علِقت صورة الكتب الممزقة والمتناثرة في أرجاء الجامعة الإسلامية بمدينة غزة، جراء قصف الاحتلال الإسرائيلي لأحد مبانيها خلال حرب صيف عام 2014، في ذهن الشاب مصعب أبو توهة، الذي بدا متأثرًا حينها بمشاهد الدمار التي لم تُفرق بين أحياءٍ أو جماد وغيّبت الأرواح كما السطور.
واعتاد أبو توهة على القراءة والاطلاع على العلوم بلغتيها العربية والإنكليزية، إذ كان يحصل على الأخيرة من أصدقاء له في دول أوروبا، ومع مشهد الكتب الإنكليزية التي تناثرت مع قصف الاحتلال لمكتبة الجامعة، جاء إلى ذهنه فكرة إنشاء مكتبة خاصة تضم 1000 كتاب بتلك اللغة.
ويوضح أبو توهة (25 عاما) الذي درس تخصص اللغة الإنكليزية وآدابها في الجامعة، أن حاجة العديد من الخريجين والباحثين الذين يفتقرون الى كتب متخصصة باللغة الإنكليزية سواءً كانت في حقول الآداب أو فلسفة أو علم اجتماع أو علم نفس أو علوم دينية وحتى سياسية، دفعته للتفكير بإنشاء المكتبة.
"إدوارد سعيد العامة" هو الاسم الذي أطلقه أبو توهة على مكتبته المجانية الأولى من نوعها في غزة، وبدأ بتطبيقها بعد العدوان الأخير، إذ استطاع جمع التبرعات المالية لإنشائها بعد عامين من الحرب الإسرائيلية، إلى أن توّج ذلك المجهود بافتتاح تلك المكتبة في بيت لاهيا، شمال القطاع.
وتكمن أهمية وجود مكتبة باللغة الإنكليزية في كونها اللغة الأكثر استخداما في العالم، حيث هناك عدد كبير من الدارسين والمختصين فيها، كذلك وجود عدد كبير من التخصصات التي تكون مراجعها بتلك اللغة، كالتمريض والهندسة والتكنولوجيا والعلوم وهذا كله يزيد من الحاجة لها.
ويضيف أبو توهة أن "الكتب المؤلفة باللغة الإنكليزية تتوفر بشكل أسرع مقارنة بالعربية المترجمة، نظرًا لضعف حركة الترجمة في العالم العربي، فبحسب إحصائية حديثة فإن الوطن العربي كله يترجم 20 في المائة فقط مما تترجمه اليونان وحدها".
ويهدف الشاب في مشروعه إلى تشجيع القراءة في المجتمع المحلي حيث هناك ثقافة سائدة بأن القراءة شيء ثانوي، آملاً في أن تساعد المكتبة في بناء جيل متعلم ومثقف باللغة الإنكليزية، كما في لغته الأم العربية.
ويلفت أبو توهة إلى أنه من ضمن الأشياء التي تقدمها المكتبة ترغيب الفئات المستهدفة للإقبال على القراءة سواء بعقد لقاءات مختصة أو لقاءات عن أهمية القراءة باللغة الإنكليزية، مشيراً إلى أن أكثر شريحة متوقع أن تستفيد من المكتبة هي شريحة دارسي تلك اللغة.
وفي مشروعه المجاني، واجه أبو توهة صعوبات في توفير الدعم المادي، إذ أخذ وقتًا طويلاً لجمع التبرعات لإنهاء شيء من تكلفة المكتبة، كما كانت عملية إيصال الكتب إلى غزة تمر بعوائق كثيرة، وتأخذ وقتًا طويلاً.
ويبين أبو توهة أنه جمع كل تلك الكتب عن طريق البريد الدولي أو شركات البريد الخاص، لكن ذلك كان مُرهقًا في عملية الوصول، موضحًا أن أي بريد في العالم يأخذ فترة تقريبا 10 أيام، لكن الوضع مختلف في غزة، فقد يتعدى الأمر ليكون ما بين 6 – 8 أسابيع.
ويتأسف أبو توهة لنقص هرمون القراءة لدى الشعوب العربية، ففي إحصائية قرأها الشاب الفلسطيني أن متوسط القراءة للفرد العربي هو ربع صفحة سنويا بينما تصل معدلات القراءة في أميركا إلى 11 كتابا للفرد سنويا، أما في بريطانيا فتصل إلى سبعة كتب.
المشكلة ذاتها يلامسها الغزّي في الإقبال المتواضع على المكتبة، بعد أسبوعين على افتتاحها، لكنه يأمل من خلال المشروع المجاني أن يكون محفزًا للشباب على القراءة، عبر طرح كتب مختلفة ومتنوعة الفائدة، وتحفيز الفئات الناشئة على الاطلاع عبر عقد لقاءات خاصة.
وينشط شبان غزة في البحث عن مشاريع ذاتية، توفر لهم فرصة عمل بعيدًا عن حجم البطالة المتفشية بين صفوف الخريجين في القطاع، غير أن مشاريع أخرى كتلك المكتبة المجانية، تهدف إلى تشجيع ثقافة الفلسطينيين على القراءة، لعلّها تكون مُغيبة لهم عن واقعهم الصعب بالمدينة المحاصرة.
ومؤخرًا، لجأ العديد من الفلسطينيين إلى إغلاق محالهم التجارية ومشاريعهم الخاصة، نظرًا للأزمات التي ضربت أرزاقهم بعرض الحائط، بدأت باقتطاعات في رواتب الموظفين، وصولاً إلى أزمة التيار الكهربائي التي تلاحق الغزّيين منذ 11 عامًا دون توقف.