في الحكاية التي يرويها المقدسيون هذه الأيام، أنّ الاحتلال الإسرائيلي اعتقل حتى الآن اثنتين من أشهر المرابطات المقدسيات، وهما: هنادي الحلواني وخديجة خويصة على خلفية فعالية ومبادرة شعبية تقوم على تناول "المقلوبة" في ساحات المسجد الأقصى المبارك، والتي باتت حدثا أسبوعيا ينظم في الأقصى بعد هبة المقدسيين الشهيرة في شهر يوليو/ تموز المنصرم.
الاحتلال كان قد اعتقل مؤخرا المرابطتين الحلواني وخويص، إذ مدّ اعتقال الأخيرة بعد 20 من الشهر الجاري، في حين تم تمديد اعتقال الحلواني حتى 24 من الشهر الجاري، ويروي محاميهما خالد زبارقة، بأن جزءا من التحقيق معهما تركز حول "فعالية المقلوبة"، ولأن المرابطتين باتتا من أبرز الرموز، فإن مشاركتهما في هذه الفعالية تزعج الاحتلال وتقلقه.
يقول المحامي زبارقة لـ"العربي الجديد": "الاتهام الموجه لهاتين المرابطتين يأتي في سياق رباطهما بالأقصى، وبما أنهما من القائمة التي منع الاحتلال دخولها للأقصى من المرابطات، فإن مشاركتهما في هذه الفعالية تحولت إلى تهمة جاهزة".
وأضاف: "في الواقع نحن في حيرة شديدة من هذا الأمر، فالمسألة وكذلك الإجراءات المتعلقة بها، تبدو قانونية كما يحاول الاحتلال إظهارها، لكنها في الواقع عكس ذلك تماما ولا تمت للقانون بصلة، لأنها إجراءات سياسية يحاولون فرضها وتطبيقها، بعدما فشلوا في فرضها خلال هبة الأقصى، ولهذا هم يحاولون فرضها بالتقسيط".
ونوّه المحامي زبارقة إلى أن التحقيق مع المرابطتين خويص والحلواني تطرق كذلك إلى حيازتهما كتباً أهديت إليهما وليست محظورة أبدا، لكن عالميتهما كرمز للرباط بات الاحتلال يرى فيها تهديدا له، ما دعا زبارقة إلى سؤال قضاة المحكمة الإسرائيلية في جلسة النظر الأخيرة، قائلا: "هل أصبحنا في وضع يتطلب وجود شرطة تراقب أفكار البشر"؟.
ما يقلق المحامي زبارقة بهذا الشأن أيضا، هو أن المحاكمات التي تجرى للمرابطات ولآخرين في القدس وفلسطين المحتلة عام 1948، تتم وفق مخطط يريدون تمريره بأي طريقة، والذريعة الأمنية لديهم جاهزة باستمرار.
ويقول زبارقة: "نحن أمام معضلة حقيقية فعلا، والجميع يحاكم اليوم باعتباره شخصية عامة مؤثرة في المشهد العام، هذا ينطبق على المرابطات، وأيضا على الشيخ رائد صلاح، وعلى الناشط المقدسي الحاج نهاد الزغير، والخلاصة (أنت مؤثر، فأنت تشكل خطرا)".
فعالية "المقلوبة في ساحات الأقصى" كغيرها من الفعاليات يدعمها ويؤيدها نشطاء ودعاة من أبرزهم الشيخ نور الدين الرجبي، الذي اعتقل مؤخرا وحقق في جانب من التحقيقات معه حول هذه الفعاليات والتجمعات التي بات الاحتلال يرى فيها خطرا عليه.
الشيخ الداعية المقدسي نور الدين الرجبي، والذي اعتقل مؤخرا وحقق معه أكثر من مرة على خلفية عمله كداعية، قال لـ"العربي الجديد"، "الاحتلال من خلال توجيهه مثل هذه التهم، لا يريد من أحد أن يدعو إلى أي تجمع في الأقصى بغض النظر عن الطريقة التي يتم فيها هذا التجمع.
وأضاف: "لقد تم سؤالي في التحقيقات التي أجراها معي جهاز المخابرات الإسرائيلية (الشاباك) في ذات الموضوع عن الدعوات لمثل هذه الفعاليات، وكان جوابي أن الأقصى مسجدنا ونحن أحرار في التواجد فيه، ومطلوب شرعا شد الرحال إليه بالطريقة المناسبة من عموم المسلمين لتطبيق سنة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وهذا هو الواقع الذي لا يستطيع إنكاره من الناحية الدينية".
وأردف: "بطبيعة الحال كان جوابي، أنا داعية وشيخ، ومن حقي دعوة الناس إلى شد الرحال للأقصى، في حين تذرعوا هم بأن مثل هذه التجمعات يمكن أن تؤدي إلى حدوث مشاكل".
لم تعد "المقلوبة" وهي أكلة شعبية فلسطينية شهيرة مجرد طبق طعام، بل باتت في نظر الاحتلال الإسرائيلي تهمة موجبة للاعتقال، خاصة إذا كان هذا الأمر متصلا بالمرابطين والمرابطات في المسجد الأقصى ومحيطه.
إجراءات الاحتلال بحق المقدسيين يخشى البعض أنها قد تدفعهم إلى أن يغادروا للأبد "أطباق المقلوبة" الشهية خشية من الاعتقال والمحاكمة..؟ هذا في الواقع ما يتندر به كثيرون منهم، لكن الرد كان مزيدا من فعاليات "المقلوبة" في ساحات الأقصى، حيث اعتادت العائلات وبعد هبة الأقصى الأخيرة أن تجتمع بجميع أفرادها لتناول "أكلة المقلوبة".
في حين، أقامت عائلات أخرى وجبات طعام وأكلات شعبية مثل "الكوسا وورق الدوالي" وهي أيضا من أشهى الأكلات الشعبية، أما الهدف فهو ضمان أكبر حضور وتجمع شعبي داخل الأقصى يواجه بصموده وحضوره اقتحامات المستوطنين التي سجلت منذ مطلع هذا العام اقتحام قرابة عشرين ألف مستوطن لباحات الأقصى.
وكان القائد المسلم صلاح الدين الأيوبي هو من أطلق على هذه الأكلة اسم "المقلوبة"، وفق ما تشير إليه المصادر التاريخية، التي تفيد بأن هذه الأكلة معروفة في الأردن وفلسطين ولبنان منذ زمن بعيد، حيث كانت تسمى (الباذنجانية) نسبة إلى الباذنجان، وهو المكون الأساسي فيها، إلى أن جاء يوم فتح مدينة القدس على يد القائد صلاح الدين الأيوبي ودخوله وجنوده المدينة المقدسة، واحتفالاً بهذا النصر والفتح قام أهل مدينة القدس بتقديم الطعام إلى صلاح الدين وجنوده كعادة المسلمين في هذه المناسبات، وعندما أكل صلاح الدين من أكلة (الباذنجانية) أعجبته كثيراً فسأل عن اسم هذه الأكلة واصفاً إياها بـ(الأكلة المقلوبة)، حيث كان من العادة أن تقلب في أواني التقديم (الصواني) أمام الضيف، فقيل له إنها تسمى الباذنجانية، ومن هنا جاء تسميتها (المقلوبة) كما أطلقه عليها الأيوبي.