تنتزع مدينة المقدادية أو "شهربان"، مكانتها الخاصة في جغرافية وتاريخ العراق منذ آلاف السنين، وتستقي قوة بقائها على طرف قريب من الحدود الإيرانية، من خلال قبائلها العربية التي يعود تاريخ وجودها هناك إلى ما قبل الإسلام، وتعتبر تمسكها بتقاليدها ورفض الثقافة الدخيلة عليها واحدة من عوامل بقاء هويتها التاريخية، خصوصاً بعد الاحتلال الأميركي للعراق عام 2003.
وتعرف مدينة المقدادية، ومركزها "شهربان" وتعني صاحب المدينة بالساسانية، بأنها منجم البرتقال، إذ تحوي أكثر من 180 ألف دونم من بساتين البرتقال، وكذلك الرمان الذي يسد حاجة البلاد المحلية ويصدر إلى خارج البلاد، إلا أن خضوع المدينة اليوم للجماعات والفصائل المسلحة التابعة لما يعرف بالحشد الشعبي أدى إلى فرار عشرات الآلاف من سكانها إلى بغداد وكردستان وتعطيل نحو 80 في المائة من بساتينها.
كما تشتهر المقدادية بكثرة علمائها وتاريخها الغني بالأحداث، فلقد فتحها المسلمون سنة 16 للهجرة، وكانت مسرحاً لآخر معارك الجيوش الإسلامية مع الفرس آنذاك، وسميت بهذا الاسم نسبة إلى المقداد بن محمد الرفاعي أحد علماء بغداد بعد الفتح الإسلامي للعراق وفيها يوجد قبره، وكانت قد خضعت سابقاً لحكم إمبراطوريات وأنظمة عديدة، مثل السومريين والأكاديين والآشوريين والبابليين، ثم الساسانيين والإغريق، وهي ثاني أكبر بلدة بعد عاصمة محافظة ديالى مدينة بعقوبة، وقد أصبحت المقدادية رسميًا بمستوى قضاء بأمر ملكي عام 1950.
وتعتبر من أهم المدن في ديالى نظرا لموقعها الجغرافي ضمن المناطق التابعة إلى الحكومة المركزية والمناطق المتنازع عليها مع حكومة إقليم كردستان العراق وقربها من الجارة إيران من ناحية الشرق، ومنها تحرك الجيش العراقي من قاعدة عسكرية تقع في محيطها الشمالي نحو فلسطين إبان حرب 1948 وسميت المنصورية في إشارة إلى نصرة العراقيين للفلسطينيين.
حولها أحد روافد نهر ديالى إلى مساحة خضراء يقع ضمنها سد الصدور الذي يوفر المياه للزراعة منذ سنوات طويلة ومجمع الصدور السياحي، كما تتبعها نواح وقرى كثيرها منها نواحي أبي صيدا والوجيهية ودلي عباس، وقرى شروين والعالي والأسيود وجزيرة والزندان والكف.
يبلغ عدد سكانها نحو 280 ألف نسمة يشكل العرب منهم 90 في المائة و6 في المائة من الأكراد و4 في المائة هم التركمان وفيها أقلية من الشيشان الذين قدموا قبل أكثر من 150 سنة من بلاد القوقاز هاربين من البطش القيصري الروسي أيام ثورة الإمام شامل الداغستاني، كما يسكنها عدد من الصابئة المندائيين، كما كان يسكنها عدد من اليهود قبل أن يهاجروا إلى فلسطين المحتلة.
تتألف من عدة محلات منها محلة الحدادين ومحلة النجارين ومحلة الجيروان ومحلة المصاليخ ومحلة الرمادية وقلعة حسن آغا وقرية بلور وقرية سلامة وخان حسن آغا وخان صالح وخان هوبي.
كما تقطنها عشائر عبيد وشمر وجبور وعنزة وطي والقحطانيين والحمدان والقيسيين والمهدية وبني تميم والعزة والدليم، وتجد تلك القبائل أن أفضل وسيلة لمنع التغيير الديموغرافي وإيقاف مشاريع توطين الآخرين فيها، هو التمسك بالعادات والتقاليد العربية والحفاظ على لهجة المدينة الخاصة، وهو ما يعتبره أحد أعيان المدينة محمد عبيد بأنه وسيلة دفاع جيدة أثبتت نتائجها، مبينا لـ"العربي الجديد" أن "أكثر المدن تمسكا بتاريخها وتقاليدها هي تلك التي تقع على الحدود مع قومية أخرى لها ميول عدائية وأطماع، واصفا ذلك بالأمر الغريزي في كل المدن الحدودية مع الآخرين".
وتوجد في المقدادية آثار كثيرة قدّر عددها عام 1970 بـ 63 موقعا أثريا، منها تل سبع قناطر، وتل صخر، وتل اليهود، وتل الدولاب، وتل الزندان. وجسر الإنكليز، ومن أقدم المدارس فيها وأشهرها مدرسة المقدادية الابتدائية، والتي أسست سنة 1910 والمبنى الذي تشغله كان مستشفى عسكرياً أيام الاحتلال الإنكليزي، قبل أن تنتقل إليها المدرسة من محلة النجاجير.
وتتميز المقدادية بكثرة مساجدها ولا سيما المساجد القديمة، ولعل أشهرها جامع المقدادية الكبير في السوق القديم، وجامع الأورفلي، وجامع نازنده خاتون في الحي العصري، وجامع حي المعلمين، وجامع الحرية، وجامع حذيفة بن اليمان، وجامع أبو ذر الغفاري، وجامع القدس في حي فلسطين.
وتزخر المقدادية بالعديد من الرموز العسكرية والفنية والدينية والفكرية، منهم على سبيل المثال المؤرخ عبد الرحمن الحجي المختص بالتاريخ الأندلسي، وقارئ القرآن الحافظ مهدي العزاوي، وأدباء مثل الشاعر محمد سعيد الصكار، وفؤاد المقدادي، لطفي نجيب، محمود نصرت توفيق، سامي شوكت العزاوي، سليمان داود العزاوي، والموسيقي هشام صباح، والممثل المسرحي صاحب الديالي، فضلا عن مئات الشخصيات في مجالات متنوعة.