عندما سحبت السعودية من رجال هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر صلاحيّتهم المتعلقة بإلقاء القبض على الأشخاص ومراقبتهم والتحقيق معهم، تعالت الأصوات المحذّرة من "انحراف المجتمع بسرعة الصاروخ نحو الفساد"، ومن ارتفاع نسبة الجرائم الأخلاقية. لكنّه بعد مرور عام على تقليص صلاحيات الشرطة الدينية في السعودية، ما زالت الحال على ما هي عليه، ولم تُنتهك البيوت ولا الأعراض، ولم تتحوّل شوارع السعودية إلى ما يشبه شوارع لاس فيغاس.
منذ 13 أبريل/ نيسان 2016، كلّ ما تغيّر هو أنّ الشرطة السعودية هي التي باتت تتولى القضايا الأخلاقية بدلاً من رجال الهيئة، الذين لم يتلقوا في الأساس تدريباً أمنياً. يُذكر أنّ التنظيم الجديد الذي صدر قبل عام ينصّ على تولّي "الهيئة تقديم البلاغات في شأن ما يظهر لها من مخالفات أثناء مزاولتها لاختصاصها" إلى الشرطة أو الإدارة العامة لمكافحة المخدرات، "وهما وحدهما الجهتان المتخصصتان بموجب الأحكام المقررة نظاماً بالضبط والتحقيق".
وكان آخر تقرير صدر عن هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، قبل عام، قد بيّن أنّ القضايا التي ضبطها أعضاؤها تجاوز عددها 251 ألف قضية خلال العام الذي سبق. وقد ألقي القبض فيها على 15 ألفاً و556 مواطناً سعودياً وألف وأربع مواطنات سعوديات، و34 ألفاً و937 وافداً مقيماً في البلاد و39 ألفاً و301 وافدة مقيمة. وتصدرت القضايا الأخلاقية ترتيب القضايا التي ضبطتها الهيئة، وتورّط فيها 85 ألفاً و120 مواطناً و958 مواطنة، فيما بلغ عدد المقيمين المتورطين خمسة آلاف و77 مقيماً وثلاثة آلاف و417 مقيمة. وقد تبعتها قضايا العبادة في المرتبة الثانية، تلتها بالترتيب قضايا المسكّرات والمخدرات والمطبوعات والمحال التجارية.
لم تصدر الهيئة أيّ تقارير جديدة، ويعيد الناشط الحقوقي، علي الخطاب، ذلك إلى أنّ الشرطة عندما تلقي القبض على أحدهم، فإنّها تفعل ذلك بعد التحرّي والتحقق وليس بمجرّد الاشتباه فيه. ويقول الخطاب لـ "العربي الجديد" إنّ "ربع مليون قضية ضبطت كما تقول الهيئة في تقريرها، لكنّ أكثر من 95 في المائة من تلك القضايا لم تُحوّل إلى الجهات الأمنية وتمّ الصلح فيها. هذا ما يكشفه التقرير ذاته الصادر عن الهيئة، بمعنى أنّ تلك القضايا كلها التي تمثّل الغالبية العظمى لقضايا الهيئة كانت مبنيّة على مجرّد الشك ولم تكن صحيحة"، يضيف أنّ "هذا هو السبب الذي دفع الجهات العليا إلى سحب صلاحية الضبط والمراقبة من الهيئة، لأنّها تقوم على الشكّ والظنون وليس على التحري والدقة".
بعد عام، ما زالت صلاحيات هيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر موضوع جدال واسع في الشارع السعودي، فيما نجد أنّ ثمّة من يطالب بعودتها إلى نشاطها السابق بحجة حماية المجتمع. وعلى الرغم من أنّ قرار تقليص صلاحيات الهيئة ومنع رجالها من تنفيذ مداهمات ميدانية اتخذ رسمياً في 13 أبريل/ نيسان من العام الماضي، إلا أنّ الحديث عن نتائج القرار كان قد بدأ في وقت أبكر على مواقع التواصل الاجتماعي. ويشير الإعلامي، حسين الشمري، إلى أنّ "الجدال حول الهيئة لن يهدأ بأيّ حال من الأحوال إلا بعد سنوات طويلة". ويقول لـ "العربي الجديد" إنّ "ثمّة أشخاصاً ما زالوا يظنّون أنّ الشعب السعودي يجب أن يراقَب بصرامة وإلا فإنّه سوف ينفلت، مع أنّنا نشاهد الدول من حولنا تعيش حياتها بطريقة طبيعية من دون هيئة، ومن جهتنا نعيش ذلك منذ 12 شهراً". ويضيف الشمري أنّ "لا شيء تغيّر في الواقع، فيما لم نعد نسمع عن مداهمات تنفّذها الهيئة في حقّ أيّ كان ولم نعد نسمع عن تجاوزات ترتكبها". وإذ يلفت إلى أنّ "أحداً لا ينكر دور الهيئة المهم"، يشدد على أنّ "أحداً لا يرفض التنظيم كذلك بهدف حماية الجميع".
من جهته، يقول الحقوقي، وليد بن محمد، إنّ الهيئة ما زالت تمارس عملها بطريقة طبيعية، مستغرباً المطالبات بعودتها. ويوضح لـ "العربي الجديد" أنّها "لم تُلغَ لكي تعود. ما زال رجال الهيئة في الشوارع، إنّما بتنظيم أكثر دقّة. ففي حال وقوع أيّ مشكلة أو الاشتباه بحالة ما، تمرّر القضية إلى الشرطة". ويؤكّد أنّه "في أيّ مكان في العالم، تكون قوّة الضبط في يد الأمن. وقد شاهدنا كيف أساء بعض رجال الهيئة استخدام صلاحياتهم". ويتابع بن محمد أنّ "السعوديين أثبتوا أنّهم مثل أيّ مجتمع طبيعي آخر، لا يحتاجون إلى من يراقبهم ليمنعهم من الانحراف. فقد مرّ عام ولم يحدث ما حذّرونا منه، ولم يكثر اللقطاء في الشوارع كما قال أحد رؤساء الهيئة السابقون، وما زال الناس يصلون في المساجد من دون أن يقودها أحد عنوة".