"من القلب إلى القلب ومن دون أن ترى العين" شعار اختارته مجموعة من الشباب الجزائريين من ولاية الشلف التي تبعد 320 كيلومتراً غربيّ الجزائر العاصمة من أجل "الخير بالخير". وبعدما انطلقت المبادرة مع ثلاثة أفراد، راحت تتوسّع لتطاول اليوم ولايات جزائرية أخرى، وراح ينضم إليها أصدقاء الأصدقاء ومعارفهم وكلّ من يرغب في "وضع يده في عجينة صناعة الخير".
والمبادرات الخيرية تكثر في الجزائر وتتّخذ أشكالاً مختلفة من الدعم والعمل التضامني، لكنّ مجموعة "من القلب إلى القلب" بحسب ما يوضح ناشطون في المبادرة، وضعت تصوّراً مغايراً للعمل الخيري وفضّلت اللجوء إلى "الخير الصامت" وإنجاز ما تريد إنجازه من خير بعيداً عن الإعلام والأضواء والضوضاء، وذلك تجنباً للرياء واحتراماً لخصوصية كل واحد من المحتاجين.
وجهود مجموعة "من القلب إلى القلب" تتّخذ أشكالاً عدّة للدعم والمساعدة بحسب كلّ حالة على حدة. على سبيل المثال، ثمّة مساهمات مالية شهرية تودع في حساب أشخاص يعانون من أزمات أو مشكلات معيّنة، أو قد يكون الأمر توفير معدّات طبية وكراس متحركة لأشخاص معوّقين. وقد تُجمَع مساهمات مالية من قبل زملاء موظفين أو مقرّبين للمساهمة في مبادرة لمصلحة أحد أفراد المجموعة في حال تعرّض إلى وعكة صحية تحتاج إلى وقفة ومساعدة نفسية أو مالية أو اجتماعية، وكلّ شخص يساهم بحسب قدرته. إلى ذلك، ثمّة حالات تحتاج إلى دعم ومساعدات تقنية نوعاً ما لتتجاوز محنتها، من قبيل التوجيه نحو حلّ مشكلة متعثرة أو اقتراح مشروع والمساهمة في تحديد الخطوط العريضة له.
فاطمة عضو في فريق المبادرة، تؤكد لـ"العربي الجديد" أنّ "الشعار يعني في النهاية أنّ الفعل يأتي من المحبة بين الأصدقاء ويؤثّر فيهم ويزيدهم صلابة وقدرة على مواجهة الصعاب، لكن شريطة ألا يعرف أحد مصدر تلك المساعدة أو كيفية تقديمها وطريقة جمعها إذا كانت مبلغاً مالياً. هدفنا هو مصلحة من هو في حاجة والإتيان بمفاجأة لإدخال السرور إلى قلب منكسر". تضيف فاطمة أنّ "القوة تتولّد من الأزمات. وقد أتت الفكرة عندما وقف أصدقاء نورة (45 عاماً) إلى جانبها في محنتها التي عانت منها على مدى سنتَين كاملتَين".
وتعقّب صونية مباركي، زميلة فاطمة، أنّ "مبادرة من القلب وإلى القلب من دون أن ترى العين ولدت من رحم أزمة مفاجئة وقعت فيها تلك الصديقة. شعر الأصدقاء بفزع، لكنّهم اتحدوا جميعهم لتقديم المساعدة لها من دون إحراجها أو تذكيرها بجرحها، خصوصاً أنّ المرض كان شديداً عليها وتأذّت نفسياً". وتؤكد صونية لـ "العربي الجديد" أنّ "المرض قدر محتوم، لكنّ أثره راح يتقلّص عندما اقتسم الأصدقاء الوجع بعضهم مع بعض وملأوا الفراغ الرهيب الذي عاشته نورة خلال محنتها". يُذكر أنّ صونية تعرّفت إلى نورة عبر أحد مواقع التواصل الاجتماعي، "وقد عرفنا من خلال هذه التجربة أنّ كلّ حزن يخفّ أثره في حال جرى اقتسامه، أمّا السعادة فهي تكبر كلّما مُنحت لآخر. كذلك فإنّ المحن تحتاج إلى قلب قوي، والقوة تُستمد من المجموعة".
من جهته، ينشط عبد الله سعدي في تلك المبادرة، وقد شجّع عشرات على المشاركة، من مختلف مناطق ولاية الشلف ومن الولايات المجاورة. يقول لـ "العربي الجديد" إنّ مساعدات "من القلب إلى القلب" راحت تكبر شيئاً فشيئاً، "ومن مساعدة بسيطة أو تمويل علاج إلى تشييد منزل لم يستطع صاحبه الانتهاء منه بسبب ضيق اليد. يضيف عبد الله أنّ "المال وحده لا يكفي. وربّ أخ لم تلده لك أمك، حكمة تستند إليها مجموعات من القلب إلى القلب".
في السياق، أطلق عبد الغني قبل فترة زمنية مشروعه لتعليم أطفال صغار يتامى في مستودع خصّصه لهم في بلدته وادي الفضة، غربيّ العاصمة الجزائرية. يقول لـ "العربي الجديد" إنّ ذلك "يأتي في سياق دروس دعم ومساعدة قبيل الامتحانات، لاسيّما في عطل نهاية الأسبوع أو العطل المدرسية". وعبد الغني يحمل شهادة في العلوم الطبيعية من المدرسة العليا للأساتذة، لكنّه وجد في "مبادرة من القلب إلى القلب دافعاً كبيراً لتعليم أبناء حيّي وقريتي من الفقراء والمعوزين الذين يحتاجون إلى الدعم بسبب العوز". وانضمامه إلى هذه المبادرة، يرى فيه "مشروع حياة كاملة يهدف إلى مستقبل أفضل. فأنا فكّرت جدياً بأنّ تلميذ اليوم سوف يصير غداً طبيباً أو أستاذاً أو مخترعاً أو فناناً، وسوف أكون فخوراً بالمساهمة في ذلك ومن دون ضجّة". تجدر الإشارة إلى أنّ الناشطين في مبادرة "من القلب إلى القلب" يحرصون على عدم الإعلان عمّا يأتون به، وعدم نشر ذلك من خلال وسائل التواصل الاجتماعي.