ما يميز مدينة إسطنبول التركية أنّ سكانها متعددو الأعراق والقوميات. أسباب ذلك كثيرة، منها ما هو سياسي ومنها ما هو اقتصادي. لكنّ تلك القوميات لا تختلط ثقافياً بل تنعزل في أحيائها
ليست إسطنبول ممراً للهجرات بين آسيا وأوروبا فحسب، لكنّها وجهة مهمة للهجرة، سواء من داخل تركيا أو من خارجها.
في القرن الأخير شهدت موجات هجرة في الاتجاهين. قبل الحرب العالمية الأولى، لم تكن تتجاوز نسبة المسلمين في المدينة أكثر من 45 في المائة من السكان. يومها، كانت إسطنبول المدينة التي تضم أكبر عدد من اليونانيين والأرمن في العالم. تجاوز عدد سكانها اليونانيين عدد سكان أثينا، لكن بسبب ما تخلل الحرب العالمية الأولى من أزمات وما تلاها من هجرات وتبادل سكاني بين اليونان والجمهورية التركية، انخفض تعداد اليونانيين وكذلك الأرمن بشكل كبير، حتى أنه لم يبق منهم أكثر من 200 ألف من القوميتين.
في المقابل، وفدت إلى المدينة موجات هجرة بعد الحرب العالمية الأولى، سواء من مسلمي البلقان، وبالذات الأتراك منهم، أو من مسلمي القوقاز. ثم ارتفع تعداد سكانها بشدة بعد موجتي هجرة داخليتين أساسيتين، الأولى في الخمسينيات، مع هجرة أعداد كبيرة من سكان وسط الأناضول إلى المدينة بسبب الانتعاش الاقتصادي والتحول الصناعي الذي عاشته في تلك الفترة. أما موجة الهجرة الثانية ففي الثمانينيات وضمت نوعين من المهاجرين، النوع الأول سكان منطقتي الأناضول والبحر الأسود الذين جاؤوا لأسباب اقتصادية وتنموية، أما النوع الثاني فهم الأكراد الذين تعرضوا للتهجير حتى بداية التسعينيات من ريف جنوب وشرق الأناضول، بسبب الاشتباكات بين حزب العمال الكردستاني والقوات الحكومية التركية.
في نظرة سريعة إلى الإحصاءات، يتضح النمو السكاني السريع الذي طرأ على المدينة خلال مائة عام، فقد ارتفع تعداد سكان إسطنبول من 800 ألف عام 1927 إلى مليون عام 1945، ليصبح 3 ملايين عام 1970، ويصل عام 1990 إلى 7 ملايين. عام 2000 وصل العدد إلى عشرة ملايين، أما عام 2014، فتجاوز 14 مليون نسمة، أي ما نسبته 20 في المائة من سكان تركيا. أما التغيير الديموغرافي، فيظهر من خلال التنوع الذي باتت عليه المدينة. ففي إسطنبول يعيش اليوم أكثر من مليون كردي، وكذلك، أكثر من 400 ألف لاجئ سوري.
اقــرأ أيضاً
ليست إسطنبول ممراً للهجرات بين آسيا وأوروبا فحسب، لكنّها وجهة مهمة للهجرة، سواء من داخل تركيا أو من خارجها.
في القرن الأخير شهدت موجات هجرة في الاتجاهين. قبل الحرب العالمية الأولى، لم تكن تتجاوز نسبة المسلمين في المدينة أكثر من 45 في المائة من السكان. يومها، كانت إسطنبول المدينة التي تضم أكبر عدد من اليونانيين والأرمن في العالم. تجاوز عدد سكانها اليونانيين عدد سكان أثينا، لكن بسبب ما تخلل الحرب العالمية الأولى من أزمات وما تلاها من هجرات وتبادل سكاني بين اليونان والجمهورية التركية، انخفض تعداد اليونانيين وكذلك الأرمن بشكل كبير، حتى أنه لم يبق منهم أكثر من 200 ألف من القوميتين.
في المقابل، وفدت إلى المدينة موجات هجرة بعد الحرب العالمية الأولى، سواء من مسلمي البلقان، وبالذات الأتراك منهم، أو من مسلمي القوقاز. ثم ارتفع تعداد سكانها بشدة بعد موجتي هجرة داخليتين أساسيتين، الأولى في الخمسينيات، مع هجرة أعداد كبيرة من سكان وسط الأناضول إلى المدينة بسبب الانتعاش الاقتصادي والتحول الصناعي الذي عاشته في تلك الفترة. أما موجة الهجرة الثانية ففي الثمانينيات وضمت نوعين من المهاجرين، النوع الأول سكان منطقتي الأناضول والبحر الأسود الذين جاؤوا لأسباب اقتصادية وتنموية، أما النوع الثاني فهم الأكراد الذين تعرضوا للتهجير حتى بداية التسعينيات من ريف جنوب وشرق الأناضول، بسبب الاشتباكات بين حزب العمال الكردستاني والقوات الحكومية التركية.
في نظرة سريعة إلى الإحصاءات، يتضح النمو السكاني السريع الذي طرأ على المدينة خلال مائة عام، فقد ارتفع تعداد سكان إسطنبول من 800 ألف عام 1927 إلى مليون عام 1945، ليصبح 3 ملايين عام 1970، ويصل عام 1990 إلى 7 ملايين. عام 2000 وصل العدد إلى عشرة ملايين، أما عام 2014، فتجاوز 14 مليون نسمة، أي ما نسبته 20 في المائة من سكان تركيا. أما التغيير الديموغرافي، فيظهر من خلال التنوع الذي باتت عليه المدينة. ففي إسطنبول يعيش اليوم أكثر من مليون كردي، وكذلك، أكثر من 400 ألف لاجئ سوري.
"همشاهريم"، أي ابن مدينتي، هي الكلمة التركية التي يطلقها أبناء المدينة الواحدة بعضهم على بعض عندما يلتقون في مكان بعيد عن مدينتهم، ويستخدمها أبناء جميع المدن التركية، إلّا إسطنبول. لا إسطنبوليين في إسطنبول بالمعنى الثقافي، بل تحمل كلّ مجموعة مهاجرة إلى المدينة ثقافتها وأسلوب عيشها من المكان الذي جاءت منه. تتجمع كلّ مجموعة في أحياء معينة، فعلى سبيل المثال، يتجمع عدد كبير من أبناء ولاية سيواس في بلدية غازي عثمان باشا في المدينة. أما المهاجرون من ولاية توكات، فيقطنون في بلدية كووجوك جكمجة. وفي بلدية فاتح، يقطن أبناء ولايتي أورفة وكاستامونول. وفي بكر كوي، يتجمع أبناء ولاية مالاطيا. وفي بلدية زيتن بورنو، يتجمع أبناء ولاية عينتاب. كذلك، يعيش أهالي ولاية ماردين في حي إمينونو.
يقول سزاي أوزتبة (37 عاماً)، وهو سائق تاكسي في المدينة: "أنا من مواليد إسطنبول، لكنّ أصولي من إحدى قرى ولاية سيواس في وسط الأناضول. جاء والدي إلى المدينة بحثاً عن عمل، وعاد إلى القرية بعد تقاعده. وبالرغم من أنّ القرية فارغة تقريباً، يرفض حتى زيارة إسطنبول الآن". يضيف أوزتبة: "لا أفكر أبداً في العودة إلى القرية، كلّ شيء بعيد، سواء المستشفيات أو المدارس أو الجامعات. لديّ أطفال أريدهم أن يتعلموا، ربما عندما يكبرون ويتزوجون أعود إلى القرية كأبي لأموت هناك. وربما لا أعود".
من جهته، هاجر مجايل أوزيل من منطقة خانلي في ولاية ديار بكر، أول مرة عام 1993، بعد اشتداد الاشتباكات بين حزب العمال الكردستاني والجيش التركي. اتجه إلى مدينة مرسين ومنها إلى إسطنبول. يقول أوزيل: "لم أكن أرغب في الهجرة، لكنّنا اضطررنا إلى ذلك. كانت المرة الأولى التي أخرج فيها خارج الحدود الإدارية لولاية ديار بكر، وصلت إلى مرسين مع أولادي ومنها إلى إسطنبول، حيث وجدت عملاً بمساعدة أخي في أحد المقاهي".
يضيف أوزيل: "بطبيعة الحال لست إسطنبولياً، لكنّني أعتقد أنّ أولادي باتوا إسطنبوليين أو على الأقل لم يعودوا ديار بكريين. هم يتحدثون الكردية بصعوبة، وتزوجوا هنا، وبنوا حياتهم، أفكر أحياناً في العودة إلى ديار بكر، لكنّ عودة الاشتباكات جعلتني أنسى الأمر مرة أخرى".
يؤكد إسماعيل درويش (62 عاماً)، وهو رجل أعمال، أنّه جاء إلى إسطنبول من مدينة ماردين لدراسة الهندسة في جامعة إسطنبول، لكنّه فتح شركته الخاصة لاحقاً. يقول: "لا أفكر في العودة إلى ماردين. بعد وفاة والديّ لم يعد لي شيء في المدينة سوى بعض الذكريات التي لا تستوجب أكثر من زيارة سنوية. أبنائي لا علاقة لهم بسكان ماردين، لست إسطنبولياً، لكنّ أولادي باتوا كذلك".
في المقابل، تؤكد أستاذة علم الاجتماع، نور فرغين، أنّ حركة الهجرة إلى إسطنبول لا تترافق مع تمدّن المهاجرين. تعلق: "المهاجرون إلى إسطنبول يتجمعون في مناطق معينة تبدو نسخاً عن البلدات والقرى التي جاؤوا منها، فتنغلق أحياء المدينة وتتحول إلى ما يشبه بلدات الأناضول. بذلك، لا يحصل تبادل ثقافي بين الأحياء يساهم في إعادة إنتاج هوية خاصة للمدينة، فهم يعيشون جغرافياً في إسطنبول، لكنهم لا يعيشون فيها فكرياً وثقافياً".
اقــرأ أيضاً
يقول سزاي أوزتبة (37 عاماً)، وهو سائق تاكسي في المدينة: "أنا من مواليد إسطنبول، لكنّ أصولي من إحدى قرى ولاية سيواس في وسط الأناضول. جاء والدي إلى المدينة بحثاً عن عمل، وعاد إلى القرية بعد تقاعده. وبالرغم من أنّ القرية فارغة تقريباً، يرفض حتى زيارة إسطنبول الآن". يضيف أوزتبة: "لا أفكر أبداً في العودة إلى القرية، كلّ شيء بعيد، سواء المستشفيات أو المدارس أو الجامعات. لديّ أطفال أريدهم أن يتعلموا، ربما عندما يكبرون ويتزوجون أعود إلى القرية كأبي لأموت هناك. وربما لا أعود".
من جهته، هاجر مجايل أوزيل من منطقة خانلي في ولاية ديار بكر، أول مرة عام 1993، بعد اشتداد الاشتباكات بين حزب العمال الكردستاني والجيش التركي. اتجه إلى مدينة مرسين ومنها إلى إسطنبول. يقول أوزيل: "لم أكن أرغب في الهجرة، لكنّنا اضطررنا إلى ذلك. كانت المرة الأولى التي أخرج فيها خارج الحدود الإدارية لولاية ديار بكر، وصلت إلى مرسين مع أولادي ومنها إلى إسطنبول، حيث وجدت عملاً بمساعدة أخي في أحد المقاهي".
يضيف أوزيل: "بطبيعة الحال لست إسطنبولياً، لكنّني أعتقد أنّ أولادي باتوا إسطنبوليين أو على الأقل لم يعودوا ديار بكريين. هم يتحدثون الكردية بصعوبة، وتزوجوا هنا، وبنوا حياتهم، أفكر أحياناً في العودة إلى ديار بكر، لكنّ عودة الاشتباكات جعلتني أنسى الأمر مرة أخرى".
يؤكد إسماعيل درويش (62 عاماً)، وهو رجل أعمال، أنّه جاء إلى إسطنبول من مدينة ماردين لدراسة الهندسة في جامعة إسطنبول، لكنّه فتح شركته الخاصة لاحقاً. يقول: "لا أفكر في العودة إلى ماردين. بعد وفاة والديّ لم يعد لي شيء في المدينة سوى بعض الذكريات التي لا تستوجب أكثر من زيارة سنوية. أبنائي لا علاقة لهم بسكان ماردين، لست إسطنبولياً، لكنّ أولادي باتوا كذلك".
في المقابل، تؤكد أستاذة علم الاجتماع، نور فرغين، أنّ حركة الهجرة إلى إسطنبول لا تترافق مع تمدّن المهاجرين. تعلق: "المهاجرون إلى إسطنبول يتجمعون في مناطق معينة تبدو نسخاً عن البلدات والقرى التي جاؤوا منها، فتنغلق أحياء المدينة وتتحول إلى ما يشبه بلدات الأناضول. بذلك، لا يحصل تبادل ثقافي بين الأحياء يساهم في إعادة إنتاج هوية خاصة للمدينة، فهم يعيشون جغرافياً في إسطنبول، لكنهم لا يعيشون فيها فكرياً وثقافياً".