشهر الكريم. بالنسبة إلى علي الخياط، وهو ربّ أسرة في العقد الخامس من عمره، "لم يتبقّ من رمضان إلا اسمه". ويقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "رمضان تحوّل إلى شيء آخر غير الذي اعتدت عليه في صغري. كنا كعائلة كبيرة نجتمع، ونذهب إلى صلاة التراويح معاً. أمّا اليوم، فيكاد ينتصف الشهر من دون أن نجتمع ولو لمرّة واحدة. الرجال في الاستراحات والنساء في الأسواق. فقط كبار السنّ في المساجد". طلال الصبحي أيضاً، يستغرب "طغيان الحياة على الروحانية"، فيقول لـ"العربي الجديد"، إنّ "كثيرين توقّفوا عن الاهتمام برمضان، إلا المسلسلات. ولم نعد نسمع أصوات الصلاة تملأ الشوارع، لأنّ الوزارة منعت مكبّرات الصوت في المساجد بحجة أنّها تزعج السكان". يضيف: "هذا ما وصلنا إليه.. رمضان بلا روح".