يعمل الطفل إبراهيم ياسين جاهداً في كل يوم من أيام شهر رمضان المبارك من أجل مساعدة والدته على توفير كافة الحاجيات التي يتطلبها تصنيع الحلوى والمسليات التي يبيعها في ساحة قريته. فقد افتتح إبراهيم منذ بدء رمضان، بسطة صغيرة يعرض عليها ما اعتاد أطفال قريته على شرائه بعد الإفطار.
ويسجل البائع الصغير على قصاصة من ورق، كل ما تحتاجه عائلته من منتجات، ويذهب بها إلى إحدى البقالات القريبة من منزله، ليشتريها بمصروفه الذي يوفّره مما يبيعه كل يوم. وتتزيّن طاولة العرض لديه بكل الأصناف التي عوّد زبائنه عليها، من الترمس والعصير والقهوة والبالوظة الملوّنة بأطعمة مختلفة، وكذلك الذرة المسلوقة.
إبراهيم، والذي يبلغ من العمر ثلاثة عشر عاماً وينتقل العام الدراسي المقبل إلى الصف الثامن الأساسي، استطاع أن يعوّد ومن خلال بسطته الصغيرة أطفال قريته في عصيرة القبلية، إلى الجنوب من مدينة نابلس، شمالي الضفة الغربية المحتلة، على مكانه الخاص وتساليه الخاصة في كل عام، إذ يطلّ عليهم في شهر رمضان المبارك. كما أنه يساهم مع عائلته في توفير المصروف اليومي، فضلاً عن أنه يدّخر في حصّالته نقوداً يشتري بها ملابس العيد، وفق ما يقول لـ"العربي الجديد".
ويضيف: "خلال التجربة الأولى قبل أربع سنوات كنت أبيع الترمس، وكنت أتجوّل في شوارع القرية ليراني الناس ويشتروا مني، وتشجعت في السنة التالية لأضيف نوعاً جديداً، وبدعم من أمي وأبي باتت لديّ زاوية خاصة في ساحة القرية، يجيء إليها من يعرفني ويشتري مني".
من جهته، يقول خليل ياسين، والد الطفل إبراهيم، لـ"العربي الجديد": "لم أقف في وجه هذه الفكرة الصغيرة التي بدأ بها إبني قبل أربع سنوات. على العكس، فقد قمت بتشجيعه من أجل رفع ثقته بنفسه، وزيادة اعتماده على نفسه، من خلال بيع بعض الحاجيات البسيطة خلال رمضان". ويشير الوالد إلى أن بيع ابنه لهذه التسالي الرمضانية، توسّع شيئاً فشيئاً من خلال مساعدة والدته وما تصنعه، وكذلك حماسته للفكرة، وسعادته بفكرة البيع والربح وتوفير النقود والمساهمة في مصروف المنزل.
ويؤكد الوالد على أنه يسعى لتطوير مشروع إبراهيم، وتخصيص مكان له يضع فيه بسطته بشكل دائم طوال العام، كي لا يقتصر عمله فقط على شهر رمضان، إذ يفكر بإضافة المعجنات والشطائر إلى البضاعة. لكنه يؤكد بالمقابل على أهمية أن لا يؤثر هذا العمل على دراسة إبراهيم واستكمال تعليمه في المدرسة.
في شهر رمضان المبارك، تزداد أعداد الأطفال الذين يبيعون مثل هذه المنتجات، حيث تكتظ الشوارع والساحات العامة في القرى والمدن بالأطفال الذين يبيعون القهوة والحلويات والمسليات، التي يشتريها الزبائن خلال فترة تجوّلهم بعد الإفطار. كما أن أطفالاً آخرين، وبمساعدة أهاليهم، يختارون المنتجات التي يقبل عليها الصائمون، فيبيعون الفجل والجرجير والبصل الأخضر، وكذلك العصائر والحلويات.
في السياق نفسه، يعرض الطفل مروان أحمد (14 سنة)، على بسطته الصغيرة القطايف للصائمين في السوق بمدينة نابلس، والتي يزداد عليها الطلب بشكل كبير في رمضان. يقول مروان لـ"العربي الجديد": "تعمل أمي بشكل يومي على إعداد القطايف، وأنا أخرج خلال النهار لبيعها. تصنعها أمي بشكل متقن، وأنا أساعدها في تغليف الصحون بعد تعبئتها، ومن ثم أتوجّه إلى المكان الذي اعتاد زبائني أن يجدوني فيه". يشير مروان إلى أنه يجمع نقود البيع في كل يوم، ويسلمها إلى والدته التي تخصص بعضاً منها لشراء مكونات القطايف، كما تدّخر منها من أجل مصروف البيت.
وتصل ذروة البيع لدى هؤلاء الباعة الصغار خلال أيام العيد، إذ يعدون لأيام العيد الثلاثة كمية أكبر من تلك التي اعتادوا على بيعها في ليالي رمضان، ويبدأون بعرض بضاعتهم صباحاً بعد صلاة العيد مباشرة. هذا ما يفعله الطفل خالد الصفدي، بائع الألعاب، الذي يطلّ في آخر أيام رمضان وفي أيام العيد، فيشتري كمية من الألعاب والدمى، ويعرضها للبيع في المكان الذي يتجمع فيه الأطفال بالعادة ليلفت انتباههم إلى بضاعته، وفق ما يشرح لـ"العربي الجديد".
الاعتماد على النفس
يشكل هذا النوع من الأعمال الصغيرة التي يمارسها الأطفال والفتيان خلال رمضان مصدر رزق مؤقت، يساهمون من خلاله بتوفير ربح بسيط يؤمن لبعض العائلات مصدر دخل في ظل الوضع الاقتصادي الصعب، كما ويدفعهم إلى الاعتماد على أنفسهم أكثر، ويشجعهم على التفكير بمشاريع أكبر في المستقبل.