يخلط اللاجئ العراقي فيض قريو بين السريانية والعربية أثناء حديثه عن رحلة الانتقال من قضاء الحمدانية في نينوى (شمال العراق) إلى العاصمة اللبنانية بيروت بحثاً عن ملاذ آمن من فظائع الموت الذي عاشته أسرته في العراق. لم تبدأ مأساة العائلة من تهجيرها من العاصمة بغداد لأسباب طائفية، وهو ما دفع فيض وعائلته للعودة إلى مسقط رأسهم في قره غوش التابعة لقضاء الحمدانية في محافظة نينوى. كما أنها لن تنتهي في بيروت التي تحولت إلى محطة مؤقتة للاجئين. فقد فيض خلال الأعوام القليلة الماضية منزلاً في بغداد، ومسقط رأس في الحمدانية، ووالدته التي توفيت في خضم تقدّم عناصر تنظيم "الدولة الإسلامية" (داعش) في الموصل.
غادر فيض البالغ من العمر 18 عاماً بلدته باتجاه مدينة كركوك ذات الأغلبية الكردية وقضى مع والده وشقيقه وشقيقته ثلاثة أيام على الطريق قبل أن يقيموا في دير، ثم في مدرسة تحوّلت إلى مركز لإيواء اللاجئين، بانتظار حصولهم على سمات الدخول إلى لبنان. لحقت العائلة بالخالة التي وصلت قبلهم إلى بيروت (ضاحيتها الشمالية تحديداً) وأقاموا في شقتها المستأجرة إلى جانب 21 فرداً آخرين قبل أن يستأجروا منزلا مستقلاً يتعاون جيمع أفراد الأسرة لتأمين بدل إيجاره إلى جانب مستلزمات الحياة.
تنقّل فيض في العمل بين مطبعة غادرها بسبب "مضايقات" تعرّض لها، قبل أن ينتقل إلى العمل في سوبر ماركت سمح له موقعها بالتعرف إلى "فرقة زقاق" الفنية. أعادت "زقاق" لفيض ذكريات تعلّم العزف على البيانو على يد أستاذ موسيقى عراقي في بغداد. يضحك الشاب عند الحديث عن استبدال البيانو في بغداد بالغيتار في بيروت "بسبب عدم قدرتي على شراء بيانو". إلى جانب العزف، شارك الشاب العراقي في مجموعة مسرحيات شبابية في بيروت، ساعدته على "اكتشاف الذات"، كما يقول.
يعزف فيض الغيتار وبات يتقن فن التصوير، بعد مشاركته في برنامج "صورة وحكاية" الذي أطلقته جمعية "مهرجان الصورة" في بيروت بالتعاون مع "منظمة الأمم المتحدة للطفولة" (يونيسف).
بسبب مغادرته المدرسة باكراً، ورفضه التعلّم في ظلّ "نظام تربوي يحوّل التلميذ إلى آلة لا تصلح إلا للعمل وصناعة المال" يتحدث الشاب العربية والسريانية العامية ولا يتقن الفصحى أبداً. لكنه يواصل قراءة الكتب العربية والروايات ليطوّر من مهاراته، ويجمع بين الكتابة والتصوير معاً. وحتى تحقيق حلم العائلة بالهجرة إلى أستراليا، يواصل فيض العمل لمساعدة أسرته ويتابع هواياته الفنية المُتعددة.