منذ خمسة أعوام يسعى محمد أبو كميل إلى توعية المجتمع في قطاع غزة الفلسطيني المحاصر حول قضايا الأشخاص ذوي الإعاقة والمصطلحات الخاطئة ضدهم. هذه المرة، ينتقل إلى المدارس الثانوية باعتبارها تحقق أهداف مبادرته. يجول على كرسيه المتحرك وحده أو رفقة أحد زملائه في الاتحاد العام للمعاقين الفلسطينيين.
محمد جمال أبو كميل (29 عاماً) هو من الأشخاص ذوي الإعاقة الحركية. تخرّج من الجامعة الإسلامية في غزة عام 2011 بدرجة بكالوريوس في إدارة الأعمال والعلوم المالية والمصرفية، ثم من الجامعة نفسها عام 2013 بدرجة دبلوم عالٍ في إدارة مؤسسات المجتمع المدني. يعمل منذ خمسة أعوام متطوعاً في الاتحاد العام للمعاقين الفلسطينيين لنشر ثقافة التعامل مع الأشخاص ذوي الإعاقة في المجتمع الفلسطيني.
مبادرة "كلنا واحد" هي المبادرة التي صمم فيها أبو كميل أن يتجول بين كلّ المؤسسات والمدارس على كرسيه، رفقة المتخصص الاجتماعي توفيق الغولة، لمساعدته في التنسيق مع المدارس. عند بداية اللقاء التوعوي يبدأ بتقديم التعريفات المحددة في الأمم المتحدة ومنظماتها لفئته، وإلغاء مصطلحات "غير الطبيعيين" و"غير الأسوياء" وغيرها. ثم يستقبل الأسئلة من التلاميذ، وأهم انطباعاتهم لدى رؤية أشخاص ذوي إعاقة في حياتهم اليومية، ليضعها نماذج تشرح طرق التعامل وسبل تغييرها.
اختيار تلاميذ الثانوي يعود بالنسبة له إلى فئتهم العمرية الحساسة، قبل خوض المرحلة الجامعية أو ميدان العمل. ومن غايات الدورة أن يعرف التلميذ بعد اجتيازها مصطلحات الإعاقة وكيفية التفرقة بين الإيجابي والسلبي منها. مع ذلك، يواجه صعوبات خلال جولته في المدارس بسبب عدم إدراك نسبة كبيرة من التلاميذ ماهية الإعاقة، ومن هم الأشخاص ذوو الإعاقة. ومن الصعوبات تنميط النظرة إلى الإعاقة، فالشخص ذو الإعاقة بالنسبة إلى كثير من التلاميذ كائن غريب، بالرغم من كلّ جهود التوعية والمبادرات القائمة منذ أكثر من عشرة أعوام على هذا الصعيد.
قدم أبو كميل أعمالاً مسرحية عديدة للتذكير بـحقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، من بينها مسرحية "إحنا وهمّا" رفقة ممثلين غير معوّقين. يعلّق على أساليب التوعية: "المجتمع ما زال لا يتقبل الأشخاص ذوي الإعاقة وهذه هي الحقيقة المرة التي لا يجب إنكارها، بالرغم من أنّ نسبتنا ملحوظة في القطاع".
خلال إحدى جولاته في المدارس، تحدثت إليه فتاة عن شقيق لها من الأشخاص ذوي الإعاقة، فأخبرته أنّ العائلة لا تعرف كيفية التعامل معه. في مثل هذه الحالات يقدم أبو كميل نصائح في أساليب الدمج، وقد استفادت الفتاة وأسرتها من النصائح، إلى جانب تقديم آلية التواصل مع الاتحاد من أجل أيّ تدخل في قضية حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة، نظراً إلى توفر فريق من الاختصاصيين النفسيين والاجتماعيين الذين يتولون التدخل في حالات الطوارئ.
زار أبو كميل منذ بداية العام حتى منتصف مارس/آذار الجاري عشرين مدرسة للبنات والبنين في مختلف مناطق قطاع غزة. يلاحظ تغيراً كبيراً في فهم التلاميذ لأهداف مبادرته، خصوصاً عندما يتواصلون معه لأخذ مشورته والتعرف عليه أينما كان.
بخصوص الحقوق، لم يحصل أبو كميل يوماً على أي وظيفة رسمية أو حتى وظيفة ثابتة في القطاع الخاص، بالرغم من حصوله عدا عن شهادتيه الجامعيتين على خبرات عملية في مجال المؤسسات، ودورات اجتماعية وحقوقية مختلفة. يشير إلى أنّ "قانون المعاق الفلسطيني رقم 4 لسنة 1999" الذي ينص على تشغيل 5 في المائة من الأشخاص ذوي الإعاقة في المؤسسات غير مطبق، بسبب عدم تقبل المؤسسات تشغيلهم: "توظيف الأشخاص ذوي الإعاقة مجرد حبر على ورق، وشعارات رنانة. تشغيلهم يجري فقط من خلال عقود مؤقتة لا يتعدى أعظمها ستة أشهر".
الفتيات أولاً
يقول أبو كميل عن مبادرته "كلنا واحد": "لا بدّ من استمرار المبادرة مدى الحياة، خصوصاً لفئة السيدات والفتيات، فعندما يتلقين التوعية الكافية يعرفن كيف يتعاملن في حال إنجابهن طفلاً ذا إعاقة أو أصيب أطفالهن بإعاقة، ويعرفن كيف يدعمنه، خصوصاً أنّهن سيعرفن أنّ له حقوقاً وعليه واجبات في التعليم والصحة، والعمل لاحقاً".