عازبات أو متزوجات، صغارا وكبارا، الجميع معرّضون للتحرش في بغداد، خلال وجودهم في الأسواق والمراكز التجارية والأماكن الترفيهية، في ظاهرة تعد غريبة على المجتمع العراقي بشكل عام.
ويتزايد انتشار التحرش داخل الأسواق وفي شوارع بغداد من دون خوف من عقوبة أو خجل من التقاليد الاجتماعية، ويبدو أكثر في المناسبات والأعياد والمناطق المكتظة بالناس، الأمر الذي دفع وزارة الداخلية إلى إصدار بيان، أمس الأربعاء، قالت فيه إن عقوبة المتحرشين هي السجن لمدة ستة أشهر والغرامة، بينما يطالب ناشطون بتشديد العقوبات وتطبيق هذا القانون فعلاً.
وتقول سارة عدنان، مُدرسة من سكان منطقة الدورة داخل بغداد، لـ"العربي الجديد"، "في السابق كانت الفتاة أو السيدة تمشي في الشارع بدون خوف من أن يتعرض لها أحد، لكن اليوم وبعد الانفلات الأمني في البلاد أصبح كل شيء متاحاً وممكناً، نحن نعاني من أزمة أخلاق في الجيل الجديد الذي نشأ في ظل الاحتلال".
وأشارت إلى أن التحرش اليوم ليس غرضه جنسيا فقط، بل هناك الكثير من الشباب يتحرشون من أجل الضحك والسخرية، تارة يطلقون الكلمات النابية على امرأة عجوز أو طالبات المدارس، وتارة أخرى يتلفظون بعبارات خادشة للحياء أثناء مرور الفتيات، وفي أغلب الأحيان يمر مثل هذا الفعل من دون عقوبة أو توبيخ، لأن المجتمع العراقي، وبحسب تقاليده وأعرافه، لا يسمح بالبوح، خاصة للمرأة إذا ما تعرضت للتحرش.
من جهتها، رصدت شرطة بغداد العديد من حالات التحرش خلال أيام العيد، مؤكدة، في بيان نشرته وزارة الداخلية، الأربعاء، أن عقوبتهم السجن فترة لا تزيد عن ستة أشهر وغرامة مالية.
وقالت خالدة الطائي، مديرة مركز حماية المرأة في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إن "المئات من حالات التحرش وقعت في بغداد خلال العيد، لفظيا أو باستخدام الأيدي ضد النساء، والشرطة لم ترصد شيئا، وحتى من تم اعتقالهم من الشرطة أطلق سراحهم فيما بعد".
وبيّنت أن أغلب المتحرشين هم من جيل نهاية التسعينيات ومطلع الاحتلال الأميركي للبلاد، ويمكن القول إنهم أنفسهم الجيل الأمي غير المتعلم ويأتون من مناطق فقيرة وضواحي بغداد الشعبية إلى وسط العاصمة في مناطق راقية لممارس هواية التحرش. واصفة الظاهرة بأنها غير مسبوقة في العراق وتنم عن فشل كبير في المنظومة الأخلاقية، حيث إن التحرش أصبح لا يميز بين محجبة وكبيرة في السن وغيرها.
وتقول الباحثة الاجتماعية رؤى الجبوري (31 عامًا)، والتي تعمل لدى مركز حواء للإرشاد والاستماع، في حديثها لـ"العربي الجديد"، إن التنشئة الخاطئة والتعامل مع الأطفال منذ الصغر وعدم توعيتهم باحترام الآخرين يلقي بظلاله على سلوكهم عند الكبر، وهذا ما نراه في سلوك الكثير من الشباب المنفلت اليوم، بعد أن أصبح بيدهم المال والسلاح والسطوة وانتمائهم لجماعات مسلحة، فضلا عن بعض الأطفال الذين يعيشون في بيئة غير سوية، ما يجعلهم شبابا غير أسوياء، لأنهم تربوا في الشوارع ومع أشخاص تختلف ميولهم وتربيتهم عن الحياة التي كان يجب أن يتمتع بها هؤلاء الأطفال.
وعن الأسباب الأخرى لتنامي ظاهرة التحرش، تشير الجبوري إلى أن الإحباط السياسي والاجتماعي يقف أيضا وراء تنامي مثل هذه التصرفات، فالشباب يقومون بها كرد فعل على الحروب والنزوح والظروف السياسية والاجتماعية والاقتصادية التي يعيشون فيها، كما أن عدم تفعيل القوانين الخاصة بحالات التحرش وعدم معاقبة من يقومون بذلك، فضلا عن عدم تقديم الدعاوى، يزيد من تفاقم تلك الحالات.
ودعت المجتمع إلى تكثيف جهوده لمحاربة التحرش بكل ظواهره والتزام العائلات في تربية أبنائهم بالقيم الأخلاقية والحرص على متابعتهم ذكورا وإناثا، وعلى الجهات المسؤولة تفعيل القوانين والعمل بها لمعاقبة المتحرش وتجريمه.
ويعرّف بعض أستاذة الاجتماع التحرش على أنه سلوك عدواني يصدر عن شخص بقصد الاعتداء على كرامة وحرية المرأة الضحية من دون رضاها، مما يولد لديها مشاعر ارتباك أو انزعاج أو قرف يؤثر على أدائها في الدراسة والعمل ويشوش تفكيرها.
وبحسب استطلاع أجراه منتدى الإعلاميات العراقيات في العام الماضي 2016، فإن أعداد النساء اللواتي يتعرضن للتحرش اللفظي والجسدي يبلغ 77 بالمائة، مشيرا إلى أن العراق بهذه النسبة احتل المركز الثاني في الدول التي تتعرض نساؤها للتحرش.
وعزا قضاة متخصصون بالنظر في الجرائم، انخفاض شكاوى التحرش في العراق، إلى الأعراف المجتمعية والعشائرية وخشية بعض النساء على سمعتهن بسبب عرض هذا النوع من القضايا ذات الخصوصية على المحاكم. وفيما رأوا أن هذه الجريمة لم تبلغ مستوى الظاهرة بعد، أكدوا أن المشرّع العراقي أقر في قانون العقوبات رقم 111 لسنة 1969 التحرش، وأفرد له المواد (402،401،400) يعاقب مرتكبها بالحبس لمدة سنة أو الغرامة المالية، بغض النظر عن جنسه أو قربه من الضحية.