"الأزمة تلد الهمة"، حكمة تنطبق اليوم على العائلات الجزائرية التي وجدت ضالتها في عز الصقيع وتساقط الثلوج بكثافة في ما يسمى بـ"العولة"، وتجهيز بعض الأغذية الأساسية في البيوت. وتتفنن النساء في تحضيرها، إما من القمح والسميد أو من الخضر المجففة الصالحة في أيام البرد والصقيع، خاصة في المداشر والمناطق الجبلية.
عادت "العولة" بقوة مع سوء الأحوال الجوية والظروف المناخية القاسية. وتلجأ الأسر إلى ما خبأته من مواد أساسية للأيام العصيبة، خصوصاً عندما يواجه سكان القرى عاصفة ثلجية وتساقط كميات هائلة من الثلوج. وهذا ما يحصل في 19 ولاية جزائرية قطعت الثلوج حركة السير فيها، والطرق في القرى والمداشر، وبات عسيراً على العائلات الخروج من بيوتهم، أو المجازفة في قطع عشرات الكيلومترات من أجل الظفر بمواد غذائية أساسية.
"العولة" هي من المواد التي تحضّر من القمح والسميد بمختلف التسميات والأنواع وتطهى بالمرق. بحسب السيدة الطاوس من منطقة القبائل الكبرى وسط الجزائر، والتي أكدت لـ"العربي الجديد" أنها ما زالت تحافظ هي وعائلتها وجيرانها على هذه العادة، وعلى تحضير "العولة" قبل حلول فصل الشتاء لاستهلاكها في وقتها بواسطة المرق، وتقدم لأفراد الأسرة ساخنة في أيام البرد.
وأضافت أنه غالبا ما تجتمع الأسر في الأرياف وتتعاون في تحضير "عولة الدار"، مثل طحن القمح وتحويله إلى مواد غذائية، ومنها تجهيز الكسكسي التقليدي وصناعة مختلف أنواع العجائن وتخزينها مثل "الشخشوخة " و"التريدة" و"البركوكس". وهناك تعمل الأسر على تخزين الفلفل الأخضر وخلطه بماء يضاف إليه الخل، وكذلك تحضير الزيتون ليكون متاحاً في فصل الشتاء، فضلاً عن زيت الزيتون والطحين أيضاً.
اللافت أيضاً أن عودة الجزائريين لـ"العولة" باتت مفروضة على الأسر خلال السنتين الأخيرتين، بحسب الكثيرين ممن أوضحوا لـ"العربي الجديد" أن الأمر مرتبط بضعف القدرة الشرائية وارتفاع أسعار المواد الأساسية، ما دفع العديد من العائلات الجزائرية إلى تخزين بعض المواد التي يمكن اقتناؤها من المحلات بأسعار أقل قبيل حلول فصل الشتاء.
سياسة التقشف وارتفاع الأسعار للمواد ذات الاستهلاك الواسع ساهمت في عودة "العولة" للبيوت الجزائرية.
وتقول السيدة علجية من حي بلكور في قلب العاصمة الجزائرية لـ"العربي الجديد" إن عادة "العولة" من عادات الزمن الجميل باعتبارها وسيلة للاقتصاد المنزلي في وقت كانت فيه المرأة تتصرف بحكمة وحنكة.
وتشير إلى أن الأسرة الجزائرية كانت تُخصص قديماً غرفة صغيرة تسمّى "السدة" أو بيت "العولة" لتخزين مختلف المواد الأساسية والمؤونة، تحسباً لأيام فصل الشتاء البارد. وهو مكان ما زالت بعض الأسر الجزائرية تحتفظ به في زاوية من زوايا البيوت.
وتوضح أن هذه عادة انحسرت وتقهقرت مع مرور السنوات وتسارع الحياة اليومية، ومع وخروج المرأة للعمل فإن تحضير هذه المواد في البيوت تشرف عليها المرأة، وغالباً ما يكون العمل جماعياً لتحضير كميات كبيرة منه من أجل تقاسمه بين الجيران والأقارب في النهاية.
في الواقع باتت "العولة" مفروضة على الأسر الجزائرية، فالظروف الطبيعية القاسية تدفع بتحضير مختلف المواد الأساسية الصالحة للاستهلاك خلال فصل الشتاء. وكما هي غذاء يستهلك في الأيام الصعبة، تبقى وسيلة أيضاً لتخفيف وطأة المصاريف.