يجد عشرات آلاف الشبان السوريين أنفسهم محاصرين في الشوارع التي يسكنون فيها في مناطق النظام منذ نحو 5 سنوات، لخوفهم من الخدمة العسكرية.
في العاصمة دمشق ومحافظة السويداء والساحل السوري يعيش هؤلاء في شبه إقامة جبرية لامتناعهم عن الالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية أو الاحتياطية، والتي يفرضها القانون السوري على جميع الشبان من عمر 18 عاماً إلى 42 عاماً، ويحددها بسنة وتسعة أشهر.
لكن، لم يسرّح أي شاب بشكل طبيعي منذ أكثر من 6 سنوات، في وقت لا يبدو في الأفق أيّ تسريح من الخدمة، الأمر الذي يدفع كثيراً من الشبان إلى البحث عن سبل للخلاص ومتابعة حياتهم المصادرة منذ سنوات. هنا يأتي دور مسؤولي النظام، أو سماسرته، الذين يقع الشبان فريسة لهم.
يقول مأمون، وهو طالب جامعي من حمص يبلغ من العمر 22 عاماً، لـ"العربي الجديد": "لم تساعدني الظروف على تجاوز السنة الأولى من دراستي الجامعية بعد انقطاع لسنوات، واليوم قانون التجنيد لا يمنحني تأجيلاً دراسياً عن الخدمة بل يجب أن أكون في السنة الثانية كي أحظى بذلك فأبقى بعيداً عن الملاحقة حتى السادسة والعشرين. وبذلك، فإنّني ابتداء من السبت المقبل مطلوب للخدمة العسكرية وملاحق".
يضيف: "يجب أن أحصل على تأجيل خدمة، وعلى الأغلب ليس أمامي سوى ما يعرف بالتأجيل الإداري وهو يخضع عادة لتقدير اللجنة العسكرية التي تمنحه، ولذلك أحتاج إلى توصية. التوصية تكلف ألف دولار أميركي، فلم يعد أحد يتعامل بالليرة السورية. ولا أدري إن كنت سأستطيع دفع المبلغ الذي يعادل أكثر من نصف مليون ليرة سورية، أو بالأصح إن كان أبي الموظف مع أشقائي الأكبر وأمي بقطعة الذهب الوحيدة المتبقية لديها، سيتمكنون من جمع المبلغ المطلوب، وإلا فسأكون مثل كثير من الشبان الذين أعرفهم حبيس المنزل".
أما هاني، وهو رب أسرة مكونة من 4 أشخاص، في السابعة والثلاثين، فقد خسر وظيفته قبل نحو عام. يقول لـ"العربي الجديد": "أنهيت خدمتي العسكرية الإلزامية قبل عدة سنوات من الثورة، كانت من أسوأ سنوات عمري، رأيت فيها كل صنوف الذل والقهر، ومورست عليّ أساليب عدة للابتزاز والترهيب، حتى إنني اليوم لا أطيق النظر إلى الزي العسكري أو أيّ شيء يمتّ له بصلة، حتى إنّي مزقت ما بقي لدي من صور شخصية أجبرت على التقاطها في الأيام الأولى للأوراق العسكرية".
يتابع: "للأسف، طلبت للخدمة الاحتياطية عام 2012، ولم أكترث حينها فقد كان بإمكاني التحرك والمرور على الحواجز من دون خوف، لذلك لم أفكر بالرحيل عن البلاد. لكن في النصف الثاني من عام 2015 جرى تعميم أسماء المطلوبين للخدمة الإلزامية والاحتياطية، ما يعني أنني أصبحت مهدداً بالاعتقال وإجباري على القتال. وبالتزامن مع ذلك، فصلت من العمل للأسباب نفسها، ما اضطرني وعائلتي إلى الرحيل عن دمشق إلى بلدتي، فهي أكثر أماناً".
اقــرأ أيضاً
يضيف: "ما وصلت إليه من عجز عن الحركة وضيق في العيش دفعني إلى البحث عن طريقة للتخلص من الخدمة الاحتياطية، فالموت أهون عليّ من العودة إلى الخدمة العسكرية. توصلت إلى عدة طرق وعروض لكنّ جميعها مقترن بدفع رشاوى تتراوح بين 18 ألفاً و20 ألف دولار لوسيط يضمن لي أن تأتي برقية من وزارة الدفاع - هيئة التجنيد العامة، إلى شعبة التجنيد التي أتبع لها، تنص على عدم حاجتهم لي في الخدمة".
يصمت قليلاً ويتابع: "تصور أنني أستطيع أن أشتري منهم حياتي بـ20 ألف دولار. قد يكون المبلغ تافهاً بالنسبة للبعض، لكن لو بعت منزلي الذي عملت 10 سنوات لامتلاكه في منطقة سكن عشوائي، وهو كلّ ما أملك في هذ البلاد فلن أستطيع جمع المبلغ، فإن استطعت أن اشتري نفسي أكون قد خسرت تعب العمر".
من جانبه، حصل المهندس رامز، على شهادة الماجستير عام 2011 من دولة آسيوية، وعاد يومها إلى سورية عازماً على دراسة الدكتوراه لكنّ أوراقه تعسرت وانتهى تأجيله. اليوم يؤدي الخدمة في إحدى التشكيلات العسكرية غير المقاتلة، بعدما أمضى معظم السنوات الست الماضية في إحدى الإدارات العسكرية، ورفع إلى رتبة ملازم أول مجند، ويتوقع أن يرفع بعد عامين إلى رتبة نقيب مجند.
يضيف لـ"العربي الجديد": "أعتقد أنّي سأصل إلى رتبة عقيد مجند قبل تسريحي. لا أدري إلى متى سأستمر على هذه الحال. قبل سنوات، كنت أنتظر بفارغ الصبر تسريحي لأعود إلى دراستي وعملي، وحاولت دائماً أن أجد سبيلاً إلى ذلك، لكن في كلّ مرة طلبت مني مبالغ مالية أكبر من قدرتي، وخلال السنوات الأربع الماضية ارتفعت الأسعار بشكل متواتر حتى باتت خيالية، فقد ارتفعت تسعيرة التسريح من 2 مليون إلى أكثر من 13 مليون ليرة، وطلب أحدهم 25 ألف دولار أميركي ليستصدر لي قرار تسريح. طبعاً، أنا لم أملك من قبل هذا المبلغ ولا أملكه اليوم... لكن لو ملكت المال لن أتردد لحظة واحدة في دفعه".
في المقابل، يقول مصدر مطلع في دمشق لـ"العربي الجديد" إنّ "مسألة الإعفاء من التجنيد أو الاحتياط عليها إقبال شديد خصوصاً من جانب أبناء العائلات الميسورة الحال، لذلك تطلب أسعار مرتفعة". ويتهم المصدر الضباط الكبار بتقاضي هذه المبالغ.
اقــرأ أيضاً
في العاصمة دمشق ومحافظة السويداء والساحل السوري يعيش هؤلاء في شبه إقامة جبرية لامتناعهم عن الالتحاق بالخدمة العسكرية الإلزامية أو الاحتياطية، والتي يفرضها القانون السوري على جميع الشبان من عمر 18 عاماً إلى 42 عاماً، ويحددها بسنة وتسعة أشهر.
لكن، لم يسرّح أي شاب بشكل طبيعي منذ أكثر من 6 سنوات، في وقت لا يبدو في الأفق أيّ تسريح من الخدمة، الأمر الذي يدفع كثيراً من الشبان إلى البحث عن سبل للخلاص ومتابعة حياتهم المصادرة منذ سنوات. هنا يأتي دور مسؤولي النظام، أو سماسرته، الذين يقع الشبان فريسة لهم.
يقول مأمون، وهو طالب جامعي من حمص يبلغ من العمر 22 عاماً، لـ"العربي الجديد": "لم تساعدني الظروف على تجاوز السنة الأولى من دراستي الجامعية بعد انقطاع لسنوات، واليوم قانون التجنيد لا يمنحني تأجيلاً دراسياً عن الخدمة بل يجب أن أكون في السنة الثانية كي أحظى بذلك فأبقى بعيداً عن الملاحقة حتى السادسة والعشرين. وبذلك، فإنّني ابتداء من السبت المقبل مطلوب للخدمة العسكرية وملاحق".
يضيف: "يجب أن أحصل على تأجيل خدمة، وعلى الأغلب ليس أمامي سوى ما يعرف بالتأجيل الإداري وهو يخضع عادة لتقدير اللجنة العسكرية التي تمنحه، ولذلك أحتاج إلى توصية. التوصية تكلف ألف دولار أميركي، فلم يعد أحد يتعامل بالليرة السورية. ولا أدري إن كنت سأستطيع دفع المبلغ الذي يعادل أكثر من نصف مليون ليرة سورية، أو بالأصح إن كان أبي الموظف مع أشقائي الأكبر وأمي بقطعة الذهب الوحيدة المتبقية لديها، سيتمكنون من جمع المبلغ المطلوب، وإلا فسأكون مثل كثير من الشبان الذين أعرفهم حبيس المنزل".
أما هاني، وهو رب أسرة مكونة من 4 أشخاص، في السابعة والثلاثين، فقد خسر وظيفته قبل نحو عام. يقول لـ"العربي الجديد": "أنهيت خدمتي العسكرية الإلزامية قبل عدة سنوات من الثورة، كانت من أسوأ سنوات عمري، رأيت فيها كل صنوف الذل والقهر، ومورست عليّ أساليب عدة للابتزاز والترهيب، حتى إنني اليوم لا أطيق النظر إلى الزي العسكري أو أيّ شيء يمتّ له بصلة، حتى إنّي مزقت ما بقي لدي من صور شخصية أجبرت على التقاطها في الأيام الأولى للأوراق العسكرية".
يتابع: "للأسف، طلبت للخدمة الاحتياطية عام 2012، ولم أكترث حينها فقد كان بإمكاني التحرك والمرور على الحواجز من دون خوف، لذلك لم أفكر بالرحيل عن البلاد. لكن في النصف الثاني من عام 2015 جرى تعميم أسماء المطلوبين للخدمة الإلزامية والاحتياطية، ما يعني أنني أصبحت مهدداً بالاعتقال وإجباري على القتال. وبالتزامن مع ذلك، فصلت من العمل للأسباب نفسها، ما اضطرني وعائلتي إلى الرحيل عن دمشق إلى بلدتي، فهي أكثر أماناً".
يضيف: "ما وصلت إليه من عجز عن الحركة وضيق في العيش دفعني إلى البحث عن طريقة للتخلص من الخدمة الاحتياطية، فالموت أهون عليّ من العودة إلى الخدمة العسكرية. توصلت إلى عدة طرق وعروض لكنّ جميعها مقترن بدفع رشاوى تتراوح بين 18 ألفاً و20 ألف دولار لوسيط يضمن لي أن تأتي برقية من وزارة الدفاع - هيئة التجنيد العامة، إلى شعبة التجنيد التي أتبع لها، تنص على عدم حاجتهم لي في الخدمة".
يصمت قليلاً ويتابع: "تصور أنني أستطيع أن أشتري منهم حياتي بـ20 ألف دولار. قد يكون المبلغ تافهاً بالنسبة للبعض، لكن لو بعت منزلي الذي عملت 10 سنوات لامتلاكه في منطقة سكن عشوائي، وهو كلّ ما أملك في هذ البلاد فلن أستطيع جمع المبلغ، فإن استطعت أن اشتري نفسي أكون قد خسرت تعب العمر".
من جانبه، حصل المهندس رامز، على شهادة الماجستير عام 2011 من دولة آسيوية، وعاد يومها إلى سورية عازماً على دراسة الدكتوراه لكنّ أوراقه تعسرت وانتهى تأجيله. اليوم يؤدي الخدمة في إحدى التشكيلات العسكرية غير المقاتلة، بعدما أمضى معظم السنوات الست الماضية في إحدى الإدارات العسكرية، ورفع إلى رتبة ملازم أول مجند، ويتوقع أن يرفع بعد عامين إلى رتبة نقيب مجند.
يضيف لـ"العربي الجديد": "أعتقد أنّي سأصل إلى رتبة عقيد مجند قبل تسريحي. لا أدري إلى متى سأستمر على هذه الحال. قبل سنوات، كنت أنتظر بفارغ الصبر تسريحي لأعود إلى دراستي وعملي، وحاولت دائماً أن أجد سبيلاً إلى ذلك، لكن في كلّ مرة طلبت مني مبالغ مالية أكبر من قدرتي، وخلال السنوات الأربع الماضية ارتفعت الأسعار بشكل متواتر حتى باتت خيالية، فقد ارتفعت تسعيرة التسريح من 2 مليون إلى أكثر من 13 مليون ليرة، وطلب أحدهم 25 ألف دولار أميركي ليستصدر لي قرار تسريح. طبعاً، أنا لم أملك من قبل هذا المبلغ ولا أملكه اليوم... لكن لو ملكت المال لن أتردد لحظة واحدة في دفعه".
في المقابل، يقول مصدر مطلع في دمشق لـ"العربي الجديد" إنّ "مسألة الإعفاء من التجنيد أو الاحتياط عليها إقبال شديد خصوصاً من جانب أبناء العائلات الميسورة الحال، لذلك تطلب أسعار مرتفعة". ويتهم المصدر الضباط الكبار بتقاضي هذه المبالغ.