على مقعدٍ بلاستيكيٍ صغير، فوق أحد أرصفة حي ديور الجامع، في العاصمة المغربية الرباط، تجلس وأمامها عدد قليل من قطع الفخار التي تبيعها للمارة. سنوات طويلة مرت عليها وهي تناجي ربها في ذلك الملكوت الخاص الذي دخلته بعد أن فقدت بصرها، ولم يتبقّ لها سوى بصيرتها المضاءة بالأمل، تنظر بها إلى مستقبل أسرتها الصغيرة.
الحاجة سعدية شرقاوي، بطلة في زمن صعب، فبعد أن أصابها العمى وحُرمت من القدرة على الإبصار تماماً، زوجها أصابه شللٌ أقعده في سريره، وهو غير قادر على أية حركة. وما كان أمامها إلا الخروج إلى الشوارع والأزقة، سعياً لرزقٍ تعيل به زوجها وابنتها الصغيرة، رغم بلوغها في ذلك الوقت سن الخمسين وعجزها عن الرؤية.
"كانت ابنتي صغيرة وزوجي أصابه الشلل فأقعده، ولم يكن معي سوى ألف ريال (50 درهماً مغربيّاً)، أضعتها ولم أعرف ماذا أفعل"، تروي الحاجة سعدية البالغة اليوم 64 عاما، مُضيفة "قررت الخروج للعمل، وبدأت ببيع النعناع ثم بيع الأواني البلاستيكية ولم أستطع أن أتقنها، فاتجهت لبيع الفخار".
14 عاماً وهي تجلس في مكانها، تنتظر القليل من النقود التي بالكاد تكفي احتياجات أسرتها، فيقصدها الناس ليشتروا منها كوباً أو إبريقاً من الفخار.
"الناس كيعاونوني" هكذا تقول الحاجة سعدية، التي صارت علماً من أعلام هذا الحي التجاري، يتذكرها الناس في المواسم والأعياد بالإعانات والمساعدة.
استطاعت الحاجة سعدية أن تعيل أسرتها، وتعلم ابنتها حتى نالت شهادة في التجارة وصارت مُحاسبة في أحد مكاتب المحاسبة القانونية بالرباط، وهو الشيء الذي تفتخر به أمام الناس، كما تفتخر ابنتها ببطولة أمها وعظمة المجهود الذي بذلته من أجلها.