يعود أهالي الرقّة إلى مدينتهم، التي اضطروا إلى تركها، بعد تحريرها من "داعش". وهم يصرون على إعادتها إلى الحياة بعد كل ما مرّت به.
يكاد لا يمرّ يوم على مدينة الرقة السوريّة، التي طردت تنظيم الدولة الإسلامية "داعش" قبل أسابيع عدة، من دون أن تسجّل عودة عائلات إليها كانت قد هجرتها من جراء العمليات العسكرية والقصف خلال عملية طرد التنظيم منها. معظم المباني دُمّرت بشكل جزئي أو كلي، عدا عن الحُفر في الأرض من جراء القذائف، إضافة إلى أكوام الركام التي ما زالت تُغلق بعض الشوارع.
وتقول مصادر محلية في الرقة، طلبت عدم الكشف عن هويتها، لـ "العربي الجديد": "يومياً، يعود البعض إلى الرقة. بالنسبة إلى الناس، البيوت وإن كانت مدمرة، تبقى أفضل بألف مرة من المخيّمات". وتلفت إلى أن "هناك عائلات تعمل على ترميم منازلها بما تيسّر، رغم الأوضاع المالية الصعبة، وعدم توفر الخدمات الأساسية. وفي ظل غياب الكهرباء، عمد البعض إلى شراء مولدات كهرباء ما يُتيح للأهالي الاشتراك فيها، في حين يحصلون على المياه من خلال صهاريج يوزعها المجلس المدني".
تُضيف المصادر أن "المواد الغذائية متوفرة، وقد فتحت بعض المدارس أبوابها. أيضاً، افتتح مركز صحي. لكن تبقى المشكلة في انتشار الألغام والعبوات الناسفة ونقص الآليات لإزالة ركام المنازل وانتشال الجثث من تحتها".
من جهته، يقول أبو محمد، أحد العائدين إلى الرقّة حديثاً، لـ "العربي الجديد": "الحمد لله أنّني استطعتُ العودة إلى مدينتي. يوم هربتُ وعائلتي منها تحت القصف، اعتقدت أنّها المرة الأخيرة التي سأراها فيها. لكن عقب عودتي، وجدت منزلي كومة من الركام، وفي داخله جثامين لعدد من أفراد عائلتي. ليس لدي القدرة على إزالة الركام ودفن جثامين أقربائي. طلبت المساعدة، لكنني أُخبرت بأنه ما من دعم لإزالة الركام وانتشال الجثث. لستُ حالة استثنائية، بل هذا حال كثيرين". ويلفت إلى أن الأهالي "يعانون بسبب انتشار الألغام والعبوات الناسفة في المنازل والشوارع، ما يؤدي إلى سقوط قتلى وجرحى بين المدنيين". ويرى أنّ "عملية تنظيف المدينة من مخلّفات داعش تسير ببطء شديد".
بدوره، يقول عضو مجلس الرقة المدني، فراس ممدوح الفهد، لـ "العربي الجديد"، إنّ "أحياء الرقة التي عاد أهلها إليها، تشمل حي المختلطة وجزءاً من المحال الصناعية القريبة منه بنسبة 90 في المائة تقريباً. كما عاد نحو 30 في المائة من أهالي منطقة مستجد نقيب وتل الأسود، ونحو 80 في المائة من أهالي حي الطيار، وهو أول حي يعود أهله إليه حتى قبل حي المشلب". يضيف: "عاد نحو 60 في المائة من أهالي حي الفلوجة، ونحو 90 في المائة من أهالي حي المشلب، ونحو 40 في المائة من حي مفرق الجزيرة، ونصف أهالي حي رميلة، و30 في المائة من أهالي حي الرومانية وحي سيف الدولة وشارع هشام بن عبد الملك، إضافة إلى جميع أهالي حي الجزيرة".
ويبيّن الفهد أنّ مجمل العائدين إلى الرقّة لا يتجاوزون 50 ألف شخص، علماً بأنّ الأهالي لم يعودوا إلى 80 في المائة من أحيائها بسبب انتشار الألغام. وحتى اليوم، ما زال هناك ضحايا مدنيون تحت الأنقاض. ويلفت إلى تأليف لجنة مكونة من 37 شخصاً لتشكيل قوة دفاع مدني مجهزة. وبسبب تأخّر وصول المعدات، تأخرت عملية انتشال الجثث. وتضم اللجنة أطباء شرعيين وممرضين على أن تباشر عملها في انتشال جثامين الضحايا. يضيف أنّ غالبية الأحياء التي عاد أهلها إليها باتت تصلها المياه. وفي الوقت الحالي، يجري العمل على إصلاح عنفات (توربينات) سد الفرات، وقد وصلت الكهرباء إلى الريف الشمالي الغربي من المدينة. أما بالنسبة إلى إزالة الركام وفتح الشوارع، فالعمل مستمر من قبل لجنة الخدمات في مجلس الرقة، تزامناً مع استمرار عمل فرق تفكيك الألغام. وهناك أربعة فرق، ثلاثة أجنبية والرابع سوري. ويشير إلى أن كندا أيضاً تُساهم في عملية تفكيك الألغام".
ويعود... (أويغار سيمسيك/ فرانس برس) |
وفي ما خص الرعاية الطبية، يتحدث الفهد عن توقيع عقد مع منظمة "أطباء بلا حدود" في هولندا، وفتح مستوصف طبي في حي المشلب لاستقبال الحالات الصحية داخل مدينة الرقة. كذلك، وضعت خطة مع التحالف الدولي لتنظيف وتأهيل مركز سيف الدولة الصحي. وهناك نقطة طبية في الجزيرة، وتُنتظر إعادة تأهيل المستشفى الوطني من قبل منظمتين إيطاليتين. ويلفت إلى أن بعض الأهالي فتحوا محلات لبيع المواد الغذائية أسعارها مقبولة بل وأرخص من مناطق أخرى مثل القامشلي. كذلك، افتتح ما لا يقل عن خمسة أفران، وخفّض سعر ربطة الخبز في وقت وزّع فيه أكثر من 1500 طن من المواد الغذائية من قبل التحالف الدولي والمنظمات الدولية.
يتابع الفهد أنّ "الحياة الاجتماعية في الرقة جيدة، والأهالي يقفون إلى جانب بعضهم بعضاً بعد مرحلة القضاء على الإرهاب، وما من مشاكل إثنية أو عرقية أو غيرها". يضيف أن "الواقع الأمني مقبول، لكنّ هناك خوفاً من اللصوص الذين يحاولون الدخول إلى المدينة. إلا أنّ قوى الأمن الداخلي انتشرت في النقاط الاستراتيجية لحماية الممتلكات العامة والخاصة". ويُبيّن أنّ "نحو 25 في المائة من المدينة الصناعية فتحت أبوابها، ما ساهم في تأمين مواد البناء، ليبدأ الأهالي في ترميم منازلهم". يضيف: "اليوم، لا يوجد أي دعم للأهالي لإعادة ترميم منازلهم، إذ إن الدعم المقدم يقتصر على فتح الطرقات وتفكيك الألغام فقط". ويُعرب عن "تفاؤله بالمستقبل"، متوقعاً أن يعود معظم أهالي المدينة إليها خلال الأسابيع المقبلة".