متابعة صحّة العيون ضرورة كما هي متابعة الصحّة العامة، لا سيّما بعد سنّ الخمسين، من خلال استشارة الطبيب المختصّ مرّة واحدة سنوياً على أقلّ تقدير. فالكشف المبكر يساعد في تحديد أيّ اعتلال قبل فوات الأوان.
فقدان البصر من أكثر المشاكل الصحية التي تثير خوف الناس عادة. حول العالم، ثمّة 285 مليون شخص يعانون من اعتلال في النظر، فيما تشير التوقعات إلى ارتفاع الرقم ليبلغ 605 ملايين حالة في عام 2025، غير أنّ التحكّم ممكن بثمانين في المائة من الحالات إذا عولجت مبكراً بطريقة صحيحة. هذا ما أفادت به الجمعية اللبنانية لطب العيون "العربي الجديد"، مشدّدة على أهمية التوعية والكشف المبكر للحدّ من العمى المفاجئ.
يؤدّي اعتلال اللطخة الصفراء الشيخي الرطب إلى فقدان بصر 39 مليون شخص حول العالم، أمّا في لبنان فنسبة الإصابة به مرتفعة، مع 10 في المائة. لذا تنشط اليوم حملات توعية حول مخاطر هذا المرض الذي يفتك بالعين ويرتبط بعوامل عدّة، منها تخطّي سنّ الخمسين والتدخين وداء السكري وارتفاع ضغط الدم وكذلك الدهون، بالإضافة إلى عوامل وراثية. عند الإصابة، يصبح المريض باللطخة الصفراء الشيخي غير قادر على التحرك بحرية، فتزداد وحدته وتنخفض ثقته في نفسه، الأمر الذي يؤثّر سلباً على المجتمع وعلى الاقتصاد. وقد دلّت دراسات علمية حديثة إلى أنّ العبء الاقتصادي السنوي يصل إلى 2.25 مليون يورو نتيجة فقدان النظر، بحسب ما تفيد الجمعية اللبنانية لطب العيون.
يقول المتخصص في طب العيون، البروفسور جورج شرفان، إنّ "الكشف المبكر عن هذا المرض ومعالجته الفورية أساسيان بما أنّ اعتلال اللطخة الصفراء الشيخي الرطب قادر على التفاقم بسرعة ليسبب فقدان الرؤية المركزية". ويشرح لـ "العربي الجديد" أنّ "اعتلال اللطخة الصفراء الشيخي يقع عندما تتراجع كفاءة التخلص من الفضلات الغذائية من شبكية العين مع التقدّم في السنّ، فتتراكم تلك الفضلات في اللطخة الصفراء، وهي المنطقة المركزية في شبكية العين المسؤولة عن الرؤية المركزية الحادة والضرورية لمهام كثيرة مثل القراءة وقيادة السيارات. من ثمّ، يؤدّي هذا التراكم إلى تخريب تدريجي للخلايا المستقبلة للضوء في هذه المنطقة المركزية".
ويشير شرفان إلى أنّ "ما بين 10 و15 في المائة من حالات اعتلال اللطخة الصفراء الشيخي تتحوّل إلى النوع الرطب الذي يتّسم بنموّ أوعية دموية غير طبيعية تحت اللطخة الصفراء، الأمر الذي يؤدّي إلى رشح السوائل ونزيف تحت الشبكية. فتتراكم السوائل والألياف". يضيف أنّ "اعتلال اللطخة الصفراء الشيخي الرطب أكثر عدوانية من النوع الجاف، إذ إنّه يؤدّي إلى فقدان للرؤية غير القابل للعلاج، خلال أشهر معدودة أو حتى أسابيع". ويشرح أنّه "من دون علاج، يرى المريض كلّ الأشياء التي تقع في مركز رؤيته بطريقة مشوّشة. وفي نهاية المطاف، يرى الوجوه والكتابات وغيرها، كبقع سوداء".
وتشخيص اعتلال اللطخة الصفراء الشيخي الرطب يأتي بحسب شرفان، "من خلال اختبارات عدة. ويشمل العلاج أساليب مختلفة عبر استخدام علاج مضاد لعامل النمو البطاني الوعائي الذي يُعدّ حالياً المعيار الأساسي في العلاج". ويتابع أنّ "كابح النمو البطاني الوعائي أحدث ثورة في علاج اعتلال اللطخة الصفراء الشيخي الرطب، وهو العلاج الأكثر شيوعاً اليوم الذي يعطى من خلال حقن داخل الجسم الزجاجي".
من جهته، يشدّد المتخصص في طب العيون، الدكتور جوني خوري، على "أهميّة تكثيف التوعية". ويقول لـ "العربي الجديد" إنّ "اللطخة الصفراء تؤدّي إلى العمى في حال لم تعالج فوراً، لهذا ننصح كلّ من تخطّى الخمسين من عمره بزيارة طبيب العيون للكشف على شبكة العين، مع أهمية ممارسة الرياضة وتجنّب أشعة الشمس ما فوق البنفسجية المضرّة من خلال نظارات شمسية والإكثار من تناول الخضر والفواكه، مع الابتعاد عن التدخين لأنّه يرفع نسب هذا المرض".
أمّا المتخصص في طب العيون، الدكتور وليد شيخاني، فيشدّد على "أهميّة التشخيص للحدّ من تداعيات المرض". ويقول لـ "العربي الجديد" إنّ "هذا المرض ليس جديداً، ويعود الحديث عنه اليوم بعد اكتشاف علاج بالحقن داخل العين للقضاء عليه، فيصبح الشفاء منه مضموناً". يضيف أنّ "هذا المرض يصيب في أكثر الأحيان كبار السنّ في السبعين وما فوق، لكنّنا بكلّ أسف بتنا نجده في عمر مبكر، في الخمسين. ويصبح المريض غير قادر على رؤية من هم أمامه بوضوح. والأسباب متعددة، إمّا نتيجة التعرّض للأشعة ما فوق البنفسجية أو لأمراض في العين مثل المياه الزرقاء. وأحياناً، قد يكون داء السكري وارتفاع ضغط الدم والكوليسترول والتدخين وراء ازدياد هذا المرض". وينصح شيخاني "من أصبحت رؤيته مشوّشة ومن تحوّلت الوجوه والكتابات وغيرها إلى بقع سوداء بالنسبة إليه، باستشارة طبيب عيون سريعاً. وذلك حتى يتفادى تفاقم حالته".