كثيرة هي أشكال التسوّل في مصر. هذه الظاهرة لا تخلو منها مختلف الشوارع والميادين في البلاد. واللافت أنّه، في الفترة الأخيرة، تطوّرت وتنوعت الأساليب الهادفة إلى استعطاف الناس والحصول على المال، سواء في وسائل المواصلات أو الأسواق وغيرها من الأماكن التي تشهد ازدحاماً.
وتتفاقم هذه الظاهرة يوماً بعد يوم، وقد تحوّلت إلى حرفة أو مهنة تديرها عصابات متخصّصة لها أنظمتها وقوانينها، وذلك فيما يتعلّق بكيفيّة استعطاف الناس أو تحديد أماكن العمل الأكثر ربحاً. هذه "المهنة" تضمّ فئات عمريّة مختلفة، وتحقّق أرباحاً لا بأس بها.
في محافظة الإسكندريّة (شمال مصر)، يلجأ متسوّلون إلى تطوير أساليبهم واستغلال احتياجات الأسر الفقيرة، ودفعها إلى "تأجير أبنائها" للتسوّل واستجداء المارة واستعطافهم، وبالتالي تحقيق أرباح يوميّة من خلالهم، عدا عن استخدامهم في أعمال النشل والسرقة.
وبحسب بيان لمديريّة أمن الإسكندرية، فقد اعتقلت امرأة تبلغ من العمر 28 عاماً. هذه المرأة كانت تقف يوميّاً في شوارع منطقة العطارين في الإسكندريّة، لتشغّل جميع الأطفال المختطفين والمشردين والمستأجرين من ذويهم في أعمال التسوّل، في مقابل مشاركتهم في نسبة من الأرباح. ويوضح البيان أنّ إدارة الأحداث في مديريّة أمن الإسكندرية تلقت بلاغات عدة من مواطنين، تفيد بأن المتّهمة تصطحب معها أطفالاً صغاراً في أعمال التسوّل والنشل، وتتركهم في الطريق العام لاستجداء المارة. وقد اعترفت بأنّها تستأجر الأطفال من أهلهم في مقابل إعطائهم مالاً.
وأمام النيابة العامة، أكدت المتهمة أنها لا تفعل شيئاً يضرّ بأحد، إذ إنّها تأخذ الأطفال وترعاهم وتسكنهم منزلها، كما أنّهم يعملون معها في بيع المناديل والزهور في شوارع الإسكندرية، والتسوّل. والنتيجة هي حصيلة يوميّة كبيرة توزعها عليهم لشراء احتياجاتهم. كذلك، اعترفت المتّهمة برعايتها طفلين آخرين في منزلها في منطقة العطارين. ونشرت الشرطة بياناتهما لمعرفة أهلهما، وقد أودعتهما لدى رعاية الأحداث مؤقتاً.
من جهتها، قالت إحدى الأمهات في التحقيقات أمام النيابة إنّه لا يمكنها فعل أي شيء غير "عرض ابنتها للإيجار" لمواجهة الفقر والعوز بعدما تخلّى عنها زوجها. واستطاعت مباحث الإسكندرية اعتقال عصابة تستغل الأطفال للتسوّل، كما أنّها تتّفق مع بعض الأسر لاستخراج شهادات ميلاد مزوّرة لهم. وقد وردت معلومات لضباط قسم رعاية الأحداث تفيد بأنّ ثلاث نساء شكلن عصابة تستغل الأطفال الصغار من خلال التسوّل، خصوصاً أنّ الناس عادة ما يكونون أكثر تعاطفاً معهم.
اقــرأ أيضاً
وبيّنت التحريات أنّ أحد الأشخاص يتولى إعداد شهادات ميلاد للأطفال، في مقابل حصول أولياء أمورهم على مبلغ مالي قدره 200 جنيه شهرياً. وبعد تفتيش المنزل، تبين وجود أربعة أطفال صغار استؤجروا للعمل في التسوّل. وقرّرت النيابة حبسهم أربعة أيام احتياطياً على ذمّة التحقيق، ووضع الأطفال في إحدى دور الرعاية الاجتماعية.
هذه الحادثة تزامنت مع صدور دراسة أعدّها قسم بحوث الجريمة في المركز القومي للبحوث الجنائية في مصر عن المتسوّلين في الشوارع، مشيراً إلى استفحال ظاهرة التسوّل وتطوير المتسوّلين أدواتهم حتّى يتمكنوا من تحقيق أهدافهم كاملة، أي تحقيق أرباح إضافية.
وتشير الدراسة إلى أنّ نحو 45 في المائة من الأطفال المتسوّلين يسلّمون من قبل الأهل لـ "أباطرة" التسوّل في مصر، للمساهمة في تحمّل الأعباء المعيشيّة، وقد تحوّلت إلى مورد رزق. وتوصّل الباحثون إلى أرقام خطيرة حول قيام بعض المواطنين بتأجير أطفالهم، في مقابل أموال يحصلون عليها كرواتب شهرية أو أسبوعية أو يومية.
وبحسب الدراسة، تتراوح أعمار الأطفال المؤجّرين ما بين شهرين و5 سنوات، وقيمة بدل إيجار هؤلاء هي 50 جنيهاً (نحو ثلاثة دولارات) في اليوم الواحد. أما أولئك الذين تتراوح أعمارهم ما بين 5 و10 سنوات، فيقدّر بدل إيجارهم بـ 30 جنيهاً (نحو دولارين) في اليوم الواحد. ويصل بدل إيجار الطفل المعوّق إلى 75 جنيهاً (نحو خمسة دولارات) في اليوم، والمكفوف أو الأصمّ أو الذي خسر أحد أطرافه ما بين 100 و200 جنيه (نحو 13 دولاراً).
اقــرأ أيضاً
إلى ذلك، يقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإسكندريّة، إسماعيل سعد، إنّ "ظاهرة التسوّل ليست غريبة" على مجتمعنا. وفي الفترة الأخيرة، زادت بشكل كبير، وقد احترفها مواطنون، وباتوا يستخدمون الأطفال". يضيف أنّهم باتوا ينتشرون في الشوارع والميادين وأمام شارات المرور بملابسهم البالية، مشيراً إلى أنهم يتوسلون إلى المارة بنبرة أقرب إلى البكاء، ويظهرون عاهاتهم لاستغلال الناس. ويصعب على أيٍّ كان التفريق بين المحتاج الفعلي والمدّعي.
ويوضح سعد أن الأزمات الاجتماعية والاقتصادية وارتفاع نسبة البطالة وغلاء الأسعار ساهمت في زيادتها، الأمر الذي يجب الالتفات إليه ومعالجته أولاً، تمهيداً لمحاربة هذه الظاهرة، وتوعية المواطنين من خلال حثّهم على عدم التصدّق عليهم في الشوارع. بدلاً من ذلك، الأفضل تقديم المال إلى الجمعيات والجهات المعنية لتوصيلها إلى مستحقيها، وإنشاء برامج لتوعية الآباء حول كيفية التعامل مع أبنائهم في مختلف مراحلهم العمرية، بهدف حمايتهم من الانحراف.
أما الباحثة الاجتماعية في جامعة الإسكندرية، نجلاء عبد المنعم، فتقول إن أحد أهم أسباب ظاهرة التسوّل في الشارع هي الظروف الاقتصادية والاجتماعية، وعدم توفر فرص عمل، والتفكك الأسري، والتسرب من المدرسة، بالإضافة إلى غياب الوعي حول أساليب التنشئة السليمة داخل الأسرة المصرية.
وتطالب عبد المنعم بضرورة التصدي، وبكل حزم، لاستغلال الأطفال في هذه الظاهرة، وذلك ليس بهدف الحد منها فحسب، بل لأن هؤلاء الأطفال سيتحولون إلى مجرمين في المستقبل، الأمر الذي يصعب معالجته. وتشير إلى أهميّة تكاتف الدولة والمجتمع لمحاربة هذه الظاهرة التي تسيء إلى وجه مصر، والعمل على تبني مشاريع تنموية، ووضع خطة زمنية وتنفيذها للقضاء عليها. كذلك، تطالب بضرورة تكثيف حملات ودوريات الشرطة لاعتقال المتسوّلين وأطفال الشوارع، والعمل على إنشاء مراكز لإيوائهم، وتأمين العلاج النفسي لهم، وضمان عدم عودتهم إلى الشارع مرة أخرى.
اقــرأ أيضاً
وتتفاقم هذه الظاهرة يوماً بعد يوم، وقد تحوّلت إلى حرفة أو مهنة تديرها عصابات متخصّصة لها أنظمتها وقوانينها، وذلك فيما يتعلّق بكيفيّة استعطاف الناس أو تحديد أماكن العمل الأكثر ربحاً. هذه "المهنة" تضمّ فئات عمريّة مختلفة، وتحقّق أرباحاً لا بأس بها.
في محافظة الإسكندريّة (شمال مصر)، يلجأ متسوّلون إلى تطوير أساليبهم واستغلال احتياجات الأسر الفقيرة، ودفعها إلى "تأجير أبنائها" للتسوّل واستجداء المارة واستعطافهم، وبالتالي تحقيق أرباح يوميّة من خلالهم، عدا عن استخدامهم في أعمال النشل والسرقة.
وبحسب بيان لمديريّة أمن الإسكندرية، فقد اعتقلت امرأة تبلغ من العمر 28 عاماً. هذه المرأة كانت تقف يوميّاً في شوارع منطقة العطارين في الإسكندريّة، لتشغّل جميع الأطفال المختطفين والمشردين والمستأجرين من ذويهم في أعمال التسوّل، في مقابل مشاركتهم في نسبة من الأرباح. ويوضح البيان أنّ إدارة الأحداث في مديريّة أمن الإسكندرية تلقت بلاغات عدة من مواطنين، تفيد بأن المتّهمة تصطحب معها أطفالاً صغاراً في أعمال التسوّل والنشل، وتتركهم في الطريق العام لاستجداء المارة. وقد اعترفت بأنّها تستأجر الأطفال من أهلهم في مقابل إعطائهم مالاً.
وأمام النيابة العامة، أكدت المتهمة أنها لا تفعل شيئاً يضرّ بأحد، إذ إنّها تأخذ الأطفال وترعاهم وتسكنهم منزلها، كما أنّهم يعملون معها في بيع المناديل والزهور في شوارع الإسكندرية، والتسوّل. والنتيجة هي حصيلة يوميّة كبيرة توزعها عليهم لشراء احتياجاتهم. كذلك، اعترفت المتّهمة برعايتها طفلين آخرين في منزلها في منطقة العطارين. ونشرت الشرطة بياناتهما لمعرفة أهلهما، وقد أودعتهما لدى رعاية الأحداث مؤقتاً.
من جهتها، قالت إحدى الأمهات في التحقيقات أمام النيابة إنّه لا يمكنها فعل أي شيء غير "عرض ابنتها للإيجار" لمواجهة الفقر والعوز بعدما تخلّى عنها زوجها. واستطاعت مباحث الإسكندرية اعتقال عصابة تستغل الأطفال للتسوّل، كما أنّها تتّفق مع بعض الأسر لاستخراج شهادات ميلاد مزوّرة لهم. وقد وردت معلومات لضباط قسم رعاية الأحداث تفيد بأنّ ثلاث نساء شكلن عصابة تستغل الأطفال الصغار من خلال التسوّل، خصوصاً أنّ الناس عادة ما يكونون أكثر تعاطفاً معهم.
وبيّنت التحريات أنّ أحد الأشخاص يتولى إعداد شهادات ميلاد للأطفال، في مقابل حصول أولياء أمورهم على مبلغ مالي قدره 200 جنيه شهرياً. وبعد تفتيش المنزل، تبين وجود أربعة أطفال صغار استؤجروا للعمل في التسوّل. وقرّرت النيابة حبسهم أربعة أيام احتياطياً على ذمّة التحقيق، ووضع الأطفال في إحدى دور الرعاية الاجتماعية.
هذه الحادثة تزامنت مع صدور دراسة أعدّها قسم بحوث الجريمة في المركز القومي للبحوث الجنائية في مصر عن المتسوّلين في الشوارع، مشيراً إلى استفحال ظاهرة التسوّل وتطوير المتسوّلين أدواتهم حتّى يتمكنوا من تحقيق أهدافهم كاملة، أي تحقيق أرباح إضافية.
وتشير الدراسة إلى أنّ نحو 45 في المائة من الأطفال المتسوّلين يسلّمون من قبل الأهل لـ "أباطرة" التسوّل في مصر، للمساهمة في تحمّل الأعباء المعيشيّة، وقد تحوّلت إلى مورد رزق. وتوصّل الباحثون إلى أرقام خطيرة حول قيام بعض المواطنين بتأجير أطفالهم، في مقابل أموال يحصلون عليها كرواتب شهرية أو أسبوعية أو يومية.
وبحسب الدراسة، تتراوح أعمار الأطفال المؤجّرين ما بين شهرين و5 سنوات، وقيمة بدل إيجار هؤلاء هي 50 جنيهاً (نحو ثلاثة دولارات) في اليوم الواحد. أما أولئك الذين تتراوح أعمارهم ما بين 5 و10 سنوات، فيقدّر بدل إيجارهم بـ 30 جنيهاً (نحو دولارين) في اليوم الواحد. ويصل بدل إيجار الطفل المعوّق إلى 75 جنيهاً (نحو خمسة دولارات) في اليوم، والمكفوف أو الأصمّ أو الذي خسر أحد أطرافه ما بين 100 و200 جنيه (نحو 13 دولاراً).
إلى ذلك، يقول أستاذ علم الاجتماع في جامعة الإسكندريّة، إسماعيل سعد، إنّ "ظاهرة التسوّل ليست غريبة" على مجتمعنا. وفي الفترة الأخيرة، زادت بشكل كبير، وقد احترفها مواطنون، وباتوا يستخدمون الأطفال". يضيف أنّهم باتوا ينتشرون في الشوارع والميادين وأمام شارات المرور بملابسهم البالية، مشيراً إلى أنهم يتوسلون إلى المارة بنبرة أقرب إلى البكاء، ويظهرون عاهاتهم لاستغلال الناس. ويصعب على أيٍّ كان التفريق بين المحتاج الفعلي والمدّعي.
ويوضح سعد أن الأزمات الاجتماعية والاقتصادية وارتفاع نسبة البطالة وغلاء الأسعار ساهمت في زيادتها، الأمر الذي يجب الالتفات إليه ومعالجته أولاً، تمهيداً لمحاربة هذه الظاهرة، وتوعية المواطنين من خلال حثّهم على عدم التصدّق عليهم في الشوارع. بدلاً من ذلك، الأفضل تقديم المال إلى الجمعيات والجهات المعنية لتوصيلها إلى مستحقيها، وإنشاء برامج لتوعية الآباء حول كيفية التعامل مع أبنائهم في مختلف مراحلهم العمرية، بهدف حمايتهم من الانحراف.
أما الباحثة الاجتماعية في جامعة الإسكندرية، نجلاء عبد المنعم، فتقول إن أحد أهم أسباب ظاهرة التسوّل في الشارع هي الظروف الاقتصادية والاجتماعية، وعدم توفر فرص عمل، والتفكك الأسري، والتسرب من المدرسة، بالإضافة إلى غياب الوعي حول أساليب التنشئة السليمة داخل الأسرة المصرية.
وتطالب عبد المنعم بضرورة التصدي، وبكل حزم، لاستغلال الأطفال في هذه الظاهرة، وذلك ليس بهدف الحد منها فحسب، بل لأن هؤلاء الأطفال سيتحولون إلى مجرمين في المستقبل، الأمر الذي يصعب معالجته. وتشير إلى أهميّة تكاتف الدولة والمجتمع لمحاربة هذه الظاهرة التي تسيء إلى وجه مصر، والعمل على تبني مشاريع تنموية، ووضع خطة زمنية وتنفيذها للقضاء عليها. كذلك، تطالب بضرورة تكثيف حملات ودوريات الشرطة لاعتقال المتسوّلين وأطفال الشوارع، والعمل على إنشاء مراكز لإيوائهم، وتأمين العلاج النفسي لهم، وضمان عدم عودتهم إلى الشارع مرة أخرى.