لم يكن مجدي البالغ من العمر 27 عاماً، يتوقّع أنّ معاناته مع الانزلاق الغضروفي الذي حذّره الأطباء من خطورة تحوّله إلى شلل، سوف تنتهي عبر منشور على موقع فيسبوك للتواصل الاجتماعي. وهو الأمر الذي مكنّه من الخضوع إلى عملية جراحية كلّفت نحو نصف مليون ريال يمني، أي ما يعادل نحو ألف و250 دولاراً أميركياً.
ومجدي الذي يعمل حمّالاً في مدينة المكلا في محافظة حضرموت، شرقيّ اليمن، ويعيل زوجته وولَدين، كان مهدداً بشلل يمنعه من العمل نظراً إلى عجزه عن توفير المبلغ الباهظ المطلوب للعملية الجراحية. لكنّ صفحة فيسبوك الخاصة بالناشط اليمني محمد أحمد باحباره والتي أرادها لمساعدة الحالات الإنسانية، وضعت حداً لمعاناته وكذلك معاناة مئات الأسر المنهكة نتيجة الأوضاع الإنسانية الصعبة التي يعيشها اليمن من جرّاء الحرب التي تقرب من إكمال عامها الثالث من دون مؤشرات إلى حلول.
وفي حين احتلت المماحكات السياسية الحيّز الأكبر من اهتمام الناشطين اليمنيين على مواقع التواصل الاجتماعي بفعل إفرازات الحرب، كرّس محمد أحمد وهو شاب من مدينة المكلا، صفحته تلك لعرض حالات "متعففة" وتذييل المنشورات بعناوين التواصل الشخصية. وتلك المنشورات تلقى غالباً تفاعلاً من قبل رجال الأعمال والميسورين، وفي مقدّمتهم المغتربين.
يقول محمد أحمد لـ "العربي الجديد" إنّ البداية كانت في عام 2015 عندما وقع بين يدَيه تقرير طبي لطفلة تبلغ من العمر ستة أشهر مصابة بورم سرطاني، فخطر على باله تدوين مناشدة قصيرة عبر مواقع التواصل الاجتماعي لمساعدتها. وبخلاف المتوقّع، لقيت مناشدته تلك تفاعلاً كبيراً وخضعت الطفلة إلى عملية جراحية بعد توفّر تكلفتها، وهي اليوم على خير ما يرام. ويلفت محمد إلى أنّ تواصل وزير سابق معه فور نشر المناشدة وتكفّله بنصف المبلغ المطلوب، "حفّزني على مواصلة حملاتي على فيسبوك".
ويعترف محمد أحمد أنّ ثمّة صعوبات لقيها في البداية، لعدم معرفة المتبرّعين به وبطبيعة نشاطه، "لكنّه ومع مرور الوقت ازدادت ثقتهم بي واستطعت تعزيز مصداقيتي لديهم من خلال إرسال صور السندات والفواتير حتى لو لم يطلبوها، فضلاً عن عدم تقاضي أيّ نسب من مبالغ التبرّعات".
ويشير الناشط اليمني إلى أنّ "الوضع الإنساني الصعب الذي تمرّ به البلاد زاد من الحالات التي تطلب عرض معاناتها". لكنّ طريقة عمله تقتضي التحرّي عن الأشخاص بعد استلام تقاريرهم، ومعرفة ما إذا كانوا بالفعل في حاجة إلى ما يطلبونه، عبر الاستعانة بوسيط من أقربائهم حرصاً على كرامتهم.
ويوضح محمد أحمد أنّ "نحو ألف حالة استفادت من مناشداتي على فيسبوك، وهي لأشخاص يتوزّعون ما بين مرضى ومعوزين وأسر فقيرة، يُصار إلى التكفّل ببعضها شهرياً". يضيف أنّ "ثمّة أسراً أوجدنا لها مشاريع مدرّة للدخل لنقلها إلى حالة الاكتفاء الذاتي"، مشيراً إلى أنّ "الشفافية والوضوح واحترام كرامة المحتاج ساهمت كثيراً في إنجاح الفكرة". ويتابع إنّه يدين بالفضل لمتابعيه على موقع "فيسبوك" وتطبيق "واتساب" الذين يشاركون منشوراته ويتفاعلون معها.
صعوبات عدّة يواجهها محمد أحمد، ومن أبرزها "كثرة الأسر المحتاجة التي تطلب عرض معاناتها، وعدم وجود داعمين للاستعانة بهم في الحالات الطارئة". والشاب الذي يطمح إلى تلبية أكبر عدد ممكن من الحالات الإنسانية، يشعر أنّ ما يقوم به أكسبه احترام الناس من حوله ومرتادي مواقع التواصل الاجتماعي وعزّزت ثقتهم به. ويطلب في السياق من الناشطين على مواقع التواصل الاجتماعي استغلالها واستغلال التكنولوجيا بطريقة إيجابية ومساعدة الآخرين.
وكانت الحرب الدائرة في البلاد قد فاقمت من تدهور الوضع الإنساني في اليمن على نحو غير مسبوق، وسط تحذيرات أطلقتها الأمم المتحدة والمنظمات الدولية حول "مجاعة محدقة بالبلاد". ولعلّ ما زاد الوضع سوءاً هو تدهور قيمة الريال اليمني ليصل سعر صرفه إلى نحو 450 ريال مقابل دولار واحد، وهو الأمر الذي جعل أسعار السلع الغذائية تقفز إلى مستويات عالية.
وقد كشف تقرير صدر عن مركز الدراسات والإعلام الاقتصادي في سبتمبر/ أيلول الماضي، أنّ نسبة الفقراء في اليمن ارتفعت إلى 85 في المائة من إجمالي عدد السكان البالغ 27 مليون نسمة. وأكّد التقرير نفسه أنّ الأوضاع المعيشية باتت سيّئة جداً، إذ ارتفعت أسعار المواد الغذائية، خلال النصف الأول من العام الجاري، بنسبة 35 في المائة بالمقارنة مع الفترة نفسها من العام الماضي، وبأكثر من 150 في المائة بالمقارنة مع ما كانت عليه الحال قبل الحرب. وذكر التقرير أنّ عدم تسلّم الموظفين الحكوميين رواتبهم للشهر الحادي عشر فاقم من الحالة الإنسانية المتردية في البلاد.