الأمل بالمستقبل يدفع مجموعة من الأصدقاء في المرحلة الثانوية إلى تعلّم لغات أجنبية، إذ يرون أنّه وعلى الرغم ممّا يمرّ به وطنهم العراق من ظروف صعبة تعيق التفاؤل بمستقبل أفضل، فإنّ نهاية سعيدة تنتظرهم في مشوارهم المهني.
همام خالد واحد من تلك المجموعة، وقد بلغ مستوى متقدماً في تعلم اللغة الفرنسية ويجتهد كثيراً لكي يتقن الكتابة والتحدث بالفرنسية خلال أقلّ من عام، لتكون اللغة الثانية التي يتقنها بعد الإنكليزية. وخالد الذي لم يتجاوز السادسة عشرة من عمره، يقول لـ "العربي الجديد" إنّ ما يدفعه إلى تعلم اللغات هو أنّها "أسهل وأفضل طريقة لصنع المستقبل الذي لا أفكّر اليوم بما يخبئه لي". يضيف: "أنا أسعى إلى تعلم أكبر عدد ممكن من اللغات. وإذا لم يحالفني الحظ في استثمار شهادتي الأكاديمية بعد تخرّجي من الجامعة، فإنّني لن أكون عاجزاً، إذ أمتلك أكثر من لغة".
ويجتمع خالد وأصدقاؤه باستمرار ليناقشوا قضايا مختلفة في جلساتهم أو رحلاتهم الترفيهية. وعلى الرغم من أنّ تلك اللقاءات هي للاستمتاع والترفيه، فإنّهم يستثمرونها لصقل لغاتهم الأجنبية ولا يتحدثون في ما بينهم بلغتهم الأم إنّما يتواصلون باللغة الفرنسية وأحياناً الإنكليزية التي يتقنونها.
محمد غانم يُعَدّ المرجع اللغوي في المجموعة، إذ إنّه الأسرع استيعاباً لدروس اللغة، فيضع لأصدقائه جدولاً لمراجعة الدروس والمعلومات والنشاطات. غانم الذي يبلغ السادسة عشرة من عمره يقول إنّهم متّفقون على تعلم اللغة الإسبانية بعد إنهاء دورة اللغة الفرنسية. يضيف لـ"العربي الجديد" أنّ "اللغة الإسبانية وبحسب ترتيب اللغات الأكثر انتشاراً، تأتي في المرتبة الخامسة، وتسبقها الإنكليزية والهندية والصينية وكذلك العربية. أمّا اللغة الفرنسية التي ندرسها حالياً فإنّ ترتيبها تاسعاً بين اللغات الأكثر انتشاراً". ويتابع: "على الرغم من أنّ طريق العلم طويل وشاق، فإنّ اللغة سلّم لتولي وظيفة محترمة وكذلك سلّم للترقي في الوظائف".
تجدر الإشارة إلى أنّ المجموعة تتألف من سبعة أصدقاء تتراوح أعمارهم بين 15 و17 عاماً، أنهوا بتميّز دورة اللغة الإنكليزية في عام 2016، وقد بلغوا اليوم مرحلة متقدمة في تعلم اللغة الفرنسية. والدافع من وراء اهتمام هذه المجموعة بتعلم اللغات في سنّ المراهقة، هو "المستقبل" بحسب ما يشدّد حيدر صلاح. وصلاح هو الوحيد من بين أعضاء هذه المجموعة الذي خطّط لمستقبله بطريقة دقيقة، فهو يسعى إلى السير على طريق "جان يو"، مراهق فقير في فيلم صيني شقّ طريقه نحو عالم الأثرياء بتعلمه اللغات الأجنبية والعمل في مجال السياحة، ليملك لاحقاً شركة عملاقة للسياحة والسفر. ويؤكد صلاح لـ"العربي الجديد" أنّ ذلك "ليس حلماً. فالحلم ينتهي عند استيقاظ صاحبه. لكنّ ذلك هدف وقد خططت له بدقّة، إذ وضعت خمس خطط بديلة في حال الفشل في واحدة منها أو أكثر". ويوضح أنّ "الخطة الأولى والخطة الثانية وضعتهما للانطلاق بعملي من العراق، وهذا بالتأكيد مرهون بالأوضاع التي يمرّ بها البلد. أمّا الخطط الثلاث الأخرى فتنطلق من خارج العراق".
ويمر العراق بوضع أمني متوتر وغير مستقر منذ غزوه في 2003، وتسببت تداعياته لاحقاً بإلحاق أضرار بليغة في اقتصاده، لاسيما ما أصاب قطاعاته الزراعية والصناعية من تدهور.
في السياق، يقول صادق عبد الرحمن (23 عاماً) إنّه يجني ما بين أربعة وستة آلاف دولار أميركي في الشهر الواحد، إلى جانب هدايا قيّمة من زبائنه، وذلك بفضل اللغات الأجنبية. يُذكر أنّ عبد الرحمن الذي لم ينه دراسته الجامعية، كان يهتم بتعلم اللغتين الإنكليزية والتركية والسبب "حبّي للأغاني التركية ومتابعتي للأفلام الأميركية". ويخبر "العربي الجديد" أنّه أنهى أخيراً "ترتيبات زواجي ونجحت نتيجة عملي مترجماً ومرشداً سياحياً في شراء بيت صغير وسط العاصمة بغداد. فأنا كنت قد أنهيت في عام 2012 اللغة الإنكليزية وفي عام 2013 اللغة التركية. وفي ذلك العام، سافرت إلى تركيا وقد لفتتني السياحة في ذلك البلد. هكذا قرّرت العمل كمرشد سياحي بعدما تعرّفت إلى شباب عرب يعملون في هذا المجال". ويوضح أنّ "أساس هذا العمل بالتأكيد هو اللغة. وتمكّني من التركية والإنكليزية بالإضافة إلى العربية، فتح لي مجال العمل بطريقة كبيرة". ويشير عبد الرحمن إلى أنّه نجح في إقامة علاقات واسعة مع سيّاح عرب وأجانب، من خلال عمله، وصار هؤلاء يلجؤون إلى خدماته خلال زياراتهم لتركيا، نتيجة الثقة. ويتابع أنّ عمله يرضيه كثيراً إذ "هو مربح، ومن خلاله أخوض تجارب ممتعة وأزور مناطق سياحية جميلة وأتعرّف إلى أشخاص من دول مختلفة".
والإقبال على تعلم اللغات فتح المجال أمام إنشاء مراكز لتعليم اللغات الأجنبية في العراق، صارت تنتشر أكثر خلال الأعوام الأخيرة. فيقول فائز السامرائي وهو مترجم يعمل في القطاع الخاص، إنّه تشجّع كثيراً لمشروعه الذي أطلقه قبل عام، بعدما عمل في تدريس اللغة الفرنسية في معهد أهلي. ويوضح لـ"العربي الجديد" أنّ "المواطن العراقي صار يعلم جيداً أهمية المستقبل، وما هي طرق بنائه. وهذا يتّضح من خلال الإقبال على تعلم اللغات". ويلفت السامرائي إلى أنّه "على الرغم من أنّ الإنكليزية هي أكثر اللغات التي يرغب المتقدّمون إلى المراكز التعليمية في تعلمها، فإنّ لغات أخرى تشهد كذلك إقبالاً متزايداً". يضيف أنّ "الذين يقبلون على تعلم اللغات الأجنبية هم "أشخاص من كلا الجنسين ومن أعمار مختلفة. وثمّة أشخاص تجاوزت أعمارهم خمسين عاماً، وأطفال ما زالوا في المرحلة الابتدائية. جميعهم يحرصون على تعلم لغات أجنبية".