تلوذ الجالية الإيرانية في بغداد ومدن جنوب العراق بالصمت، محاولة تسيير أحوالها المعيشية دون الوقوع في محاولات العراقيين المتكررة جرها إلى مواضيع السياسة والأمن في قضايا سورية واليمن والبحرين، سواءً في حافلات النقل أو المقاهي والجلسات العامة والأسواق.
ويمكن لسحنة الإيراني ولكنته العجمية أن تفتح شهية أي عراقي على فتح موضوع ما معه، خصوصا مواضيع الحرس الثوري والتدخل بالعراق وسورية.
ومنذ آخر حادثة طعن تعرض لها إيراني في بغداد منتصف العام الماضي لم يعد الإيرانيون يشاركون بمثل تلك الأحاديث. ويعمل أغلبهم في شركات إعمار أو سياحة دينية، ومنهم من لديهم إقامة دائمة منذ الاحتلال الأميركي للعراق، وآخرون استقروا بعد فرض العقوبات الدولية على طهران وانهيار العملة الإيرانية قبل سنوات عدة، ويقدر عددهم بعشرات الآلاف.
مصطفى آغا إيراني في العقد الرابع من العمر يجيد العربية بشكل مقبول، ويعمل في شركة نسيم العراق للسياحة، يوضح أنه يجاهد كي لا يقع بفخ عراقي ما لأن هذه المواضيع حساسة.
ويضيف لـ"العربي الجديد" أن "العراقي طبعه حاد وعصبي، ولا يزال يذكر سنوات الحرب الثماني بين العراق وإيران، ويعتبر أن عرقه أفضل من الآخرين، وهذا يجعله يفتح مواضيع يراها سببا في مأساته"، مؤكدا أنه أوصى أطفاله وزوجته بعدم الخوض في أي نقاش.
وأقدم مواطن عراقي منتصف العام الماضي، على طعن مقيم إيراني في منطقة الباب الشرقي بعد نقاش بشأن سورية وتدخل الإيرانيين هناك، ما استدعى وزارة الداخلية العراقية إلى فتح تحقيق عاجل بالموضوع، واعتقال المواطن العراقي وزجه بالسجن بتهم الإرهاب، رغم اعتراف الإيراني المطعون أنه استفز العراقي بعبارة عنصرية.
ناشطون عراقيون كشفوا أن أفراد الجالية الإيرانية في بغداد أصبحوا شبه منعزلين عن أصدقائهم، ويبتعدون عن مناقشة الشؤون السياسية خشية ردود فعل غير متوقعة ضدهم.
الناشط المدني، حامد العبيدي، أوضح لـ"العربي الجديد" أن "أفراد الجالية الإيرانية أصبحوا يبتعدون عن الخوض في أي نقاش سياسي خاصة بعد التطورات الأخيرة في الساحة السياسية في المنطقة، والسياسات الإيرانية المعادية لدول المنطقة عموماً".
ورأى الباحث الاجتماعي، مفلح السماوي، أن "الانعزال أصبح السمة الواضحة على أفراد الجالية الإيرانية في العراق، والابتعاد عن النقاشات السياسية تماماً تجنباً لأي رد فعل غير متوقع بهذا الصدد، خصوصا أن أغلب العراقيين أصبحوا يعلمون تماماً أن ما يجري في العراق سببه إيران بالأساس".
واعتبر أن سياسة إيران العدائية ضد شعوب المنطقة مسؤولة عمّا يعانيه الإيرانيون في الخارج.
وتابع السماوي "الشعب العراقي شعب طيب مضياف يستقبل كل شعوب الأرض بصدر رحب وأفق واسع بما في ذلك الشعب الإيراني، ويأتي كثير من الإيرانيين لزيارة العتبات المقدسة في البلاد أو للتجارة أو لأعمال مختلفة، ولكنهم صاروا مؤخراً يبتعدون عن أي نقاش سياسي منعا للإحراج، أو ردات الفعل".
وذات الحال في مدن الجنوب في كربلاء والنجف والعمارة والبصرة والناصرية التي تتواجد فيها الجالية الإيرانية ولهم مصالح وأعمال وصداقات تربطهم بأهالي تلك المدن، التي يأتون إليها لزيارة العتبات المقدسة كما في النجف وكربلاء أو بهدف التجارة.
وقال أحمد سعيد (41 عاماً) وهو سائق سيارة أجرة: "أنا أعرف اللغة الإيرانية لأني في موسم الزيارة أعمل على إيصال الزوار الإيرانيين من الحدود إلى مدينتي النجف وكربلاء على مدار سنوات، وأحياناً أنجز بعض المعاملات الرسمية أو التجارية لبعض الإيرانيين في العاصمة".
وأوضح لـ"العربي الجديد " أنهم يتملصون من الإجابة على أسئلتي عمّا يجري في العراق وسورية أو رأيهم بنظامهم الحاكم في إيران، ويقولون بصراحة لا نحب الخوض في السياسة".