يُعرَّف الفهلوي بأنّه الماهر والقادر على التكيّف السريع مع المتغيّرات في المجتمع. لكنّ الفهلوة في المغرب غالباً ما تؤخذ بمعناها السلبي، ليكون الفهلوي ذلك "المحتال" الذي يعرف كيفية تدبير أموره بكلّ الطرق الممكنة
الدهاء والتكيّف مع الأحداث والوقائع، والظهور بمظهر الذكي الذي يستطيع تدبير أموره بسرعة، والسرقة بطرق احتيالية، وتصنّع الأدب لتحقيق المآرب، وتحقيق مكاسب كثيرة بمجهود قليل... بعض ممّا يدلّ على "الفهلوة" في المجتمع المغربي. وهو أمر انتشر بصورة كبيرة بين الناس خلال السنوات الأخيرة، بسبب تغيّر القيم والمفاهيم الاجتماعية والسلوكية.
مراد بندرعي موظف في مؤسسة عامة، يخبر "العربي الجديد" عن صديق قديم من أيام الدراسة، "يقطر فهلوة في كل تصرفاته، بفضل لسانه الحلو. فهو تمكّن بفضله من كسب ودّ ومحبّة زملائه ومدرّسيه". يضيف أنّه "بقي على هذه الحال خلال دراسته الجامعية وصولاً إلى ميدان العمل. وقد تمكّن من الترقّي مهنياً بسرعة غريبة، وصار مديراً لإحدى المؤسسات، بينما بقيت أنا في مكاني، من دون الحصول على ترقيات تُذكر". ويتحدّث بندرعي عن "موهبة ذلك الصديق في الحديث المنمّق مستعيناً بوسامة وجهه. وبمجرّد حصوله على شهادته الجامعية، وفي حين كان عدد من زملائه يعانون من البطالة، بدأ يعمل في إحدى المؤسسات التي يديرها والد صديقة له. بعد ذلك، تزوّج من تلك الصديقة وراح يتسلق المناصب بطريقة باهرة إلى أن أصبح الآمر الناهي في تلك المؤسسة".
اقــرأ أيضاً
محترف فهلوة
لا يختلف عبد القادر عن صديق بندرعي، فهو لطالما حرص على اتّباع أسلوب الفهلوة لكسب رزقه وإعالة عائلته الصغيرة المكونة من زوجة وطفلين. وعبد القادر المشهور في منطقته، ليست له مهنة ثابتة، لذا كان يتّكل على الحظ والخفّة في تأمين لقمة عيشه. في بعض الأحيان، يعمل عبد القادر سمساراً، وفي أحيان أخرى تاجراً. وهو لا يرى مانعاً من العمل حمالاً أو حارس سيارات لو اقتضى الأمر ذلك. في كلّ الأحوال، كثيراً ما يستخدم فهلوته لاقتناص فرص كبيرة بمجهود صغير. ويجلس الشاب الثلاثيني في أحد المقاهي القريبة من منزله في أحد أحياء الرباط الشعبية، ورأس ماله هاتفه وثرثرته التي يحاول من خلالها التوسّط بين بائع وشار بخصوص سلعة أو عقار، أو التنسيق بين صاحب منزل وراغب في استئجاره. كذلك قد يسعى إلى تأمين خدمات الكهرباء على سبيل المثال لسكان الحيّ، لقاء تعويض من الجانبَين المعنيَّين، الزبون والعامل.
والفهلوة أكثر انتشاراً في مجالات معيّنة، مثل بعض الأعمال الصغيرة. حارس السيارات على سبيل المثال، يعمل بأسلوب فهلويّ يمكّنه من الحصول على مقابل لما قام به، على الرغم من أنّه لم يحرس شيئاً. فهو لا يظهر سوى مرّتَين، الأولى عند ركن السيارة والثانية عند رغبة صاحبها في المغادرة، لتسلم النقود لقاء فهلوته ليس إلا.
وإلى حارس السيارات، يأتي على سبيل المثال لا الحصر، بائع الخضر والفاكهة الذي يتعمّد إخفاء بضاعته الجيّدة أسفل الصناديق حتى يبيع سلعه ذات الجودة المتدنية، وكذلك بائع الخراف الذي يقسم بأنّها مليحة وليس فيها عيب وهو يعلم أنّه يقسم كذباً ليبيعها.
مستوى عالٍ
هؤلاء ليسوا الوحيدين الذين يتمكّنون من الفهلوة، بل ثمّة مسؤولون كبار يلجؤون إلى السلوك نفسه، ليس من أجل لقمة العيش وإنّما لمراكمة الثروات والأموال أو لتعزيز السلطة والنفوذ. ويعمد المسؤول أو المدير في شركة ما إلى أسلوب الفهلوة، إمّا للتنصّل من مطالب العمال على الرغم من وعوده المتكررة لهم، أو للإفلات من الضرائب المستحقة عليه، أو لزيادة الأرباح المالية، مستخدماً كلّ الطرق القانونية وغير القانونية للوصول إلى هدفه.
ويتذكّر المغاربة مسؤولاً كبيراً تورّط في فضيحة تشغيل عدد كبير من الشباب على باخرة إماراتية. في ذلك الحين، قدّم الآلاف طلبات عمل، وصرفوا مبالغ مالية لإجراء تحاليل طبية وغيرها، لكنّهم فوجئوا بأنّ تلك "الصفقة" كانت وهمية. فأصيب كثيرون بصدمة، لكنّ المسؤول المذكور لم يعتذر وظل متمسكاً بمنصبه، ومرّت الأيام لينتقل إلى منصب أكبر في الدولة من دون أيّ شعور بالذنب.
يعلّق الباحث في علم السلوك الاجتماعي بدر موقاتي على الموضوع قائلاً لـ"العربي الجديد"، إنّ "السلوكيات المتناقضة مع القانون والتي تهدف إلى إظهار القوة أو الذكاء على الآخرين، هي نتيجة التحوّلات الهائلة في المجتمع المغربي". ويتحدّث عن "الذين يقتحمون الطوابير لتسديد فواتير الكهرباء أو الهاتف وغيرهما من الخدمات، مستعينين بحجج وخدع". يضيف موقاتي أنّ "هذا سلوك يأتي من بين سلوكيات كثيرة تنمّ عن ضعف في التربية على المواطنة".
اقــرأ أيضاً
الدهاء والتكيّف مع الأحداث والوقائع، والظهور بمظهر الذكي الذي يستطيع تدبير أموره بسرعة، والسرقة بطرق احتيالية، وتصنّع الأدب لتحقيق المآرب، وتحقيق مكاسب كثيرة بمجهود قليل... بعض ممّا يدلّ على "الفهلوة" في المجتمع المغربي. وهو أمر انتشر بصورة كبيرة بين الناس خلال السنوات الأخيرة، بسبب تغيّر القيم والمفاهيم الاجتماعية والسلوكية.
مراد بندرعي موظف في مؤسسة عامة، يخبر "العربي الجديد" عن صديق قديم من أيام الدراسة، "يقطر فهلوة في كل تصرفاته، بفضل لسانه الحلو. فهو تمكّن بفضله من كسب ودّ ومحبّة زملائه ومدرّسيه". يضيف أنّه "بقي على هذه الحال خلال دراسته الجامعية وصولاً إلى ميدان العمل. وقد تمكّن من الترقّي مهنياً بسرعة غريبة، وصار مديراً لإحدى المؤسسات، بينما بقيت أنا في مكاني، من دون الحصول على ترقيات تُذكر". ويتحدّث بندرعي عن "موهبة ذلك الصديق في الحديث المنمّق مستعيناً بوسامة وجهه. وبمجرّد حصوله على شهادته الجامعية، وفي حين كان عدد من زملائه يعانون من البطالة، بدأ يعمل في إحدى المؤسسات التي يديرها والد صديقة له. بعد ذلك، تزوّج من تلك الصديقة وراح يتسلق المناصب بطريقة باهرة إلى أن أصبح الآمر الناهي في تلك المؤسسة".
لا يختلف عبد القادر عن صديق بندرعي، فهو لطالما حرص على اتّباع أسلوب الفهلوة لكسب رزقه وإعالة عائلته الصغيرة المكونة من زوجة وطفلين. وعبد القادر المشهور في منطقته، ليست له مهنة ثابتة، لذا كان يتّكل على الحظ والخفّة في تأمين لقمة عيشه. في بعض الأحيان، يعمل عبد القادر سمساراً، وفي أحيان أخرى تاجراً. وهو لا يرى مانعاً من العمل حمالاً أو حارس سيارات لو اقتضى الأمر ذلك. في كلّ الأحوال، كثيراً ما يستخدم فهلوته لاقتناص فرص كبيرة بمجهود صغير. ويجلس الشاب الثلاثيني في أحد المقاهي القريبة من منزله في أحد أحياء الرباط الشعبية، ورأس ماله هاتفه وثرثرته التي يحاول من خلالها التوسّط بين بائع وشار بخصوص سلعة أو عقار، أو التنسيق بين صاحب منزل وراغب في استئجاره. كذلك قد يسعى إلى تأمين خدمات الكهرباء على سبيل المثال لسكان الحيّ، لقاء تعويض من الجانبَين المعنيَّين، الزبون والعامل.
والفهلوة أكثر انتشاراً في مجالات معيّنة، مثل بعض الأعمال الصغيرة. حارس السيارات على سبيل المثال، يعمل بأسلوب فهلويّ يمكّنه من الحصول على مقابل لما قام به، على الرغم من أنّه لم يحرس شيئاً. فهو لا يظهر سوى مرّتَين، الأولى عند ركن السيارة والثانية عند رغبة صاحبها في المغادرة، لتسلم النقود لقاء فهلوته ليس إلا.
وإلى حارس السيارات، يأتي على سبيل المثال لا الحصر، بائع الخضر والفاكهة الذي يتعمّد إخفاء بضاعته الجيّدة أسفل الصناديق حتى يبيع سلعه ذات الجودة المتدنية، وكذلك بائع الخراف الذي يقسم بأنّها مليحة وليس فيها عيب وهو يعلم أنّه يقسم كذباً ليبيعها.
مستوى عالٍ
هؤلاء ليسوا الوحيدين الذين يتمكّنون من الفهلوة، بل ثمّة مسؤولون كبار يلجؤون إلى السلوك نفسه، ليس من أجل لقمة العيش وإنّما لمراكمة الثروات والأموال أو لتعزيز السلطة والنفوذ. ويعمد المسؤول أو المدير في شركة ما إلى أسلوب الفهلوة، إمّا للتنصّل من مطالب العمال على الرغم من وعوده المتكررة لهم، أو للإفلات من الضرائب المستحقة عليه، أو لزيادة الأرباح المالية، مستخدماً كلّ الطرق القانونية وغير القانونية للوصول إلى هدفه.
ويتذكّر المغاربة مسؤولاً كبيراً تورّط في فضيحة تشغيل عدد كبير من الشباب على باخرة إماراتية. في ذلك الحين، قدّم الآلاف طلبات عمل، وصرفوا مبالغ مالية لإجراء تحاليل طبية وغيرها، لكنّهم فوجئوا بأنّ تلك "الصفقة" كانت وهمية. فأصيب كثيرون بصدمة، لكنّ المسؤول المذكور لم يعتذر وظل متمسكاً بمنصبه، ومرّت الأيام لينتقل إلى منصب أكبر في الدولة من دون أيّ شعور بالذنب.
يعلّق الباحث في علم السلوك الاجتماعي بدر موقاتي على الموضوع قائلاً لـ"العربي الجديد"، إنّ "السلوكيات المتناقضة مع القانون والتي تهدف إلى إظهار القوة أو الذكاء على الآخرين، هي نتيجة التحوّلات الهائلة في المجتمع المغربي". ويتحدّث عن "الذين يقتحمون الطوابير لتسديد فواتير الكهرباء أو الهاتف وغيرهما من الخدمات، مستعينين بحجج وخدع". يضيف موقاتي أنّ "هذا سلوك يأتي من بين سلوكيات كثيرة تنمّ عن ضعف في التربية على المواطنة".