يعتبر ريفيو الجزائر امتلاك بندقية صيد مع كلب سلوقي من علامات الرجولة. الصيد يتصدر الهوايات التي عادوا إليها
الصيد البري في الجزائر هواية تهيمن على نسبة كبيرة من أبنائها، خصوصاً مع تنوع المناخ والتضاريس في بلاد تمتد مساحتها على مليونين ونصف مليون كيلومتر مربّع، وهي بذلك أكبر الدول الأفريقية والعربية مساحة.
يقول الحاج مكي شيهب (مواليد 1928) من محافظة برج بوعريريج، 200 كيلومتر شرق العاصمة، إنّ امتلاك الرجل بندقية صيد وكلباً سلوقياً يُسمّى "الطاروس" في القاموس الشعبي، كان خلال العقود الثلاثة التي تلت الاستقلال الوطني، في الريف الجزائري، لازمة من لوازم الرجولة. يعلق: "كنا نحتقر من لا يملكهما، وكنا ننظر إلى البندقية بالاحترام نفسه الذي ننظر به إلى الزوجة، أمّا الطاروس، فقد كان يحظى بعناية تختلف عن عنايتنا بالكلاب الأخرى، إذ يأكل من طعامنا وينام في الأماكن الدافئة، فهو رمز للخير والبركة في نظر الجميع".
يتابع أنّ "أحبّ هدية كان الرجل يتلقاها في الريف من صديق أو قريب، هي سلوقي أصيل، والليلة التي يتمكن فيها من شراء بندقية صيد تشهد إقامة وليمة يحضرها الأهل والأقارب والأصهار وأعيان القرية". يختم بأسف: "لكنّ ذلك كله بات من الذكريات الجميلة، بعدما فقدنا بنادقنا، إمّا من طرف الجماعات الإرهابية، أو من طرف الحكومة لإبقائها بعيدة عن متناول الإرهابيين، مطلع تسعينيات القرن العشرين".
خلال تلك السنوات، لم يعد صوت الرصاص في الغابات والجبال والأحراش، دليلاً على عثور صياد ما على إحدى الطرائد، بل على اشتباك بين الجيش الوطني وعناصر إحدى الجماعات المسلحة التي كانت تغزو القرى ليلاً، لتسطو على بنادق الصيد، وتقصّ ماسوراتها، حتى تصبح أقوى، فيصبح اسمها "المحشوشة". يعود الحاج عزيّز بلواعر بذاكرته إلى تلك المرحلة: "منع الصيد البرّي يومها فارتاحت الطرائد منه وتكاثرت، حتى صار ممكناً أن ترى الحجل والأرانب البرية ترعى مع دواجننا وأرانبنا، وهو ما كان يحزّ في نفوس الصيادين".
مع تراجع المدّ الإرهابي نهاية التسعينيات، واختفائه منتصف العشرية الأولى من القرن الجديد، شرعت الحكومة في استدعاء أصحاب البنادق التي سحبتها منهم سابقاً وأعادتها إليهم، بضوابط مدروسة، في مقابل تسليمها بنادق أخرى لبعض الموثوقين لديها من القرويين. بذلك، استرجعت هواية - أو غواية - الصيد البري أنفاسها، وبات ممكناً أن تسمع صوت الرصاص في البرّ الجزائري مجدداً، ليدلّ هذه المرّة على أنّ هناك صيّاداً في أراضيه يسعى.
اقــرأ أيضاً
نجد ذلك في براري محافظات تبسة وباتنة وسطيف وبرج بوعريريج شرقاً، وتيزي وزو وبومرداس وتيبازة والمدية وعين الدفلى وسطاً، والنعامة والبيض وتلمسان غرباً، علماً أن نمط الصيد البري في المناطق الصّحراوية الجنوبية يختلف عن المحافظات الشمالية في طبيعة الطرائد، الغزلان خصوصاً، وفي الوسائل المستخدمة، إذ كثيراً ما تعوّض الفخاخُ الأعيرة النارية.
برفقة مجموعة من الصيادين في بلدية حرّازة، 170 كيلومتراً شرقاً، تتعرف "العربي الجديد" بطبيعة الطقوس والاحتياطات المرافقة لعملية الصيد. يقول العم معيوف إنه يفضلّ الخروج ظهراً، لأنّ الطرائد، وهي طيور الحجل والأرانب البرية، تحبّ أن تتعرّض للشمس، ذلك أنّ الفترة التي يُسمح فيها بالصيد تشمل فصلي الخريف والشتاء. يتابع: "الصيد يقوم على أمرين، غفلة الطريدة وانتباه الصياد". يضيف: "أنظف بندقيتي قبل الخروج، وأملأ الخراطيش بالبارود والصاشم، وهو رصاص دقيق، وأضع كلّ ذلك في حزام خاص، كما أضع بعضها في جيبي، فقد تنفد الكمية، أو أصادف صياداً في حاجة إليها، إذ من أخلاق الصيادين الحقيقيين ألا يبخلوا على بعضهم في هذا الباب".
كلّ صياد كان يقذف بالحجارة الأشجار والأدغال الصغيرة، لحمل الطائر على الطيران والأرنب على القفز، وهي "الحماقة" التي تجعله في متناول البندقية أو في متناول فك الطاروس الذي يعود به إلى صاحبه من غير أن تتضرر الطريدة، وهو ما يثير الدهشة. يفسر معيوف: "إنّه حيوان يتحلى بالنبالة ويدرك بالغريزة أنّ وظيفته تقتصر على المساعدة في القبض على الطريدة لا المشاركة في أكلها".
في الأثناء، تظهر ثلاثة طواريس في الأفق، ما يدلّ على أن هناك جماعة صيّادين قادمة في الاتجاه. ثم تتعالى أصواتهم بما يشبه الهتاف. يقال لنا إنهم يستهدفون الخنازير البرية بذلك، حتى يدفعوها إلى الخروج من مكامنها. يقول أحدهم إنّهم آتون من ضواحي الجزائر العاصمة "لنصطاد الخنزير البري، ونبيعه للعمّال الصينيين المشتغلين في ورشات البناء، إنهم يفضلونه على الخنزير المدجّن ويدفعون فيه الكثير".
على موقع "فيسبوك" عشرات الصفحات المتخصّصة في الصيد البري، منها صفحة "هواة الصيد البري في الجزائر" التي تقدّم مقاطع فيديو وصوراً تواكب رحلات الصيد في المناطق المختلفة. ويأتي الأرنب البري والحجل والحمام والقطا والحبارى في صدارة الطرائد المسموح بصيدها. هي طرائد تحظى بعدّة مراكز حكومية تسهر على تكثيرها وإعادة إطلاقها في البراري، أحدها في تلمسان غرباً، واثنان في الجزائر العاصمة.
اقــرأ أيضاً
الصيد البري في الجزائر هواية تهيمن على نسبة كبيرة من أبنائها، خصوصاً مع تنوع المناخ والتضاريس في بلاد تمتد مساحتها على مليونين ونصف مليون كيلومتر مربّع، وهي بذلك أكبر الدول الأفريقية والعربية مساحة.
يقول الحاج مكي شيهب (مواليد 1928) من محافظة برج بوعريريج، 200 كيلومتر شرق العاصمة، إنّ امتلاك الرجل بندقية صيد وكلباً سلوقياً يُسمّى "الطاروس" في القاموس الشعبي، كان خلال العقود الثلاثة التي تلت الاستقلال الوطني، في الريف الجزائري، لازمة من لوازم الرجولة. يعلق: "كنا نحتقر من لا يملكهما، وكنا ننظر إلى البندقية بالاحترام نفسه الذي ننظر به إلى الزوجة، أمّا الطاروس، فقد كان يحظى بعناية تختلف عن عنايتنا بالكلاب الأخرى، إذ يأكل من طعامنا وينام في الأماكن الدافئة، فهو رمز للخير والبركة في نظر الجميع".
يتابع أنّ "أحبّ هدية كان الرجل يتلقاها في الريف من صديق أو قريب، هي سلوقي أصيل، والليلة التي يتمكن فيها من شراء بندقية صيد تشهد إقامة وليمة يحضرها الأهل والأقارب والأصهار وأعيان القرية". يختم بأسف: "لكنّ ذلك كله بات من الذكريات الجميلة، بعدما فقدنا بنادقنا، إمّا من طرف الجماعات الإرهابية، أو من طرف الحكومة لإبقائها بعيدة عن متناول الإرهابيين، مطلع تسعينيات القرن العشرين".
خلال تلك السنوات، لم يعد صوت الرصاص في الغابات والجبال والأحراش، دليلاً على عثور صياد ما على إحدى الطرائد، بل على اشتباك بين الجيش الوطني وعناصر إحدى الجماعات المسلحة التي كانت تغزو القرى ليلاً، لتسطو على بنادق الصيد، وتقصّ ماسوراتها، حتى تصبح أقوى، فيصبح اسمها "المحشوشة". يعود الحاج عزيّز بلواعر بذاكرته إلى تلك المرحلة: "منع الصيد البرّي يومها فارتاحت الطرائد منه وتكاثرت، حتى صار ممكناً أن ترى الحجل والأرانب البرية ترعى مع دواجننا وأرانبنا، وهو ما كان يحزّ في نفوس الصيادين".
مع تراجع المدّ الإرهابي نهاية التسعينيات، واختفائه منتصف العشرية الأولى من القرن الجديد، شرعت الحكومة في استدعاء أصحاب البنادق التي سحبتها منهم سابقاً وأعادتها إليهم، بضوابط مدروسة، في مقابل تسليمها بنادق أخرى لبعض الموثوقين لديها من القرويين. بذلك، استرجعت هواية - أو غواية - الصيد البري أنفاسها، وبات ممكناً أن تسمع صوت الرصاص في البرّ الجزائري مجدداً، ليدلّ هذه المرّة على أنّ هناك صيّاداً في أراضيه يسعى.
نجد ذلك في براري محافظات تبسة وباتنة وسطيف وبرج بوعريريج شرقاً، وتيزي وزو وبومرداس وتيبازة والمدية وعين الدفلى وسطاً، والنعامة والبيض وتلمسان غرباً، علماً أن نمط الصيد البري في المناطق الصّحراوية الجنوبية يختلف عن المحافظات الشمالية في طبيعة الطرائد، الغزلان خصوصاً، وفي الوسائل المستخدمة، إذ كثيراً ما تعوّض الفخاخُ الأعيرة النارية.
برفقة مجموعة من الصيادين في بلدية حرّازة، 170 كيلومتراً شرقاً، تتعرف "العربي الجديد" بطبيعة الطقوس والاحتياطات المرافقة لعملية الصيد. يقول العم معيوف إنه يفضلّ الخروج ظهراً، لأنّ الطرائد، وهي طيور الحجل والأرانب البرية، تحبّ أن تتعرّض للشمس، ذلك أنّ الفترة التي يُسمح فيها بالصيد تشمل فصلي الخريف والشتاء. يتابع: "الصيد يقوم على أمرين، غفلة الطريدة وانتباه الصياد". يضيف: "أنظف بندقيتي قبل الخروج، وأملأ الخراطيش بالبارود والصاشم، وهو رصاص دقيق، وأضع كلّ ذلك في حزام خاص، كما أضع بعضها في جيبي، فقد تنفد الكمية، أو أصادف صياداً في حاجة إليها، إذ من أخلاق الصيادين الحقيقيين ألا يبخلوا على بعضهم في هذا الباب".
كلّ صياد كان يقذف بالحجارة الأشجار والأدغال الصغيرة، لحمل الطائر على الطيران والأرنب على القفز، وهي "الحماقة" التي تجعله في متناول البندقية أو في متناول فك الطاروس الذي يعود به إلى صاحبه من غير أن تتضرر الطريدة، وهو ما يثير الدهشة. يفسر معيوف: "إنّه حيوان يتحلى بالنبالة ويدرك بالغريزة أنّ وظيفته تقتصر على المساعدة في القبض على الطريدة لا المشاركة في أكلها".
في الأثناء، تظهر ثلاثة طواريس في الأفق، ما يدلّ على أن هناك جماعة صيّادين قادمة في الاتجاه. ثم تتعالى أصواتهم بما يشبه الهتاف. يقال لنا إنهم يستهدفون الخنازير البرية بذلك، حتى يدفعوها إلى الخروج من مكامنها. يقول أحدهم إنّهم آتون من ضواحي الجزائر العاصمة "لنصطاد الخنزير البري، ونبيعه للعمّال الصينيين المشتغلين في ورشات البناء، إنهم يفضلونه على الخنزير المدجّن ويدفعون فيه الكثير".
على موقع "فيسبوك" عشرات الصفحات المتخصّصة في الصيد البري، منها صفحة "هواة الصيد البري في الجزائر" التي تقدّم مقاطع فيديو وصوراً تواكب رحلات الصيد في المناطق المختلفة. ويأتي الأرنب البري والحجل والحمام والقطا والحبارى في صدارة الطرائد المسموح بصيدها. هي طرائد تحظى بعدّة مراكز حكومية تسهر على تكثيرها وإعادة إطلاقها في البراري، أحدها في تلمسان غرباً، واثنان في الجزائر العاصمة.