" زوّجني أبي من رجل من عمره، وأنا لم أبلغ السابعة عشرة بعد"، بهذه الكلمات التي تخنقها الدموع لخّصت فاديا الشابة المنحدرة من ريف إدلب شمالي غرب سورية قصة زواجها المبكر لـ"العربي الجديد".
تعيش فاديا في تركيا، بعد أن نزحت وزوجها المسن وزوجته وأولاده، ليعيشوا جميعاً بمخيم قرب "نذب" التابع لمدينة غازي عنتاب، على الحدود التركية السورية. وتقول فاديا إنها لم تشعر كيف مرت طفولتها ولا حتى مراهقتها التي سرقت منها، وقد وجدت نفسها "زوجة" تخضع لأوامر والدها، ونازحة في مخيم مع زوج مسن هروباً من الفقر وويلات الحروب.
الناشط السوري محمود عبد الرحمن أشار لـ"العربي الجديد" إلى أن هناك مئات الحالات المشابهة لقصة فاديا، إذ يتم إجبار اللواتي يموت أزواجهن على الزواج من إخوة الزوج أو من رجال أكبر منهن بعقود، أو حتى من "مجاهدين" غرباء عن السوريين وطقوسهم.
بدوره، أوضح المحامي السوري بشير ثلجة، أن زواج القاصرات، خاصة في المناطق المحررة، تفاقم مؤخراً لاعتبارات كثيرة، ولعلّ الفقر وعدم قدرة الأهل على إعالة أسرهم من أهمها، بالإضافة إلى تفشي الغلاء وتضاعف الأسعار، وعدم وجود فرص عمل.
ولفت خلال حديثه لـ"العربي الجديد" إلى أن ما تروجه "المحاكم الشرعية" في المناطق المحررة، والتي تخضع لغرباء بالغالب، كان سبب زواج القاصرات وتزويج السوريات من الغرباء، وما يروّجونه من أحاديث تحضّ على الزواج بهدف "السترة" وعدم سلوك "طريق الحرام"، مشيراً إلى أن حالات التغييب ببعض المناطق السورية واستيلاب القرار من "المسلحين والقائمين على المحاكم الشرعية" تُفاقم تلك الحالات.
وأوضح أن معظم حالات الزواج تتم بعقود واتفاقات بين أهل العروس والزوج الذي يرافقه "أمير أو مسلحون" ولا مؤخر صداق يذكر، لأن العبارات الدينية والأمثلة التي يذكرونها وقت عقد القران تأخذ بمشاعر ذوي العروس ويتم التنازل وكأنه يبيع سلعة أو يجاهد بابنته في سبيل الله.
في المقابل، أعلن "القاضي الشرعي الأول بدمشق، محمود المعراوي، أن ظاهرة الزواج المبكر في المناطق الساخنة من أبرز مفرزات الأزمة السلبية على المجتمع، إذ يتم تزويج العديد من القاصرات في تلك المناطق دون ضوابط شرعية أو قانونية".
وأكد أن الزواج المبكر في تلك المناطق يكون أشبه بالبيع، موضحاً أن القانون منع زواج الفتاة تحت سن الـ13، وفي حال تجاوزت السن المشار إليها، كأن تبلغ الـ15 عاماً، فإن القاضي لا يزوّجها إلا في حالات معيّنة، ومنها ألا يكون هناك فارق كبير في السن بينها وبين الزوج وبحضور والدها، لافتاً إلى أن الأب لا يحقّ له شرعاً أن يجبر ابنته على الزواج من رجل لا تريده.
وبيّن القاضي الشرعي أن الزواج المبكر لا يُعتبَر مشكلة في حقيقته، إنما تكمن المشكلة في الظروف المرافقة له، كأن يتم الزواج خارج المحكمة الشرعية، ولا يخضع لمعايير شرعية وقانونية، وبالتالي تكون له آثار سلبية على الزوجين وعلى المجتمع.
ولفت إلى أن الزواج المبكر الذي يحدث في المحكمة يدوم أكثر من غيره، إذ تشير إحصاءات المحكمة الرسمية إلى أن نسبة الطلاق في الزواج المبكر لم تتجاوز 3 في المائة من حالات الطلاق هذا العام، والبالغة نحو سبعة آلاف حالة، أي أن عدد الحالات لا يتجاوز 212 حالة.
وكشفت إحصاءات المحكمة الشرعية في دمشق أن عام 2015 شهد ارتفاعاً في عقود الزواج، إذ تم تسجيل نحو 33078 حالة زواج، وهو رقم مرتفع جداً مقارنة بالسنوات السابقة، ففي عام 2014 لم يتجاوز 27349 وفي عام 2013 سجل نحو 23102، وتناقص في عام 2012 إلى 20297 فيما كان عام 2011 الأقل فلم يتجاوز العدد 18875 عقد زواج.
والحال ينسحب على المناطق المحررة، حسب مدرس التاريخ في ريف إدلب محمد محيي الدين، فحالات الزواج ارتفعت كثيراً خلال العام الماضي، مشيراً إلى أنها تتم بعقود "على الورق" أو موثقة بالمحاكم الشرعية التي لا تعتمد سوى "الشرع" تطبيقاً وتوثيقاً للزواج.
وبحسب بيانات المحاكم الشرعية في دمشق، فإن حالات الزواج العرفي خلال سنوات الحرب على سورية التي تم تثبيتها وصلت إلى 29175 عقداً عرفياً منها 1692 عقداً في عام 2011، و2269 عام 2012، بينما وصلت إلى 5315 عقداً عرفياً في 2013، في حين بلغت 7566 في عام 2014، لتصل إلى 12333 عقداً عرفياً العام الماضي.
كذلك كشفت إحصاءات قضائية سورية عن وجود نسبة كبيرة من معاملات الزواج لقاصرات أقدمن على الزواج عرفياً، إذ يتجاوز عدد معاملات تثبيت الزواج للقاصرات اللواتي تزوجن خارج المحكمة الشرعية 100 حالة يومياً، لافتة إلى أن عدد حالات الزواج العرفي في سورية للقاصرات بلغ ما يقارب 400 حالة.
وبينت الإحصاءات أن عدد معاملات زواج القاصرات في دمشق يشكل 10 إلى 15 في المائة من معاملات الزواج، إذ بلغ يومياً نحو خمس معاملات، ووصل عدد هذه المعاملات إلى 50 معاملة زواج، كما أكدت إحصاءات قضائية أن عدد معاملات زواج القاصرات يقارب 200 معاملة يومياً في جميع المحافظات السورية.
وعكس فاديا التي لم يكن قرار الزواج في يدها، فإن يارا من مدينة السويداء جنوبي سورية اختارت بنفسها الارتباط، بصرف النظر عن المعتقد الديني، وقالت لـ"العربي الجديد" إنّ "من حقها أن تختار من تحب ويناسبها، وترى أن هذا الحق الذي تصادره القوانين السورية هو من منجزات الثورة السورية".
وأضافت يارا التي اقترنت في تركيا بشاب من مدينة درعا، أن قرار الزواج شخصي وليس من حق الأهل ولا حتى القانون المرتبط بالمعتقدات الدينية، مصادرته، وخاصة أن الزواج المدني يتيح لكلا الزوجين البقاء على دينهما ومعتقداتهما، وروت لـ"العربي الجديد" عن حالات زواج عرفي بتركيا، منها ما تم توثيقه ومنها ما وثّق بعقود "تراضي" على حسب قولها.
وفي غياب إحصاءات رسمية عن هذا النوع من الزواج، بدأ الزواج عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة من "فيسبوك، تويتر، سكايب.." يتسع نتيجة انتشار السوريين في العديد من الدول والرقع الجغرافية، وهو ما رآه كثيرون حلاً جيداً وطريقة للمّ الشمل، خاصة للدول الأوروبية التي تسمح بلم شمل الزوج أو الزوجة، إن كان هناك عقد زواج مصدق.