عرفت مدينة يافا بانتشار عشرات البيّارات المحيطة بها، والمشهورة بزراعة برتقال "الشمّوطي" ذو القشرة السميكة والذي وصل إلى العديد من المدن الأوروبيّة عبر مينائها، الذي كان بمثابة المحطة المركزيّة ونقطة انطلاق البضائع التجاريّة والزراعيّة إلى بلدان حوض البحر الأبيض المتوسّط.
ولقد عمل في هذه البيارات أبناء مناطق السكنات التي تحيط بيافا من ثلاثة اتجاهات، والتي شيدت في أواسط القرن التاسع عشر من بعد انسحاب جيش إبراهيم باشا، وأشهر هذه السكنات كانت سكنة تل الريش، القائمة جنوب شرقي يافا والتي تعتبر اليوم جزءًا لا يتجزأ من مستعمرة حولون والتي بنتها المنظمات الصهيونية في أواخر القرن التاسع عشر، تزامناً مع بناء مستعمرة ريشون لتسيون وقد ارتكزتا أيضًا على زراعة الحمضيات والعنب، كخطوة أوليّة في مشروع الاستعمار الصهيونيّ.
شهدت هذه السكنة الكبيرة مقاومة كبيرة لأبنائها أثناء الاشتباكات مع القوّات الصهيونيّة ما بين قرار التقسيم في أواخر عام 1947 وسقوط مدينة يافا في 14 أيّار/مايو من عام 1948، وكان يسكنها قرابة 100 عائلة، فضلا عن عائلة كركوريان الأرمنيّة المالكة للعديد من بيّارات البرتقال وباقي أنواع الحمضيّات والفواكه.
ورغم قربها من يافا، تمّ تأسيس ثلاث مدارس ابتدائيّة فيها (مدرسة الشيخ حسين والشاعر إسماعيل طوباسي والشيخ العالم) في الثلاثينيات من القرن العشرين لتعليم جزء من أولاد السكنة، لأنّ التعليم وقتها لم يكن إلزاميًّا وعدد الطلاب لم يتعدَّ العشرات في المدارس المذكورة.
أحد أبناء السكنات البارزين، القاضي علي الخالدي، وكذلك بطل الشرق في الملاكمة، ديب الدسوقي. وفي حديث مع إسماعيل أبو شحادة (أبو صبحي) البالغ من العمر 91 سنة، قال لـ "العربي الجديد" إنه بعد النكبة نُقل مثل باقي الناجين من المعارك الداميّة آنذاك إلى حي العجمي قسرًا تحت تهديد الجيش اليهودي الذي سيطر على يافا وسكناتها وقراها المختلفة.
وعن الماضي الزاهر لسكنة تل الريش قال أبو شحادة: "هذه السكنة كانت غنيّة بالأراضي الزراعيّة وطبعًا امتلأت بالبيّارات من جميع اتجاهاتها، وبسبب اتكال أهلها على الزراعة تعلّمت مهنة الري من والدي ومارستها عدّة سنوات، وأذكر التطوّر الذي حصل في هذا المجال حينما أدخلنا مضخّة جديدة للري والتي كانت بالطبع أفضل من الطرق القديمة التي اعتمدت على الحيوانات الدابّة. طبعًا تم شراء هذه المضخّات من قبل جميع أبناء السكنة على مدار السنوات ولذلك تطوّر مجال الريّ وزراعة الحمضيّات وبشكل خاص برتقال يافا الذي كان منتشرًا في جميع بيّارات السكنة وفي أنحاء يافا".
موسم البرتقال
وأضاف أبو شحادة: "أذكر بدايات موسم البرتقال الذي كان في شهر آذار، بحيث تبدأ زهور الأشجار تنمو وتزدهر وتفوح رائحة عبير الزهور في كل أرجاء السكنات، الأمر الذي كان جميلاً وعطرًا من ناحية واحدة ومن ناحية أخرى كان مصدر إزعاج لأصحاب الحساسيّة للزهور فأذكر حينها أن أهالي الأطفال الذين ولدوا في فترة الازدهار أو كان عمرهم بضعة أشهر، كانوا يطلبون منا أن نضع العبير المرطب قليلاً على جبين الطفل لكي يتحصّن من الزهور".
وعن أحداث المعارك التي جرت ضد الجيش اليهودي في الأشهر الأولى من عام 1948 قال إنه كان شاهدًا لحضور خمس حافلات من الجنود الأردنيين إلى تل الريش وسمع الضابط يتلقى أوامر الانسحاب من هناك رغم الحاجة التي كانت في حماية السكنة التي تم الهجوم عليها أكثر من مرّة من قبل اليهود.
أما بعد الهزيمة التي حصلت في موقع تل الريش، فقد انتقل أبو صبحي للعيش في حي العجمي وكان شاهدًا لمأساة شعبه الذي تشتّت أغلبه وبقيت قلّة قليلة منه لا حول لها ولا قوّة، خاصّة في فترة الحكم العسكريّ الإسرائيليّ الصارم الذي فُرض على مدينة يافا انتقامًا لمقاومتها الفذّة في الأشهر الست الواقعة ما بين قرار التقسيم وإعلان دولة إسرائيل.
ويذكر أبو شحادة أنه فقط عائلة الدُح وابنه فتحي أبو شحادة هم الوحيدون الذين يمتلكون بيوتًا في هذه السكنة بحيث استطاعوا أن يعيدوها في طرقٍ قانونيّة، ولكن معالم هذه السكنة تغيّرت بالكامل من بعد النكبة، بحيث تم بناء مستشفى "ولفسون" ومبنى وزارة المواصلات الإسرائيليّة وغيرها من البنايات السكنيّة التي طمست كل أثر للبيّارات التي كانت من قبل النكبة، تمامًا مثلما حصل مع باقي البيّارات في السكنات المجاورة.
اقــرأ أيضاً
شهدت هذه السكنة الكبيرة مقاومة كبيرة لأبنائها أثناء الاشتباكات مع القوّات الصهيونيّة ما بين قرار التقسيم في أواخر عام 1947 وسقوط مدينة يافا في 14 أيّار/مايو من عام 1948، وكان يسكنها قرابة 100 عائلة، فضلا عن عائلة كركوريان الأرمنيّة المالكة للعديد من بيّارات البرتقال وباقي أنواع الحمضيّات والفواكه.
ورغم قربها من يافا، تمّ تأسيس ثلاث مدارس ابتدائيّة فيها (مدرسة الشيخ حسين والشاعر إسماعيل طوباسي والشيخ العالم) في الثلاثينيات من القرن العشرين لتعليم جزء من أولاد السكنة، لأنّ التعليم وقتها لم يكن إلزاميًّا وعدد الطلاب لم يتعدَّ العشرات في المدارس المذكورة.
أحد أبناء السكنات البارزين، القاضي علي الخالدي، وكذلك بطل الشرق في الملاكمة، ديب الدسوقي. وفي حديث مع إسماعيل أبو شحادة (أبو صبحي) البالغ من العمر 91 سنة، قال لـ "العربي الجديد" إنه بعد النكبة نُقل مثل باقي الناجين من المعارك الداميّة آنذاك إلى حي العجمي قسرًا تحت تهديد الجيش اليهودي الذي سيطر على يافا وسكناتها وقراها المختلفة.
وعن الماضي الزاهر لسكنة تل الريش قال أبو شحادة: "هذه السكنة كانت غنيّة بالأراضي الزراعيّة وطبعًا امتلأت بالبيّارات من جميع اتجاهاتها، وبسبب اتكال أهلها على الزراعة تعلّمت مهنة الري من والدي ومارستها عدّة سنوات، وأذكر التطوّر الذي حصل في هذا المجال حينما أدخلنا مضخّة جديدة للري والتي كانت بالطبع أفضل من الطرق القديمة التي اعتمدت على الحيوانات الدابّة. طبعًا تم شراء هذه المضخّات من قبل جميع أبناء السكنة على مدار السنوات ولذلك تطوّر مجال الريّ وزراعة الحمضيّات وبشكل خاص برتقال يافا الذي كان منتشرًا في جميع بيّارات السكنة وفي أنحاء يافا".
موسم البرتقال
وأضاف أبو شحادة: "أذكر بدايات موسم البرتقال الذي كان في شهر آذار، بحيث تبدأ زهور الأشجار تنمو وتزدهر وتفوح رائحة عبير الزهور في كل أرجاء السكنات، الأمر الذي كان جميلاً وعطرًا من ناحية واحدة ومن ناحية أخرى كان مصدر إزعاج لأصحاب الحساسيّة للزهور فأذكر حينها أن أهالي الأطفال الذين ولدوا في فترة الازدهار أو كان عمرهم بضعة أشهر، كانوا يطلبون منا أن نضع العبير المرطب قليلاً على جبين الطفل لكي يتحصّن من الزهور".
وعن أحداث المعارك التي جرت ضد الجيش اليهودي في الأشهر الأولى من عام 1948 قال إنه كان شاهدًا لحضور خمس حافلات من الجنود الأردنيين إلى تل الريش وسمع الضابط يتلقى أوامر الانسحاب من هناك رغم الحاجة التي كانت في حماية السكنة التي تم الهجوم عليها أكثر من مرّة من قبل اليهود.
أما بعد الهزيمة التي حصلت في موقع تل الريش، فقد انتقل أبو صبحي للعيش في حي العجمي وكان شاهدًا لمأساة شعبه الذي تشتّت أغلبه وبقيت قلّة قليلة منه لا حول لها ولا قوّة، خاصّة في فترة الحكم العسكريّ الإسرائيليّ الصارم الذي فُرض على مدينة يافا انتقامًا لمقاومتها الفذّة في الأشهر الست الواقعة ما بين قرار التقسيم وإعلان دولة إسرائيل.
ويذكر أبو شحادة أنه فقط عائلة الدُح وابنه فتحي أبو شحادة هم الوحيدون الذين يمتلكون بيوتًا في هذه السكنة بحيث استطاعوا أن يعيدوها في طرقٍ قانونيّة، ولكن معالم هذه السكنة تغيّرت بالكامل من بعد النكبة، بحيث تم بناء مستشفى "ولفسون" ومبنى وزارة المواصلات الإسرائيليّة وغيرها من البنايات السكنيّة التي طمست كل أثر للبيّارات التي كانت من قبل النكبة، تمامًا مثلما حصل مع باقي البيّارات في السكنات المجاورة.