في ظلّ استقبال ألمانيا عدداً كبيراً من اللاجئين، زاد الإقبال في البلاد على تعلّم اللغة العربية رغبة في التفاهم مع اللاجئين، أو خوفاً منهم، أو سعياً إلى إيجاد فرص عمل في الخارج.
لم تكن اللّغة العربيّة محطّ اهتمام الألمان بشكل كبير قبل بدء توافد اللاجئين إلى البلاد. ومع زيادة عددهم، بدأ ألمان يتعلمون اللغة العربية، بهدف التفاهم، ولو قليلاً، مع الوافدين الجدد. يقول عدد من الذين بدأوا يتعلمون اللغة في المعاهد المتخصصة، أو بمجهود شخصي، إن السبب يكمن في "الخوف من اللاجئين"، وإن كان البعض يجد هذه اللغة، رغم صعوبتها واختلاف قواعدها عن قواعد لغته الأم، لغة جميلة ومهمة. ويرغب آخرون في تعلّمها بهدف العمل في منطقة الخليج، خصوصاً في الإمارات العربية المتحدة. وببساطة، يفضّل آخرون التعرّف إلى ثقافات جديدة يجدونها مثيرة للاهتمام في ظل الأحداث التي تشهدها المنطقة العربية. هذه العوامل مجتمعة جعلت اللغة العربية مهمة جداً بالنسبة للألمان.
يقول فيليب هوفمان (44 عاماً)، وهو موظّف في شركة تأمين صحي: "أتعلّم اللغة العربية بعدما صرت أتعامل بشكل كبير مع مهاجرين يتكلّمون العربية ولا يتقنون الألمانية. وأصبحت اللغة العربية ضرورية بسبب الأعداد الكبيرة للاجئين. حتى أنّ بعض الشركات تطلب موظفين يجيدون التحدث بالعربية". تجدر الإشارة إلى أن غالبيّة المحال التجارية أصبحت تستخدم اللغة العربية لتسهيل العمل على موظفيها، في حال تعاملوا مع مهاجرين من أصول عربية ولم يتقنوا الألمانية.
أمّا كريستين كون (35 عاماً)، وهي ممرّضة في مستشفى في مدينة كولن الألمانية، تقول: "أحاول تعلّم بعض المفردات العربية التي قد تساعدني في عملي، إذ إنّني أواجه صعوبات كبيرة مع بعض الذين يقصدون المستشفى، ولا يتكلمون غير العربية". تضيف: "ولأنّهم لا يجيدون الألمانية، تصبح مهمتنا أصعب. لذلك، اتخذت قراراً بتعلّم اللغة عبر الإنترنت، واشتريت بعض الكتب. ولا يمكنني أن أنكر أنها لغة صعبة. لكن في الوقت نفسه، أسعى إلى الانتقال للعمل في دبي".
وخلال السنوات الماضية، لم تشهد المعاهد المتخصصة بتعليم اللغة إقبالاً لتعلّم اللغة العربية كما هو الحال الآن، وحتى في الجامعات. وتختلف أسباب هؤلاء، فمنهم من يرغب بتعلّم اللغة بسبب ارتباطه بصداقة أو علاقة عاطفية مع شخص عربي، ومنهم من يرغب في الحصول على وظيفة، أو التفاهم مع اللاجئين . أنجيلا براندت، وهي طالبة في جامعة "بون"، بدأت قبل نحو عام دراسة اللغة العربية خوفاً من اللاجئين. ففي حال تواجدت في أحد الأمكنة التي صودف وجود لاجئين فيها، تفضّل أن تكون قادرة على فهم ما يقولون. تشير إلى أن "أحداث ليلة رأس السنة في كولن العام الماضي كانت مخيفة. لذلك، أودّ أن أكون مطّلعة على لغة هؤلاء".
الرغبة في تعلّم هذه اللغة قد لا تكون كافية لتجاوز كل الصعوبات. بالنسبة للألمان، فإن هذه اللغة بعيدة جداً عن لغتهم، كما أنّ نطق الحروف التي لا تتضمنها لغتهم يشكل صعوبة بالنسبة إليهم. وفي أحيان كثيرة، يصعب عليهم التمييز في مخارج الحروف بين التاء والطاء والسين والصاد، عدا عن صعوبة الكتابة من اليمين اإلى اليسار، واختلاف اللغة العربية الفصحى عن اللغة العامية.
في هذا السياق، ترى الباحثة الألمانية في علم اللغات، أنغيليكا ردر، أن تعلّم اللغة العربية مفيد لأنّ هناك تواصلاً مباشراً مع المتحدثين بهذه اللغة في ألمانيا. وتشير إلى ضرورة أن يضيف الألمان هذه اللغة إلى مجال اهتماماتهم، في ظل وجود عدد كبير من اللاجئين في البلاد، علماً أنهم ما زالوا يتوافدون إلى البلاد، ويجب أن يكونوا جاهزين للتواصل مع هؤلاء الأشخاص الذين سيحتاجون فترة طويلة كي يتقنوا اللغة الألمانية.
ويمكن ملاحظة انتشار اللغة العربية في ألمانيا والاهتمام بها من قبل وسائل الإعلام الألمانية أيضاً. فقد عمدت وسائل إعلامية ألمانية عدة، منها جريدة "بيلد" وقناة "إن تي فاو"، إلى إطلاق برامج ومطبوعات باللغة العربية. في هذا السياق، يقترح الخبير التربوي توماس شتروتوته، اعتماد اللغة العربية في مدارس ألمانيا "فكما يتعلم الأطفال العرب اللغة الألمانية، على الألمان أيضاً تعلم العربية". ومستقبلاً، يرى أنه يجب الوصول إلى مرحلة من المساواة بين اللغتين، الأمر الذي سيزيد من فرص الشباب الألمان في التواصل مع العالم العربي. وفي حال تعلّم الألمان اللغة العربية، ستتحول ألمانيا إلى مجتمع متعدد اللغات. ويلفت إلى أن جزءاً من الألمان أبدى رغبة في تعلّم اللغة العربية.