في أواخر يونيو/ حزيران 2018، يبدأ سريان القرار السعودي القاضي بالسماح للمرأة بـقيادة السيارة رسمياً. على الرغم من ذلك، فإنّ القوانين السعودية الأخرى ما زالت تقف عائقاً أمام هذا القرار الذي كان قد وُصِف بالتاريخي. ولأنّ تلك القوانين الأخرى تُعامَل المرأة وفقها على أنّها في مرتبة أدنى من الرجل، فقد طلبت الإدارة العامة للمرور من الحكومة السعودية تعديل بعض القوانين.
بدأت الحكومة بسنّ قانون خاص بالتحرّش، وذلك بهدف منع الاعتداءات على النساء في أثناء قيادتهنّ المزمعة للسيارات في شوارع مدن المملكة العربية السعودية، على الرغم من الاعتراض المستتر لبعض رجال الدين. بحسب مزاعم هؤلاء، فإنّ هذا القانون يشجّع على الاختلاط بين الرجل والمرأة وهو أمر حرّمته هيئة كبار العلماء، أعلى سلطة دينية رسمية في البلاد.
وقد أنشأت الإدارة العامة للمرور في السعودية لجنة خاصة لمواءمة القوانين النظامية الخاصة بقيادة المرأة السيارة مع القوانين السعودية، وأوضحت في بيان لها أنّه سوف يُسمح للمرأة بقيادة السيارات وفقاً للقوانين التي تطبّق اليوم على الرجل، وسوف تتمكن من استخراج رخصة القيادة عند بلوغها الثامنة عشرة بالإضافة إلى إمكانية قيادتها الدراجة النارية والشاحنات والآلات الثقيلة. إلى ذلك، نفت الإدارة ما تردد عن وضع لوحات خاصة لسيارات النساء، مؤكّدة على تطابق لوحات الذكور والإناث. وأوضحت أنّ حاملات الرخص الدولية من السعوديات المقيمات في الخارج أو من الوافدات، سوف يتمكّن من القيادة برخصهنّ كذلك.
إلى ذلك، أشارت الإدارة العامة للمرور إلى تعاون قائم بين وزارة الداخلية ووزارة العمل والتنمية الاجتماعية بهدف استخدام "مراكز رعاية الفتيات" لسجن المتسبّبات في الحوادث أو اللواتي يتخطّينَ الإشارات المرورية، وذلك لعدم وجود شرطة نسائية حقيقية في البلاد حتى اليوم.
في السياق، يقول مراقبون قانونيون سعوديون، إنّ محاولات تعديل القوانين لتتوافق مع قرار قيادة المرأة ما زالت بدائية، وذلك بسبب تعارض كبير بين القوانين القديمة وبين قانون قيادة المرأة. وفي حالة عقوبة السجن، القانون السعودي يرى أنّ المرأة ليست كاملة الأهلية وهي بالتالي في حاجة إلى رجل يستلمها بعد سجنها في مركز لرعاية الفتيات بسبب تجاهل إشارة مرورية على سبيل المثال. وثمّة عائلات ترى في دخول المرأة إلى هذا النوع من المراكز عاراً، فترفض استلامها، وهو أمر يجعلها عالقة فيه طوال حياتها.
وعلى الرغم من إعلان الداخلية السعودية أنّ المرأة ليست في حاجة إلى إذن من أحد حتى تتمكّن من التنقّل من مدينة إلى أخرى بالسيارة، فإنّه يحقّ لوليّ أمرها أن يرفع دعوى تغيّب في حقها، الأمر الذي قد يتسبّب في اعتقالها في الوقت نفسه.
وكان قرار ملك السعودية سلمان بن عبد العزيز، القاضي بالسماح للمرأة قيادة السيارة بعد المنع الذي لازمها طوال تاريخ الدولة السعودية، والذي أصبحت السعودية بموجبه الدولة الوحيدة التي تمنع المرأة من قيادة السيارة، قد وُوجه بمعارضة من قبل التيار الديني الذي استسلم في النهاية، خصوصاً مع حملة الاعتقالات العنيفة التي طاولت مئات من شيوخ تيار الصحوة، أحد أكبر التيارات الدينية في البلاد.
وقد حاول شيوخ دين سعوديون مقرّبون من النظام السعودي عرقلة قرار قيادة المرأة عبر الاقتراح بمنع المرأة من الانتقال من مدينة إلى أخرى أو حصر قيادة السيارات بالنساء اللواتي بلغنَ الثلاثين من عمرهنّ أو منع وضع صور النساء على رخص القيادة، غير أنّ بيانات إدارة المرور المتتالية جعلت جهودهم تذهب هباءً.
تجدر الإشارة إلى أنّ قرار العاهل السعودي أتى على خلفية الصعوبات الاقتصادية التي تعاني منها البلاد، وفي محاولة لدفع أكبر عدد ممكن من النساء صوب سوق العمل، الأمر الذي من شأنه أن يجلب عائدات بعشرات مليارات الدولارات نظير الضرائب المفروضة على المواطنين في إطار خطة تحويل المملكة الريعية إلى دولة رأسمالية ذات نظام سوق مفتوح وسياسات نيولبرالية.
"الإباحة" في الأصل
صدر القرار الملكي الذي منح المرأة السعودية الحق في القيادة في 26 سبتمبر/ أيلول الماضي وجاء فيه: "نشير إلى ما رآه أغلبية أعضاء هيئة كبار العلماء بشأن قيادة المرأة للمركبة من أنّ الحكم الشرعي في ذلك هو من حيث الأصل الإباحة، وأنهم لا يرون مانعاً من السماح لها بقيادة المركبة في ظلّ إيجاد الضمانات الشرعية والنظامية اللازمة لتلافي تلك الذرائع ولو كانت في نطاق الاحتمال المشكوك فيه".