من الصور النمطية لدى الرأي العام في بعض البلدان الأوروبية أو الغربية، أنّ النساء في لبنان متحرّرات وأنهنّ استطعنَ التغلب على عوائق كثيرة، وأنهنّ بالمقارنة مع بلدان الجوار يتربّعنَ على "عرش التطوّر". وكثيراً ما يظنّ إعلاميون أو باحثون أجانب أنّ النساء في لبنان يتقلدنَ مواقع صنع القرار وأنهنّ يكتسحنَ سوق العمل. لكن، يكفي أن نعمّق النظرة قليلاً لنجد أنّ واقع لبنان موازٍ إن لم يكن أسوأ من غيره من بلدان الجوار، في ما يخصّ وصول النساء إلى مواقع صنع القرار لا سيّما في سوق العمل.
تشير أرقام دائرة الإحصاء المركزي إلى أنّ نسبة مشاركة النساء في سوق العمل في عام 2014 شكّلت (ضمن الفئة العمرية 15 - 64 عاماً) 29 في المائة. وهذه المشاركة الاقتصادية للنساء هي في ارتفاع تدريجي منذ عام 1997، عندما كانت تبلغ 21.7 في المائة. وقد وصلت في عام 2001 إلى 25 في المائة وفي عام 2007 إلى 27.8 في المائة. تجدر الإشارة إلى أنّ النشاط الاقتصادي الذي مارسته أكثر من نصف النساء العاملات، تركّز في الفئة العمرية 25 - 29 عاماً، في حين أنّ نشاط 90 في المائة من الرجال العاملين يتركّز في الفئة العمرية 25 - 60 عاماً. وتفيدنا هذه الأرقام بأنّ التضارب في الأدوار الجندرية بين النساء والرجال ما زال قائماً، وأنّ نشاط النساء الاقتصادي بعد سنّ 29 عاماً يخفّ تدريجياً.
وأبرز أسباب ذلك يعود إلى أنّ المجتمع ما زال يتوقّع من النساء أن يعطينَ الأولوية لمنازلهنّ وأطفالهنّ على حساب مهنهنّ وترقيهنّ الوظيفي. وهذا التوقع يترجمه أرباب العمل حين يخشون توظيف نساء في مواقع قيادية. لكنّ التحديات أعمق من مجرّد تضارب في الأدوار، وثمّة تحديات أخرى تحول دون تعزيز وصول النساء إلى مواقع صنع القرار في أماكن العمل، ولعل أبرزها عدم لحظ الإحصاءات الرسمية لمشاركة النساء في الاقتصاد غير الرسمي. هذه النسب أعلاه لا تحتسب مثلاً النساء العاملات في المنازل أو العاملات من المنازل في أيّ قطاع غير نظامي (كبائعات خضار وسلع بسيطة وخادمات في المنازل وعاملات تنظيف في الفنادق والشركات، أو عاملات في منازلهنّ يجمعن أجزاء صناعات بسيطة أو يصنعنَ مواد غذائية أو يُخطنَ). ومن التحديات كذلك الحواجز القانونية والأعراف التي من شأنها أن تحدّ من فرص وصول النساء إلى مواقع القرار، لا سيّما ما يتعلّق بامتلاك أرض وموارد طبيعية ورأسمال بشري وتسليف، فضلاً عن الفوارق في الأجور.
تطول لائحة التحديات التي تواجه المرأة وتعوق تساويها في سوق العمل مع الرجل. لكنّ التحدي الأكبر يبقى في التداخل المعقّد للمنظومة الثقافية والاجتماعية والقانونية القائمة. أبسط الأمثلة هو أن تجد النساء أنفسهنّ تحت ضغط موجات تشجيع الرضاعة الطبيعية والاهتمام بنوعية الطعام "الأورغانيك" (العضوي) للأسرة والأطفال، وكأنّها تقول لهنّ بطريقة غير مباشرة "عدنَ إلى المطبخ" إنّما بطريقة عصرية.
*ناشطة نسوية
اقــرأ أيضاً
تشير أرقام دائرة الإحصاء المركزي إلى أنّ نسبة مشاركة النساء في سوق العمل في عام 2014 شكّلت (ضمن الفئة العمرية 15 - 64 عاماً) 29 في المائة. وهذه المشاركة الاقتصادية للنساء هي في ارتفاع تدريجي منذ عام 1997، عندما كانت تبلغ 21.7 في المائة. وقد وصلت في عام 2001 إلى 25 في المائة وفي عام 2007 إلى 27.8 في المائة. تجدر الإشارة إلى أنّ النشاط الاقتصادي الذي مارسته أكثر من نصف النساء العاملات، تركّز في الفئة العمرية 25 - 29 عاماً، في حين أنّ نشاط 90 في المائة من الرجال العاملين يتركّز في الفئة العمرية 25 - 60 عاماً. وتفيدنا هذه الأرقام بأنّ التضارب في الأدوار الجندرية بين النساء والرجال ما زال قائماً، وأنّ نشاط النساء الاقتصادي بعد سنّ 29 عاماً يخفّ تدريجياً.
وأبرز أسباب ذلك يعود إلى أنّ المجتمع ما زال يتوقّع من النساء أن يعطينَ الأولوية لمنازلهنّ وأطفالهنّ على حساب مهنهنّ وترقيهنّ الوظيفي. وهذا التوقع يترجمه أرباب العمل حين يخشون توظيف نساء في مواقع قيادية. لكنّ التحديات أعمق من مجرّد تضارب في الأدوار، وثمّة تحديات أخرى تحول دون تعزيز وصول النساء إلى مواقع صنع القرار في أماكن العمل، ولعل أبرزها عدم لحظ الإحصاءات الرسمية لمشاركة النساء في الاقتصاد غير الرسمي. هذه النسب أعلاه لا تحتسب مثلاً النساء العاملات في المنازل أو العاملات من المنازل في أيّ قطاع غير نظامي (كبائعات خضار وسلع بسيطة وخادمات في المنازل وعاملات تنظيف في الفنادق والشركات، أو عاملات في منازلهنّ يجمعن أجزاء صناعات بسيطة أو يصنعنَ مواد غذائية أو يُخطنَ). ومن التحديات كذلك الحواجز القانونية والأعراف التي من شأنها أن تحدّ من فرص وصول النساء إلى مواقع القرار، لا سيّما ما يتعلّق بامتلاك أرض وموارد طبيعية ورأسمال بشري وتسليف، فضلاً عن الفوارق في الأجور.
تطول لائحة التحديات التي تواجه المرأة وتعوق تساويها في سوق العمل مع الرجل. لكنّ التحدي الأكبر يبقى في التداخل المعقّد للمنظومة الثقافية والاجتماعية والقانونية القائمة. أبسط الأمثلة هو أن تجد النساء أنفسهنّ تحت ضغط موجات تشجيع الرضاعة الطبيعية والاهتمام بنوعية الطعام "الأورغانيك" (العضوي) للأسرة والأطفال، وكأنّها تقول لهنّ بطريقة غير مباشرة "عدنَ إلى المطبخ" إنّما بطريقة عصرية.
*ناشطة نسوية