بحجّة عدم توفّر عمّال نظافة فيها، استعانت مدارس حكومية مصرية ابتدائية وإعدادية في محافظات عدّة، بتلاميذها لإنجاز مهام غير منوطة بهم. فراح هؤلاء ينظّفون أفنية مدارسهم من المخلفات والأوراق وكذلك دورات مياهها، ويرتّبون المقاعد في غرف الصفوف، خلال إجازة منتصف العام الدراسي الجاري استعداداً للفصل الثاني.
في محاولة لتبرير الأمر، لفت مسؤولون في عدد من المدارس لـ "العربي الجديد"، إلى أنّ ذلك يأتي من ضمن النشاط المدرسي من جهة، وبهدف إبعاد الأطفال عن اللهو في الشوارع من جهة أخرى. لكنّ أولياء أمور كثر أفادوا بأنّ عدداً من إدارات تلك المدارس هدّد أبناءهم، إمّا بعدم إعلامهم بنتائج الفصل الأول في حال لم يحضروا أو بوقف إعلان درجات أعمال السنة.
وأمام تلك الضغوط، لم يجد التلاميذ مفرّاً من تنظيف مدارسهم بأكملها، خصوصاً في القرى والأرياف. يُذكر أنّ ذلك خلّف استياءً لدى الآباء، لكنّهم أذعنوا للأمر خشية رسوب أبنائهم.
وكان عدد من المحافظين، لا سيّما في محافظات الصعيد والجيزة والقليوبية وأخرى في الوجه البحري، قد طالبوا الإدارات التعليمية التابعة لهم بالانتهاء سريعاً من تجميل مباني المدارس قبل الفصل الثاني من العام الدراسي. فاستعانت الإدارات بالتلاميذ خلال الفترة الصباحية لإنجاز ذلك.
في هذا الإطار، يقول مسؤول في مديرية التربية والتعليم في محافظة الأقصر في صعيد مصر، إنّ "المحافظ محمد بدر طلب من الإدارة التعليمية الاستعداد سريعاً لبداية التيرم (الفصل) الثاني". يضيف وقد فضّل عدم الكشف عن هويّته لـ "العربي الجديد"، أنّ المدارس الحكومية كلها تعاني من عجز كبير في اليد العاملة، وهو ما يمثّل عائقاً كبيراً أمام تهيئة المدارس لاستقبال تلاميذها من جديد. ويتابع أنّ "القائمين على بعض تلك المدارس مثل مدارس الأقصر، استعانوا بتلاميذهم لجمع الأوراق بعد انتهاء الامتحانات وكذلك مخلفات الطوب والزلط، بالإضافة إلى نقل المقاعد من غرفة صف إلى أخرى وتنظيف تلك الغرف والحمامات وإصلاح النوافذ. وذلك تحسباً لأيّ زيارة مفاجئة قد يقوم بها أحد المسؤولين". ويشدّد على أنّ "عمليات الضغط والتهديد تقف وراء إقبال التلاميذ على ذلك خلال إجازة منتصف العام".
ويشير المسؤول نفسه إلى أنّ "عدم شكوى الأهالي، خصوصاً في القرى، هو ما ساهم في تكرار ذلك سنوياً خلال إجازة منتصف العام، والجهات المعنيّة على علم بذلك. وثمّة مدارس تنظّم أنشطة ثقافية ورياضية يومياً بعد الانتهاء من أعمال التنظيف، من أجل التغطية على ذلك".
أحمد أبو سعده تاجر في محافظة الأقصر، يخبر أنّ ابنه محمد في الصف السادس الابتدائي أبلغه بأنّ ثمّة نشاطاً في المدرسة ولا بدّ من أن يشارك فيه. يضيف: "أردت التأكد من هذا النشاط المجاني، فقصدت المدرسة يوم الجمعة الماضي. هناك، رأيت ابني ينظّف فناء المدرسة على الرغم من أنّه يوم إجازة رسمية. بعد ذلك، علمت أنّ هذا نشاط خاص للعناية بالمدرسة فيما تأتي النشاطات الترفيهية في آخر النهار".
من جهتها، تقول صفاء سعد من محافظة الأقصر: "اعتدنا هذا النظام الذي يستغلّ التلاميذ سنوياً ويستعين بهم لتنظيف المدارس استعداداً للتيرم الثاني، على الرغم من ضعف عود الأطفال وعدم احتمالهم مثل تلك الأعمال". وتشير إلى أنّ "إدارة مدرسة البغدادي التابعة للأقصر، تعمد على سبيل المثال إلى تقسيم التلاميذ في مجموعات عمل. فينجزون مهامهم في يوم ويحصلون على إجازة في اليوم التالي. وهذا ما يحدث مع ابني محمود وهو تلميذ في الصف الأول إعدادي". تضيف: "نخشى ظلم المدرّسين على أولادنا، فلا نقوى على قول كلمة لا".
أمّا مصطفى محمد وهو موظف في محافظة القليوبية، فيقول: "غضبت عندما شاهدت ابني عادل وهو في الصف الخامس، يجمع الطوب والورق من فناء المدرسة. وعندما توجّهت إلى الناظر، أبلغني بأنّ تعليمات الإدارة التعليمية تقضي بتنظيم نشاطات للتلاميذ بدلاً من بقائهم في الشوارع بالإضافة إلى ساعة عمل يومياً لتنظيف حوش المدرسة". يضيف: "وأكّد لي الناظر أنّ كلّ التلاميذ يقومون بذلك، وما تخافش إحنا بنحافظ على العيّل".
فتحي عبد العزيز موظف في محافظة الجيزة، لم يكتفِ بالتذمّر فتقدّم بشكوى أمام المحافظة، مطالباً بالاهتمام بالمدارس الحكومية فيها، خصوصاً في المناطق الشعبية. يقول: "لكنّ ذلك لم يتحقّق، وثمّة مدارس تستخدم التلاميذ في بناء الجدران وطلائها، بالإضافة إلى أعمال التنظيف. وهذه جريمة في حقّ هؤلاء الصغار".
في هذا السياق، يشدّد فايز بركات، عضو لجنة التعليم في مجلس النواب، على أنّ "استخدام التلاميذ في أعمال تنظيف المدارس مخالفة قانونية من كلّ الزوايا، نظراً إلى صغر سنّهم وإلى أنّ القانون يكفل لهم الحصول على التعليم فقط". ويشير إلى أنّ "للنظافة عمّالها". يضيف أنّ "حجج المدارس بعدم وجود عمّال، ليس من شأن التلاميذ ولا اختصاصهم"، موضحاً أن "استغلال الأطفال في العمل يتكرّر في مدارس حكومية كثيرة، ولا بدّ من وقفه فوراً ومحاسبة كلّ متورّط فيه".
وإذ يؤكّد بركات على أنّ "المدرسة مكان للتعليم وليست لاستغلال التلاميذ في أعمال أخرى"، يقول إنّ "كثافة التلاميذ الكبيرة في مدارس حكومية عدّة، خصوصاً مدارس الأرياف والمناطق الشعبية، تقف وراء هذا الاستغلال السيئ".