سُجّل تراجع في عدد المصطافين على البحور الجزائرية هذا الموسم بالمقارنة مع المواسم الماضية، وهو ما يعكس التقشّف المعتمد منذ انهيار أسعار البترول. بعدما كان الجزائريون يقصدون شواطئ الخارج، صاروا عاجزين عن الاستجمام على شواطئهم
مذ دخل موقع "فيسبوك" الفضاء الجزائري في عام 2010، أصبح الواجهة المثلى لاستعراض صور الحياة اليومية، لا سيما الحميمة منها، من قبيل صور المطبخ والصالون. وذلك على الرغم من ميل الجزائري إلى التحفّظ على أسرار البيت والأسرة والعمارة. ولهذا التحوّل، سياقات أخرى يُناقش فيها.
الصور الملتقطة على شاطئ البحر صيفاً، خلال السباحة أو الاسترخاء أو اللعب أو تناول الطعام، تأتي في صدارة الصور التي يحمّلها الجزائريون على حسابات فيسبوك الخاصة بهم. وغالباً ما تستقطب من الإعجابات والتعليقات ضعفَي ما تحصل عليه الصور الأخرى.
في هذا الباب، يلعب التباهي الاجتماعي دوره، والصورة تختلف عن الأخرى. فالصورة الملتقطة على شاطئ "رفيع" يقصده النجوم وعليّة أهل البلاد، من سياسيين وفنانين ورياضيين وإعلاميين، من قبيل شاطئَي زرالدة في العاصمة ومرسى بن مهيدي في تلمسان، أو تلك الملتقطة على شاطئ أجنبي، غير تلك التي تُلتقط على شاطئ "متواضع" يقصده الفقراء، حتى ولو كان ساحر الجمال، من قبيل شواطئ قورصو شرق العاصمة وتيشي في بجاية وسيدي عبد العزيز في جيجل.
ستة ملايين مصطاف
في السنوات الخمس الأخيرة، كانت وزارة السياحة تشير إلى أنّ ستة ملايين مصطاف موجودون في اللحظة نفسها على الشريط الساحلي الممتدّ على مسافة 1500 كيلومتر. وذلك خلال الفترة التي تلي شهر رمضان ولغاية نهاية شهر أغسطس/آب، أي قبل أيام من استعادة الحياة العملية والعودة إلى المدرسة.
للمصطاف الجزائري عادات وطقوس وترتيبات، يحدّدها ذهابه إلى البحر بمفرده أو مع مجموعة، من الرفاق أو الأهل. وفي حال كان له أقارب في النقطة التي يقصدها، فإنه يلجأ إليهم، أما في حال كان الأمر غير ذلك، فهو يعمد إلى استئجار غرفة في فندق أو بيت أو خيمة أو سرير في نزل، أو أنّه يبيت ببساطة في العراء.
تضيق الطرقات المؤدية إلى المدن الساحلية في موسم الاصطياف. طريق بجاية مثلاً، سواء من المدخل الشرقي الذي يربطها بمدينة جيجل، أو من مدخليها الغربيين اللذَين يربطانها بمدينتَي البويرة وتيزي وزو، لا يمكن للمركبة أن تتجاوز عليه سرعة 40 كيلومتراً في الساعة إلا في حالات نادرة. آلاف المركبات تزدحم هناك، وافدة من المحافظات الثماني والأربعين. بعضها خصوصية تقلّ أسراً أو أفراداً، وبعضها عمومية تقلّ مصطافين أصدقاء أو فرقاً من جمعيات وروابط ونوادي الأحياء ونقابات الأسلاك المختلفة.
اقــرأ أيضاً
مذ دخل موقع "فيسبوك" الفضاء الجزائري في عام 2010، أصبح الواجهة المثلى لاستعراض صور الحياة اليومية، لا سيما الحميمة منها، من قبيل صور المطبخ والصالون. وذلك على الرغم من ميل الجزائري إلى التحفّظ على أسرار البيت والأسرة والعمارة. ولهذا التحوّل، سياقات أخرى يُناقش فيها.
الصور الملتقطة على شاطئ البحر صيفاً، خلال السباحة أو الاسترخاء أو اللعب أو تناول الطعام، تأتي في صدارة الصور التي يحمّلها الجزائريون على حسابات فيسبوك الخاصة بهم. وغالباً ما تستقطب من الإعجابات والتعليقات ضعفَي ما تحصل عليه الصور الأخرى.
في هذا الباب، يلعب التباهي الاجتماعي دوره، والصورة تختلف عن الأخرى. فالصورة الملتقطة على شاطئ "رفيع" يقصده النجوم وعليّة أهل البلاد، من سياسيين وفنانين ورياضيين وإعلاميين، من قبيل شاطئَي زرالدة في العاصمة ومرسى بن مهيدي في تلمسان، أو تلك الملتقطة على شاطئ أجنبي، غير تلك التي تُلتقط على شاطئ "متواضع" يقصده الفقراء، حتى ولو كان ساحر الجمال، من قبيل شواطئ قورصو شرق العاصمة وتيشي في بجاية وسيدي عبد العزيز في جيجل.
ستة ملايين مصطاف
في السنوات الخمس الأخيرة، كانت وزارة السياحة تشير إلى أنّ ستة ملايين مصطاف موجودون في اللحظة نفسها على الشريط الساحلي الممتدّ على مسافة 1500 كيلومتر. وذلك خلال الفترة التي تلي شهر رمضان ولغاية نهاية شهر أغسطس/آب، أي قبل أيام من استعادة الحياة العملية والعودة إلى المدرسة.
للمصطاف الجزائري عادات وطقوس وترتيبات، يحدّدها ذهابه إلى البحر بمفرده أو مع مجموعة، من الرفاق أو الأهل. وفي حال كان له أقارب في النقطة التي يقصدها، فإنه يلجأ إليهم، أما في حال كان الأمر غير ذلك، فهو يعمد إلى استئجار غرفة في فندق أو بيت أو خيمة أو سرير في نزل، أو أنّه يبيت ببساطة في العراء.
تضيق الطرقات المؤدية إلى المدن الساحلية في موسم الاصطياف. طريق بجاية مثلاً، سواء من المدخل الشرقي الذي يربطها بمدينة جيجل، أو من مدخليها الغربيين اللذَين يربطانها بمدينتَي البويرة وتيزي وزو، لا يمكن للمركبة أن تتجاوز عليه سرعة 40 كيلومتراً في الساعة إلا في حالات نادرة. آلاف المركبات تزدحم هناك، وافدة من المحافظات الثماني والأربعين. بعضها خصوصية تقلّ أسراً أو أفراداً، وبعضها عمومية تقلّ مصطافين أصدقاء أو فرقاً من جمعيات وروابط ونوادي الأحياء ونقابات الأسلاك المختلفة.
هذه الحركة السياحية الداخلية الكبيرة فرضتها عوامل كثيرة، منها إغلاق الحدود مع المغرب منذ عام 1994، بالإضافة إلى فرض التأشيرة على الجزائريين الراغبين في التوجه إلى أيّ من دول الضفة الشمالية للمتوسط، وكذلك تدهور الأوضاع الأمنية في تونس. وقد خلّفت الحركة السياحية حركة تجارية نشطة في المحافظات الساحلية الاثنتي عشرة، خصوصاً خلال الطفرة البترولية ما بين عامَي 2004 و2014 حين كان الجزائري لا يعدّ النقود حين يُخرجها من جيبه.
في ردّ على سؤال "ما السرّ في ندرة صور المصطافين الجزائريين في فيسبوك هذا العام؟"، فتراوحت التعليقات على الموقع بين السخرية والجدية. لكنّ معظمها صبّ في اتجاه التقشف المالي الذي كان في مقدّمة الإجراءات التي واجهت بها الحكومة انهيار برميل النفط إلى ما دون 50 دولاراً أميركياً، علماً أن الجزائر لا تصدّر إلا 20 في المائة من البترول.
بعد انتهاء شهر رمضان والاحتفال بعيد الفطر، وقبل أيام من بداية شهر أغسطس/ آب، يظهر الشاطئ الجزائري اليوم خالياً من المصطافين بالمقارنة مع الفترة نفسها خلال السنوات الخمس الماضية. ويبدو ذلك مبرّراً.
شمسية وطاولة
في رحلة لـ"العربي الجديد" إلى شواطئ أربع محافظات هي تيزي وزو وبومرداس والجزائر العاصمة وتيبازة، لاحظنا أنّها أشبه بما تكون عادة خلال فصل الشتاء. "معظم الطاولات والكراسي والشمسيات والأحصنة والألعاب المخصصة للتأجير، وكذلك المطاعم والمقاهي والمحالّ التجارية، تدلّ على ذلك"، بحسب ما يقول لطفي وهم أحد الشباب المشرفين على تأجير الشمسيات على شاطئ قورصو (40 كيلومتراً شرقاً). ويشير إلى أنّ "العائلات التي كانت تصل إلى الشاطئ بعد منتصف النهار في المواسم السابقة، كانت تجد صعوبة في الحصول على شمسية أو طاولة مع كراس، بل كانت تجد صعوبة حتى في العثور على بقعة تستقرّ فيها، نظراً لكثافة المصطافين".
هذا الوضع الذي يمكن وصفه بغير المبشّر، جعل مالكي لوازم البحر تلك يتساهلون في الأسعار بعكس ما كانت عليه الأمور في السابق. وفي إحدى المحاولات، خفّض شاب يؤجّر مراكب بحرية صغيرة التعرفة من 500 دينار جزائري (نحو خمسة دولارات) للساعة الواحدة إلى 200 دينار (نحو دولارَين). يقول: "بتنا نعمل بمنطق أنّ نصف السعر خير من الركود".
إلى ذلك، في مدينة المدية التي تبعد عن الساحل مائة كيلومتر، يجلس عدد من الشباب في ظلّ جدار ويلعبون ورق الشدّة. "ألن يكون المشهد أروع لو كان ذلك على شاطئ البحر؟". يبتسمون جميعهم بسخرية، في حين يشير سامي إلى أنّ الإحساس بالحرمان من البحر ليس شائعاً في منطقته، إذ هي جبليّة بحرارة معتدلة. السؤال عن الحرمان بالنسبة إليه، يجدر في المناطق التي تقارب فيها الحرارة 50 درجة مئوية. يضيف: "ما زلت أتابع دراستي الجامعية ولا أعمل البتة، وأجد حرجاً في طلب المال من أبي كي أذهب إلى البحر، خصوصاً أنّ الديون تتراكم عليه منذ شهر رمضان وأيام عيد الفطر". من جهته، يقول صديق له من المجموعة نفسها: "حتى إن أبقى لنا رمضان والعيد شيئاً، فالوجهة السليمة لإنفاقه فيها هي كبش عيد الأضحى ومصاريف العام الدراسي الجديد الذي ينطلق بعد شهر تقريباً". يتابع أنّ "التقشف هذا العام يشمل كلّ شيء وليس فقط مصاريف العطلة الصيفية في البحر".
اقــرأ أيضاً
في ردّ على سؤال "ما السرّ في ندرة صور المصطافين الجزائريين في فيسبوك هذا العام؟"، فتراوحت التعليقات على الموقع بين السخرية والجدية. لكنّ معظمها صبّ في اتجاه التقشف المالي الذي كان في مقدّمة الإجراءات التي واجهت بها الحكومة انهيار برميل النفط إلى ما دون 50 دولاراً أميركياً، علماً أن الجزائر لا تصدّر إلا 20 في المائة من البترول.
بعد انتهاء شهر رمضان والاحتفال بعيد الفطر، وقبل أيام من بداية شهر أغسطس/ آب، يظهر الشاطئ الجزائري اليوم خالياً من المصطافين بالمقارنة مع الفترة نفسها خلال السنوات الخمس الماضية. ويبدو ذلك مبرّراً.
شمسية وطاولة
في رحلة لـ"العربي الجديد" إلى شواطئ أربع محافظات هي تيزي وزو وبومرداس والجزائر العاصمة وتيبازة، لاحظنا أنّها أشبه بما تكون عادة خلال فصل الشتاء. "معظم الطاولات والكراسي والشمسيات والأحصنة والألعاب المخصصة للتأجير، وكذلك المطاعم والمقاهي والمحالّ التجارية، تدلّ على ذلك"، بحسب ما يقول لطفي وهم أحد الشباب المشرفين على تأجير الشمسيات على شاطئ قورصو (40 كيلومتراً شرقاً). ويشير إلى أنّ "العائلات التي كانت تصل إلى الشاطئ بعد منتصف النهار في المواسم السابقة، كانت تجد صعوبة في الحصول على شمسية أو طاولة مع كراس، بل كانت تجد صعوبة حتى في العثور على بقعة تستقرّ فيها، نظراً لكثافة المصطافين".
هذا الوضع الذي يمكن وصفه بغير المبشّر، جعل مالكي لوازم البحر تلك يتساهلون في الأسعار بعكس ما كانت عليه الأمور في السابق. وفي إحدى المحاولات، خفّض شاب يؤجّر مراكب بحرية صغيرة التعرفة من 500 دينار جزائري (نحو خمسة دولارات) للساعة الواحدة إلى 200 دينار (نحو دولارَين). يقول: "بتنا نعمل بمنطق أنّ نصف السعر خير من الركود".
إلى ذلك، في مدينة المدية التي تبعد عن الساحل مائة كيلومتر، يجلس عدد من الشباب في ظلّ جدار ويلعبون ورق الشدّة. "ألن يكون المشهد أروع لو كان ذلك على شاطئ البحر؟". يبتسمون جميعهم بسخرية، في حين يشير سامي إلى أنّ الإحساس بالحرمان من البحر ليس شائعاً في منطقته، إذ هي جبليّة بحرارة معتدلة. السؤال عن الحرمان بالنسبة إليه، يجدر في المناطق التي تقارب فيها الحرارة 50 درجة مئوية. يضيف: "ما زلت أتابع دراستي الجامعية ولا أعمل البتة، وأجد حرجاً في طلب المال من أبي كي أذهب إلى البحر، خصوصاً أنّ الديون تتراكم عليه منذ شهر رمضان وأيام عيد الفطر". من جهته، يقول صديق له من المجموعة نفسها: "حتى إن أبقى لنا رمضان والعيد شيئاً، فالوجهة السليمة لإنفاقه فيها هي كبش عيد الأضحى ومصاريف العام الدراسي الجديد الذي ينطلق بعد شهر تقريباً". يتابع أنّ "التقشف هذا العام يشمل كلّ شيء وليس فقط مصاريف العطلة الصيفية في البحر".