في أفغانستان التي ما زالت تمزقها الحروب، يعاني الأطفال والنساء أكثر من غيرهم، خصوصاً مع الانتهاكات التي لطالما لحقت بهم وتعاملت معها التقاليد بتهميش متواصل.
في ما يخص الأطفال، تقول مؤسسة حقوق الإنسان إنّ قضايا الاعتداء الجنسي عليهم في جنوب البلاد في ازدياد، وهو أمر مقلق للغاية في ظلّ غياب أيّ جهود لتحسين وضعهم، خصوصاً الفقراء من بينهم والأيتام. في هذا الإطار، يقول مسؤول فرع حقوق الأطفال شمس الدين تنوير إنّ تسع قضايا للاعتداء الجنسي على الأطفال سجلت العام الماضي لدى المؤسسة في حين كان العدد ثلاث قضايا فقط عام 2016. يضيف أنّ العدد الحقيقي أكبر بكثير مما جاء في تقرير المؤسسة إذ إنّ كثيراً من الأفغان لا يسجلون الاعتداءات على أطفالهم بسبب الأعراف والتقاليد السائدة، إذ تنتشر ثقافة العيب في الحديث عما يحصل لأطفالهم من اعتداءات، ويكتفون عادة بما تتوصل إليه الاجتماعات القبلية من حلول، وهو ما يؤدي إلى عداوات تستمر أعواماً طويلة.
تعتبر عمالة الأطفال من الأسباب الرئيسية وراء تعرضهم لاعتداءات جنسية. هؤلاء عادة ينتمون إلى أسر فقيرة ويخرجون إلى السوق لأجل لقمة العيش، وأثناء العمل تقع الاعتداءات. وكما يذكر تنوير فإنّ ما يقرب من 20 ألف طفل يمارسون الأعمال الشاقة في إقليم قندهار وحده، وجلّ هؤلاء يأتون إلى العمل بسبب الفقر أو فقدان من يعيلهم ويعيل أسرهم. يعمل هؤلاء في البناء وتصليح السيارات والتسول وغيرها. يتابع أنّ هناك عصابات تستغل وضع الأسر الفقيرة وتستخدم أطفالها في الأعمال الشاقة، مشيراً إلى أنّ معظم هؤلاء الأطفال تترواح أعمارهم بين 13 و15 عاماً.
من بين من تعرضوا لاعتداء جنسي خلال العمل جمشيد خان (12 عاماً). الاعتداء أدى إلى خلاف بين أسرته وأسرة الجاني، إلى أن وصل الأمر إلى المحكمة. وما زال العداء متواصلاً بين الطرفين، مع مخاوف إراقة الدماء، خصوصاً أنّ العادات في هذا الخصوص مشددة. وكان جمشيد الذي مات والده قبل عمله بفترة يشتغل في متجر بقندهار مقابل 150 أفغانية (دولارين أميركيين تقريباً) يومياً. اعتدى عليه جنسياً نجل المالك وهو شاب يبلغ من العمر 28 عاماً. لم يخفِ الفتى القضية عن أسرته، وتشاجر أعمامه مع مالك المتجر. وبعد محاولات قبلية هدأ العداء بين الطرفين، وأحيلت القضية إلى المحكمة، إلا أنّ أسرة الطفل تسعى لقتل الشاب المعتدي لعلمهم أنّ المحكمة لن تبتّ في حقهم كون والد الجاني صاحب مال وثروة ويدفع المال رشوة للقضاة والسلطات.
يقول تنوير إنّ من أسباب الاعتداءات أيضاً عدم اهتمام الآباء بشؤون أبنائهم، وحرمانهم من التعليم. النسبة الكبيرة من الأطفال تمضي أيامها في الشوارع من دون أن يعلم آباؤهم أين يذهبون أو ماذا يفعلون. كذلك، فإنّ استغلال الأطفال في التسول سبب آخر لتعرضهم لاعتداءات جنسية. في بعض الأحيان، عندما يتسول الأطفال في الأسواق يكونون عرضة لذلك، وهناك عصابات تستخدم الأطفال في التسول وجمع الأموال ويعتدي أفرادها عليهم جنسياً أو يسمحون بتعرضهم لذلك.
أما الحلّ بحسب تنوير فيكمن في الاهتمام بشريحة الأطفال المهمشين على وجه الخصوص، وتوفير فرص تعليم لهم. وقبل كلّ ذلك القضاء على الفقر وتغيير وضع الأفغان المعيشي لأنّ استمرار الفقر في البلاد، سيؤدي إلى استغلال الأطفال في الأعمال الشاقة وجعلهم لقمة سائغة أمام المعتدين جنسياً الذين يفلتون من العقاب عادة. كذلك، يشير تنوير إلى أنّ المطلوب أيضاً بث الوعي لدى الآباء كي يهتموا بأولادهم لأنّ غفلتهم وعدم اهتمامهم بمستقبلهم يعرّض هؤلاء لكثير من المخاطر، ومنها الاعتداء الجنسي والخطف وغيرهما.
من جانبها، وعدت الحكومة الأفغانية بالعمل الجاد لأجل تحسين حالة الأطفال في البلاد، خصوصاً في قضايا الاعتداءات الجنسية والعمالة والتجنيد القسري. وفي هذا الخصوص، يقول الناطق باسم الحكومة المحلية في إقليم قندهار، فضل باري بريال، إنّ الحكومة لديها آلية شاملة لأجل تحسين حالة الطفل الأفغاني وهي تعمل في هذا السبيل باستمرار، مشدداً على أنّ تعاون المجتمع المدني مع الحكومة والجهات المعنية يمكن أن يلعب دوراً مهماً وأساسياً في هذا الصدد.
استغلال عسكري
أحد أسباب الاعتداءات الجنسية على أطفال أفغانستان تجنيدهم في الجيش القبلي، علماً أنّ بعضهم لا يتجاوز 15 عاماً. كذلك، يستغل قادة الحرب الأطفال لأغراض جنسية. وقد كشفت وسائل إعلام أخيراً جزءاً من ذلك، وبثت مقاطع فيديو على وسائل التواصل الاجتماعي تفضح مثل هذه الممارسات الشائعة بين قادة الحرب.