لا يحتاج أطفال بلدة سلوان جنوب المسجد الأقصى المبارك، لمن يشحذ هممهم لدعم أسرى الحرية في سجون الاحتلال الإسرائيلي، فالعديد منهم خاضوا التجربة في مهدهم، حين احتجزهم الاحتلال وحقق معهم وفرض عليهم وعلى ذويهم عقوبة الحبس المنزلي، وبعض هؤلاء أمثال مسلم عودة الذي لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره، كان قد اعتقل أكثر من عشر مرات، ونُكّل به وبوالديه وأشقائه.
إضراب الأسرى عن الطعام لأجل استعادة حقوقهم المعيشية، الذي دخل السبت، يومه السادس، أعاد إلى ذاكرة هؤلاء الأطفال ذكرياتٍ مروا بها حين استباح الاحتلال مضاجعهم في ساعات الليل أو الفجر الأولى ليدب في قلوبهم الرعب، ومع هذه الذكريات الأليمة كانت بعض مؤسسات سلوان التي تعنى برصد انتهاكات الاحتلال ضد الأطفال، خاصة مركز معلومات وادي حلوة، على انتباه ويقظة مما يتركه إضراب الأسرى من انعكاسات على الأطفال، خاصة أولئك الذين بات حديثهم عن الإضراب والأسرى، وحفظوا عن ظهر قلب بعض أناشيد الحرية.
تقول سحر بيضون، من مركز مدى المقدسي لـ"العربي الجديد": "في المكتبة الخاصة بمركز مدى التابع لمركز معلومات وادي حلوة، اجتمع نحو عشرين طفلاً ودار نقاش بينهم وبين أمينة المكتبة حول الأسرى الفلسطينيين وأعدادهم داخل سجون الاحتلال، وعن الإضراب الذي يخوضونه، ثم رددوا أناشيد للأسرى، وكتبوا رسائل لهم علقوها على حائط المكتبة".
أما في مركز مدى فرع بطن الهوى بسلوان، فقد نظم الطاقم جلسة مع الأطفال تحدثوا فيها عن معاناة الأسرى وذويهم خاصة خلال الزيارة، وعن واجب المجتمع تجاههم، وأطلق أربعون طفلاً وطفلة البالونات حمل كل بالون اسماً لأسير وأسيرة فلسطينية، وأنشدوا "يا ظلام السجن خيّمْ" وقاموا برسم رسومات تعبر عن الأسرى، والهدف من الفعالية أن يتعرف المشاركون على عدد من الأسرى والأسيرات داخل السجون، وترسيخ قضيتهم في أذهان الأطفال.
في حين خطّ الأطفال في مركز مدى فرع عين اللوزة بسلوان شعارات تطالب بالحرية للأسرى، وشرح طاقم المركز بالحديث للأطفال عن إضراب الأسرى عن الطعام "معركة الأمعاء الخاوية"، وشارك أكثر من عشرين طفلاً برسم لوحات علقت على حائط المركز تعبر عن الأسرى.
وتشير سحر بيضون من مركز مدى الإبداعي: "اخترنا أن تكون فعالياتنا مميزة عن غيرها من سائر الفعاليات، أو من حيث استهدافها فئة الأطفال الذين يعايشون تجارب الاعتقال والاحتجاز، أو من حيث التركيز على التوعية والتثقيف، بهدف زيادة الوعي وتأصيل الانتماء لقضية الأسرى، وما يمثلونه لدى شعبهم".
لا تقتصر هذه الفعاليات الميدانية على بلدة سلوان وأطفالها، ففي بلدة القدس القديمة أيضاً حراك مماثل في مقر الصليب الأحمر في حي الشيخ جراح، شمالي المدينة المقدسة، حيث يلازم أطفال الأسرى أمهاتهم وآباءهم في فعاليات الاحتجاج التي شُرع بتنفيذها بالتزامن مع بدء إضراب الأسرى.
يقول أمجد أبو عصب من لجنة أهالي الأسرى المقدسيين: "حتى الآن نظمنا فعاليتين رئيسيتين في مقر الصليب الأحمر بالشيخ جراح، ولدينا فعاليات أخرى ستنتظم خلال الأيام القليلة القادمة، نحرص أن يتواجد فيها الأطفال، الذين فاجأونا قبل يومين بعدد حضورهم، وإقبالهم على المشاركة بالفعاليات بالغناء والنشيد لآبائهم وأشقائهم، وترديد الهتافات الوطنية، وكتابة الخواطر والأشعار".
تقول والدة الأسيرين الطفلين (الشبلين)، زيد وسيف من مخيم شعفاط شمال القدس، وقد اصطحبت معها إحدى بناتها للمشاركة في اعتصام الصليب الأحمر قبل يومين: "نريد الناس كلها أن تحس معنا وتشعر بوجعنا، لا يجوز أن يبقى أولادنا يواجهون الموت والجوع ونحن نبقى نائمين وكأنه لا علاقة لنا، اليوم جئت أنا وزوجي وابنتي ليس من أجل أبنائي سيف وزيد لكن من أجل الأسرى كلهم، وأتمنى من جميع الأهالي أن ينضموا لنا".
إلى الداخل الفلسطيني، تتجه أنظار المقدسيين لتفعيل حركة التضامن مع الأسرى، فعند ظهيرة اليوم السبت، خرجت قافلة سيارات من القدس محملة بأهالي الأسرى والمساندين لإضراب الحركة الأسيرة في سجون الاحتلال.
ووفقاً لما قاله ناصر قوس مدير نادي الأسير في القدس لـ"العربي الجديد"، "تشتمل فعالية اليوم على زيارة تهنئةٍ للأسيرة المحررة لينا جربوني من قرية عرابة في الداخل الفلسطيني المحتل، تعقبها بعد ساعات العصر تظاهرة واعتصام أمام سجن جلبوع دعماً وإسناداً للأسرى". هناك كما يقول قوس عدد كبير من أسرى القدس يشاركون في الإضراب.
يضيف: "من أصل 481 أسيراً مقدسياً هناك 150 مقدسياً يشاركون في الإضراب منذ انطلاقه قبل ستة أيام، ومشاركتهم تبعث برسالة واضحة للاحتلال بأن أسرى القدس جزء من الحركة الأسيرة الفلسطينية على خلاف محاولات الاحتلال فصلهم عن سائر إخوانهم الأسرى".
ويقول المواطن المقدسي حسام غيث، من شارع الواد في القدس القديمة: "كلنا مع الأسرى ومطالبهم العادلة، ونرجو أن تتحقق تلك المطالب، لكن ما نخشاه أن تتم مقايضة هذا الإضراب بعد أيام بمواقف سياسية مرتبطة بالمفاوضات التي لم تجلب لنا كفلسطينيين سوى مزيد من الخسائر وزيادة في مصادرة الأراضي وهدم المنازل والاعتقالات اليومية التي لا تتوقف على مدى اليوم".
في حين، حظرت قوات الاحتلال على أهالي بلدة العيسوية شمال شرق القدس نصب خيمة تضامن مع الأسرى، وقامت قبل يومين بهدمها ومصادرتها، ما حرم الأهالي هناك ومنهم والدا الأسرى: سامر، شيرين، ومدحت العيساوي من التعبير عن مشاعر الإسناد والدعم لأبنائهما ولعموم الأسرى، وسط استمرار الاحتلال في اقتحاماته للبلدة واعتقال المزيد من أبنائها، كما حدث الليلة الماضية حيث اعتقل فتيَيْن اتهما بالتسبب بإصابة أحد أفراد شرطة الاحتلال خلال مواجهات شهدتها البلدة.