عند إجراء بحثٍ، ليس سريعاً، في الإنترنت حول التطوع في العالم العربي، بهدف الحصول على إحصائيات تبيّن نسبة المتطوعين لدينا، والشباب الذين يتوجّهون إلى هذا العمل، الذي يحل اليوم يومه الدولي، غالبًا لن نعثر على شيء.
ربّما نجد مؤتمرات تُقام هنا وهناك، وندوات تثقيفية تتناول أهمية العمل التطوعي وأدواره الاجتماعية والاقتصادية التنموية. سنعثر أيضًا على مقالات كثيرة تتساءل: لماذا تتراجع ثقافة التطوّع في عالمنا العربي؟ كما سنمرّ على فيديوهات تضع أرقاماً افتراضية بصيغة أسئلة: ماذا لو أنّ عشرين بالمائة من سكان العالم العربي يتطوّعون لأربع ساعات يومياً؟ على ماذا سنحصل؟
الاضطرار إلى وضع هذه الأرقام الافتراضية، التي يطمح مقترحوها إلى أن تصبح حقيقةً في يوم ما، لعلنا نحصل على مجتمعات بحالٍ أفضل، يقودنا إلى أن نتأكّد أن ثقافة التطوّع غائبة عن شبابنا. لكن ما من أرقام وإحصائيات توضّح هذه المقولة، سوى مقابلات قليلة تُجرى مع مختصّين، يقولون إنه من 6 إلى 8 بالمائة على الأكثر من شباب العالم العربي يقدّمون عملاً تطوعياً.
من جهةٍ أخرى، نجد في الصحافة العربية، والتقارير الرسمية الصادرة عن المنظمات العالمية، أرقاماً دقيقةً تتناول واقع الحال في أوروبا والولايات المتحدة حول العمل التطوعي.
في تقرير نشرته منظمة يونيسف، جاء أن في بريطانيا وحدها، عام 2001، انخرط قرابة 18.8 مليون شخص في المساهمة بنشاط اجتماعي. وفي 2003، بلغ عددهم 20.3 مليونا، مع الإشارة إلى أن الرقم يزداد سنوياً بقرابة مليوني متطوّع.
مع افتقارنا لوجود أرقام دقيقة في عالمنا العربي، يُطرح سؤال: لماذا لا يُساهم شباب منطقتنا في العمل التطوعي؟ تُمكن الإجابة عن السؤال عبر ثلاث نقاط أساسية:
الأولى، تكمن في أنّ كثيرًا من المؤسسات التي تستقطب الشباب للعمل التطوعي بها، تفعل ذلك بهدف استغلالهم وتوفير نفقاتها؛ إذ يكتشف الشباب أن هذه المؤسسات التي تزعم أنها غير ربحية، هي مؤسسات ممولة وتجني مالًا كثيرًا على حسابهم، فيشعرون أنهم مُستغلّون.
الثانية لا تبتعد عن الأولى كثيرًا؛ إذ تستغل بعض الشركات الخرّيجين الجدد، وتطلب منهم العمل لديها بالمجّان باسم التطوّع، ليجد الشاب نفسه يعمل لساعات طويلة مثله مثل أي موظّف في الشركة، لكنه لا يتقاضى أجرًا مقابل عمله هذا.
أما الثالثة؛ فهي أن الشباب، في عالمنا العربي، ليسوا معنيين بالتطوّع، بل العمل مباشرة لقاء أجرٍ لأنهم أصلًا يعيشون في ظروف اجتماعية واقتصادية تُحتّم عليهم أن يعملوا بمقابل، فلا وقت لديهم للتطوّع.
وبهذا، نحصل على شباب يفتقرون إلى الوعي العميق تجاه مجتمعهم، الذي يساهم العمل التطوّعي في بنائه وتعزيزه لديهم؛ فهو أحد ركائز التنمية الاجتماعية. وهذا ما تمكن ملاحظته في الولايات المتحدة والدول المتقدمة؛ إذ تقوم ثقافة التطوع هناك على أن المتطوّع يقدّم دوراً فاعلاً ليساهم في بناء أمّته.
(العربي الجديد)