لا تنتهي أزمات فقراء مصر، لا سيّما في المجال الصحي. صحيح أنّ لهؤلاء حقّ العلاج على نفقة الدولة، إلا أنّ ذلك الحقّ "مأزوم" اليوم
"العلاج على نفقة الدولة" أزمة كلّ مواطن فقير في مصر. يومياً، يتردّد آلاف المواطنين على مقرّ المجالس القومية المتخصصة في مدينة نصر، أملاً في الحصول على موافقة لعلاج في مستشفى. فالمستشفيات ترفض توفير أيّ علاج إلا بعد الحصول على "قرار نفقة الدولة".
تطول فترة انتظار "قرار نفقة الدولة"، فيموت مريض أو أكثر قبل الحصول على القرار. وفيما يتردّد مرضى كثيرون على المستشفيات يومياً في انتظار قرار علاج الحكومة، تقدّم الحكومة كلّ التسهيلات للأغنياء لتلقي العلاج على "نفقة الدولة" في الخارج، الأمر الذي يكلفها ملايين من الجنيهات. ولعلّ آخرها تسهيل سفر رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون صفاء حجازي إلى باريس، لتلقي العلاج.
وتمثل منظومة العلاج على نفقة الدولة الباب الوحيد لملايين المرضى غير القادرين على تحمّل تكاليف العلاج والذين تمتلئ بهم المستشفيات الحكومية. ثمّة من يرى أنّ العلاج الذي يتلقاه مرضى هذه المنظومة مجرّد مسكنات، وبعض آخر يرى أنّ هذه المنظومة تعمل على قتل الفقراء إنّما ببطء.
وترفض مستشفيات تابعة لوزارة الصحة وأخرى خاصة متعاقدة معها، استقبال مرضى لتلقي العلاج على نفقة الدولة، بسبب كثرة الديون المتراكمة على الوزارة لصالح تلك المستشفيات، وعدم سداد الوزارة المبالغ المستحقة من العلاج على نفقة الدولة. وهو الأمر الذي أدّى إلى منع شركات الأدوية والمستلزمات الطبية من تسليم البضائع المطلوبة إلى المستشفيات بسبب الديون المتراكمة عليها. فباتت المستشفيات على أبواب كارثة بسبب قلّة الأدوية المتوفّرة لديها واعتذار الأطباء عن استقبال أيّ حالات للعلاج على نفقة الدولة. ومن المستشفيات التي ترفض تأمين العلاج على نفقة الدولة، نذكر مستشفيات معهد الأورام والمعهد القومي للسكر ومعهد المطرية للكلى، فضلاً عن عدد كبير من المستشفيات الحكومية.
اقــرأ أيضاً
"العلاج على نفقة الدولة" أزمة كلّ مواطن فقير في مصر. يومياً، يتردّد آلاف المواطنين على مقرّ المجالس القومية المتخصصة في مدينة نصر، أملاً في الحصول على موافقة لعلاج في مستشفى. فالمستشفيات ترفض توفير أيّ علاج إلا بعد الحصول على "قرار نفقة الدولة".
تطول فترة انتظار "قرار نفقة الدولة"، فيموت مريض أو أكثر قبل الحصول على القرار. وفيما يتردّد مرضى كثيرون على المستشفيات يومياً في انتظار قرار علاج الحكومة، تقدّم الحكومة كلّ التسهيلات للأغنياء لتلقي العلاج على "نفقة الدولة" في الخارج، الأمر الذي يكلفها ملايين من الجنيهات. ولعلّ آخرها تسهيل سفر رئيس اتحاد الإذاعة والتلفزيون صفاء حجازي إلى باريس، لتلقي العلاج.
وتمثل منظومة العلاج على نفقة الدولة الباب الوحيد لملايين المرضى غير القادرين على تحمّل تكاليف العلاج والذين تمتلئ بهم المستشفيات الحكومية. ثمّة من يرى أنّ العلاج الذي يتلقاه مرضى هذه المنظومة مجرّد مسكنات، وبعض آخر يرى أنّ هذه المنظومة تعمل على قتل الفقراء إنّما ببطء.
وترفض مستشفيات تابعة لوزارة الصحة وأخرى خاصة متعاقدة معها، استقبال مرضى لتلقي العلاج على نفقة الدولة، بسبب كثرة الديون المتراكمة على الوزارة لصالح تلك المستشفيات، وعدم سداد الوزارة المبالغ المستحقة من العلاج على نفقة الدولة. وهو الأمر الذي أدّى إلى منع شركات الأدوية والمستلزمات الطبية من تسليم البضائع المطلوبة إلى المستشفيات بسبب الديون المتراكمة عليها. فباتت المستشفيات على أبواب كارثة بسبب قلّة الأدوية المتوفّرة لديها واعتذار الأطباء عن استقبال أيّ حالات للعلاج على نفقة الدولة. ومن المستشفيات التي ترفض تأمين العلاج على نفقة الدولة، نذكر مستشفيات معهد الأورام والمعهد القومي للسكر ومعهد المطرية للكلى، فضلاً عن عدد كبير من المستشفيات الحكومية.
تجدر الإشارة إلى أنّ مستشفيات خاصة كثيرة رفضت خلال الأشهر الماضية القيام بغسيل كلى لمرضى يعانون فشلاً كلوياً، بحجّة أنّ "الوزارة لا تدفع المستحقات والديون المتوجبة عليها". وهو ما دفع مرضى كثيرين إلى تسوّل العلاج، سواء بتغير قرار العلاج على نفقة الدولة إلى مسشتفى آخر، أو العلاج على حسابهم الشخصي. وقد أدّى الأمر إلى وفاة عدد من هؤلاء المرضى، لا سيّما في محافظات صعيد مصر. إلى ذلك، تلجأ مستشفيات عدّة إلى استغلال المرضى وتطالبهم بتحمّل جزء من المصاريف بحجّة عدم تغطية القرار لحالة المريض.
في السياق، يقول مسؤول في المجالس الطبية لـ "العربي الجديد"، إنّ مرحلة البحث عن العلاج على نفقة الدولة طويلة. ويشرح أنّ ذلك "يشترط توجّه المريض إلى أحد المستشفيات للخضوع إلى كشف طبي والحصول على تقرير طبي وآخر من قبل لجنة ثلاثية تبحث حالته. ولا بدّ من التأكّد من أنّه غير موظّف، وبالتالي إقرار مدى أحقيّته في العلاج. وفي النهاية، يُبلّغ عبر الهاتف". يضيف أنّ "الأمر قد يستمرّ لشهور، وهو ما قد يؤدّي إلى وفاة المريض في بعض الأحيان"، لافتاً إلى أنّ "عدد مرضى الأورام الذين يُعالجون على نفقة الدولة بلغ نحو 90 ألف مريض، وعدد مرضى التهاب الكبد الوبائي من نوع سي الذين يُعالجون على نفقة الدولة هم نحو 27 ألف مريض، فيما يبلغ عدد مرضى الفشل الكلوي الذين يُعالجون على نفقة الدولة نحو 52 ألفاً".
اقــرأ أيضاً
في السياق، يقول مسؤول في المجالس الطبية لـ "العربي الجديد"، إنّ مرحلة البحث عن العلاج على نفقة الدولة طويلة. ويشرح أنّ ذلك "يشترط توجّه المريض إلى أحد المستشفيات للخضوع إلى كشف طبي والحصول على تقرير طبي وآخر من قبل لجنة ثلاثية تبحث حالته. ولا بدّ من التأكّد من أنّه غير موظّف، وبالتالي إقرار مدى أحقيّته في العلاج. وفي النهاية، يُبلّغ عبر الهاتف". يضيف أنّ "الأمر قد يستمرّ لشهور، وهو ما قد يؤدّي إلى وفاة المريض في بعض الأحيان"، لافتاً إلى أنّ "عدد مرضى الأورام الذين يُعالجون على نفقة الدولة بلغ نحو 90 ألف مريض، وعدد مرضى التهاب الكبد الوبائي من نوع سي الذين يُعالجون على نفقة الدولة هم نحو 27 ألف مريض، فيما يبلغ عدد مرضى الفشل الكلوي الذين يُعالجون على نفقة الدولة نحو 52 ألفاً".
ويلفت المسؤول الذي رفض الكشف عن هويّته، إلى "فساد كبير في منظومة العلاج على نفقة الدولة، نظراً إلى وجود أبواب خلفية لقرارات العلاج في ما يتعلق بتخفيض نسبة العلاج المقرّرة لكلّ مريض. فأموال تدخل جيوب أشخاص بأعينهم. وهو ما يدفع المستشفيات الخاصة وبعض المراكز الطبية إلى استغلال المرضى ومطالبتهم بنفقات أخرى". ويشدّد على أنّ "الحقّ في العلاج مكفول لجميع المواطنين، لا سيّما الفقراء، بحكم كلّ الدساتير. أمّا المشكلة الرئيسية في العلاج على نفقة الدولة، فتتمثل في الفساد وسوء الإدارة في المجالس الطبية والمستشفيات العامة. وثمّة من يعالَج على نفقة الدولة ولا يستحقّ ذلك، بينما يذهب الفقراء للعلاج على حسابهم الخاص، في ظلّ غياب تام لمبادئ العدالة الاجتماعية". ويوضح المسؤول نفسه أنّ "ميزانيّة المجالس الطبية المتخصصة لعلاج الفقراء تصل إلى ستة مليارات جنيه مصري (نحو 330 مليون دولار أميركي)". ويقول إنّ "الروتين يؤدّي بمرضى كثيرين إلى الموت أمام المجالس الطبية والمستشفيات، في انتظار حصولهم على قرار علاجهم على نفقة الدولة، خصوصاً الذين يعانون من أمراض مزمنة مثل أمراض الكلى والسرطان والكبد". ويتابع أنّ "من سلبيات العلاج على نفقة الدولة أنّ المريض لا يُقبل قبل تشخيص حالته أولاً، على نفقته الخاصة".
أمام مقرّ الإدارة العامة للمجالس الطبية في مدينة نصر، التقت "العربي الجديد" مرضى جاؤوا من كلّ محافظات مصر، للحصول على موافقة نهائية لقرار العلاج على نفقة الدولة. وبسبب الزحمة، جلس كثيرون في مقاهٍ ومطاعم محيطة. في داخل المبنى، وقفت عجوز أمام إحدى الموظفات. رُفض طلبها، فراحت تتأفّف قائلة: "أنا تعبانة. بقالي أربعة شهور، كلّ يوم هنا عشان القرار". من الجهة الأخرى للشباك، يظهر رجل. يقول منفعلاً: "أنا تعبان. مش قادر أقف. في إيه؟ روح بالورق وتعال؟ في إيه؟". لكنّ الموظفة المسؤولة عن القرارات، لا تبدي أيّ استجابة، فيغادر غاضباً وهو يسير بخطوات غير متوازنة.
على مقاعد من الطوب الأحمر أمام مكتب القرارات، جلس عبد الفتاح محمود، وهو رجل متقدّم في السنّ. يقول: "أنا زهقت. روح صوّر البطاقة.. تعال وارجع.. أنا مش قادر". يضيف: "القرارات هنا تتأخر بالأشهر، والعلاج غالي الثمن. وأنا غير قادر على شرائه من الخارج".
من جهتها، تقول ألفت سيّد التي تعاني من مرض في الكبد: "نجحت أخيراً في استصدار قرار علاج على نفقة الدولة في مستشفى الحضرة في الإسكندرية. لكنّ المستشفى رفض قيمة العلاج المحددة بخمسة آلاف جنيه (نحو 275 دولاراً) وطلبوا منّي العودة مرّة أخرى إلى المجالس الطبية لرفع المبلغ". تضيف: "أخذوا الأوراق منّي، وأنا في انتظار الردّ".
المواطن مستفيد... ولكن
من له حقّ في الحصول على علاج على نفقة الدولة في مصر؟ تجيب المجالس الطبيّة المتخصّصة أنّه المواطن الذي يحمل الجنسيّة المصريّة، والذي لا يتمتّع بمظلة تأمينية (ليس لديه تأمين صحي)، وغير القادر على تحمّل تكاليف علاج طبيّ ما. وتؤكد أنّ هذه الخدمة مجانيّة، لا تستوجب تحصيل أيّ رسوم أو دمغات على الطلبات المقدّمة.
اقــرأ أيضاً
أمام مقرّ الإدارة العامة للمجالس الطبية في مدينة نصر، التقت "العربي الجديد" مرضى جاؤوا من كلّ محافظات مصر، للحصول على موافقة نهائية لقرار العلاج على نفقة الدولة. وبسبب الزحمة، جلس كثيرون في مقاهٍ ومطاعم محيطة. في داخل المبنى، وقفت عجوز أمام إحدى الموظفات. رُفض طلبها، فراحت تتأفّف قائلة: "أنا تعبانة. بقالي أربعة شهور، كلّ يوم هنا عشان القرار". من الجهة الأخرى للشباك، يظهر رجل. يقول منفعلاً: "أنا تعبان. مش قادر أقف. في إيه؟ روح بالورق وتعال؟ في إيه؟". لكنّ الموظفة المسؤولة عن القرارات، لا تبدي أيّ استجابة، فيغادر غاضباً وهو يسير بخطوات غير متوازنة.
على مقاعد من الطوب الأحمر أمام مكتب القرارات، جلس عبد الفتاح محمود، وهو رجل متقدّم في السنّ. يقول: "أنا زهقت. روح صوّر البطاقة.. تعال وارجع.. أنا مش قادر". يضيف: "القرارات هنا تتأخر بالأشهر، والعلاج غالي الثمن. وأنا غير قادر على شرائه من الخارج".
من جهتها، تقول ألفت سيّد التي تعاني من مرض في الكبد: "نجحت أخيراً في استصدار قرار علاج على نفقة الدولة في مستشفى الحضرة في الإسكندرية. لكنّ المستشفى رفض قيمة العلاج المحددة بخمسة آلاف جنيه (نحو 275 دولاراً) وطلبوا منّي العودة مرّة أخرى إلى المجالس الطبية لرفع المبلغ". تضيف: "أخذوا الأوراق منّي، وأنا في انتظار الردّ".
المواطن مستفيد... ولكن
من له حقّ في الحصول على علاج على نفقة الدولة في مصر؟ تجيب المجالس الطبيّة المتخصّصة أنّه المواطن الذي يحمل الجنسيّة المصريّة، والذي لا يتمتّع بمظلة تأمينية (ليس لديه تأمين صحي)، وغير القادر على تحمّل تكاليف علاج طبيّ ما. وتؤكد أنّ هذه الخدمة مجانيّة، لا تستوجب تحصيل أيّ رسوم أو دمغات على الطلبات المقدّمة.