مدينة بلا نوافذ

27 سبتمبر 2016
ينظر إلى الدمار من حوله (محمد حويس/فرانس برس)
+ الخط -

من يجول في الأحياء المجاورة لبعض المواقع العسكريّة والحكوميّة في العاصمة صنعاء، يلاحظ اختفاء السكان في العديد من الشوارع. وبسبب القصف والانفجارات تحطّمت الكثير من نوافذ المنازل والمباني. كذلك، تضرّرت المنازل المجاورة للمواقع المستهدفة. وكلّما حدث انفجار يجد عدد من السكان أنفسهم مجبرين على إصلاح النوافذ، وإن كان آخرون يفضلون تركها كما هي، ريثما تنتهي الحرب.

يسكن غالب الحميدي إلى جوار معسكر الحفا في شارع حزيز (جنوب شرق العاصمة)، والذي لطالما تعرّض للقصف من قبل التحالف العربي كونه يحتوي على مخازن ذخيرة وأسلحة. اضطر إلى تغيير زجاج نوافذ منزله مراراً، بعدما تحطّم جراء الانفجارات المتكرّرة، ما كلّفه أموالاً طائلة. في النهاية، قرر عدم إصلاحها. يقول لـ "العربي الجديد": "منزلي مكوّن من ثلاثة طوابق وفيه نوافذ كثيرة. كلّما اشتد القصف على معسكر الحفا المجاور يتحطم زجاج النوافذ. في البداية، كنت أعمد إلى إصلاحها. لكن مؤخراً، فضلت الانتظار ريثما تنتهي الحرب". يشير إلى أنه يضع شرائط لاصقة على عدد من النوافذ كحل مؤقّت، مضيفاً أن أسعار الزجاج باتت مرتفعة جداً في البلاد، جرّاء زيادة الطلب عليه نتيجة الانفجارات.

ويؤكّد الحميدي أن مشكلته تعدّ أهون بالمقارنة مع أصحاب المنازل المجاورة للمعسكر، والذين اضطروا إلى تركها بسبب تضرّرها بشكل كبير نتيجة الانفجارات. وبطبيعة الحال، فإن عدم إصلاح النوافذ يؤدّي إلى دخول مياه الأمطار إلى البيوت، ويجعلها باردة، خصوصاً في فصل الشتاء، وغيرها من المشاكل. وتضطر العائلات التي تبقى في منازلها من دون أن تكون قادرة على إصلاح النوافذ إلى التحمل، في ظل غياب البدائل.

لجأ عبد السلام المنيعي إلى وضع بعض الألواح الخشبية والكرتون بدلاً من الزجاج، في انتظار انتهاء الحرب. يقول إن أسرته عانت كثيراً بسبب موجة البرد التي ضربت البلاد خلال الأشهر الماضية، إلا أنه اكتفى بوضع أقمشة حول النوافذ بدلاً من إصلاحها، خشية أن تتحطّم مجدداً مع تجدّد القصف.




يضيف أنه لا يملك المنزل الذي يعيش فيه، ويتوجب عليه تأمين بدل إيجاره، ولا يكاد يستطيع توفير قوته اليومي. لذلك، من الصعب عليه إصلاح نوافذ المنزل دائماً. يتابع أنه عندما يتأكد أن الحرب قد انتهت تماماً سيصلح النوافذ. يشير إلى أنه اضطر إلى وضع باب خزانة الملابس الخشبي محل إحدى النوافذ التي تحطّم زجاجها، خصوصاً أن أطفاله يقضون معظم أوقاتهم في هذه الغرفة، ويخشى أن يصيبهم أي سوء في حال اقتربوا من النافذة. ويلفت إلى أن الكثير من الأسر في الحي، خصوصاً أولئك الذين تقع منازلهم إلى جوار الأماكن الأكثر عرضة للقصف، قد اضطروا إلى مغادرة منازلهم بعدما تضرّرت بشكل كبير جرّاء القصف.

من جهته، يؤكد النجار أبو وليد العمري أن القصف الجوي أنعش سوق الزجاج في العاصمة صنعاء، في ظل تزايد عدد المواطنين الذين يعمدون إلى إصلاح النوافذ والأبواب المحطمة نتيجة الانفجارات. في هذا الإطار، يقول الباحث في الشأن التنموي عبد الإله محمد، لـ "العربي الجديد"، إن النوافذ المحطّمة تحوّلت إلى مشكلة اجتماعية ونفسية في وقت واحد. ويوضح أنه على الرغم من أهمية إصلاح النوافذ التي تحمي الناس، عدا عن أنها تحافظ على شكل البيت والشارع، إلا أن قرار البعض عدم إصلاحها يؤكّد أنها لم تعد على قائمة أولوياتهم، على الرغم من ضرورة إصلاحها. ويلفت إلى أن الناس يبحثون عما يبقيهم على قيد الحياة. أما من الناحية النفسية، فيلفت إلى أن الناس باتوا أكثر قدرة على التعايش مع الحرب على الرغم من الضغوط الكثيرة، مضيفاً أن استمرارهم في البيت من دون إصلاح النوافذ يعكس اعتقادهم بأن الحرب لن تنتهي قريباً.

أولويات أخرى

يقول الباحث التنموي عبد الإله محمد، لـ "العربي الجديد"، إن النوافذ المحطّمة تحوّلت إلى مشكلة نفسية واجتماعية. ويوضح أنه رغم أهمية النوافذ من الناحية الصحية، عدا عن المنظر العام، إلا أن لجوء الناس إلى تركها محطمة يشير إلى أنه بات لديهم أولويات أخرى للبقاء على قيد الحياة. من جهة أخرى، يعد ذلك دليلاً على قناعتهم بطول فترة الصراع، وعجزهم عن إيجاد حلول.