"قطر بيوبنك"... بحوث لصحة أجيال المستقبل

22 نوفمبر 2018
في مختبرات "قطر بيوبنك" (مؤسسة قطر)
+ الخط -

يسعى برنامج "قطر بيوبنك" في بحوثه الخاصة بسكّان دولة قطر، مواطنين كانوا أو مقيمين، إلى تخزين بيانات هؤلاء من أجل ضمان صحّة أفضل مستقبلاً

بهدف تمكين العلماء وتشجيعهم على إعداد بحوث طبية تتناول المشكلات الصحية والأمراض المختلفة المنتشرة بين سكان قطر، تأسس "قطر بيوبنك" للبحوث الطبية بموجب تعاون ما بين مؤسسة قطر للتربية والعلوم وتنمية المجتمع ووزارة الصحة القطرية ومؤسسة حمد الطبية. أتى ذلك في عام 2012، لتفتتح رئيسة مجلس إدارة مؤسسة قطر، الشيخة موزا بنت ناصر، مقرّ "قطر بيوبنك" في أحد مباني مدينة حمد بن خليفة الطبية، في فبراير/ شباط من عام 2015.

تقول رئيسة اللجنة الوطنية لبرنامج "قطر جينوم"، ونائبة رئيس مجلس أمناء "قطر بيوبنك"، الدكتورة أسماء آل ثاني، في حديث خاص لـ"العربي الجديد"، إنّ "قطر بيوبنك أكبر مبادرة صحية في البلاد على الإطلاق، ويهدف إلى المساعدة في تحسين صحة أجيال المستقبل من خلال إجراء البحوث الطبية حول أسباب الأمراض المنتشرة بين السكان. وهو يسعى إلى إجراء البحوث الصحية الضرورية من خلال جمع العيّنات الحيوية والبيانات المتعلقة بالصحة وأنماط الحياة لعدد كبير من سكان الدولة، من أجل مساعدة العلماء على فهم أسباب إصابة بعض الأفراد في قطر دون غيرهم بأمراض معيّنة".

و"قطر بيوبنك" مبادرة ترتكز على السكان، فيقدّم المشاركون المتطوعون بيانات عن تاريخهم الصحي ونمط حياتهم إلى جانب عينات بيولوجية خاصة منهم. من شأن ذلك أن يمَكّن الباحثين الطبيين والمتخصصين في الرعاية الصحية من الحصول على صورة أوضح حول القضايا الصحية التي تواجه قطر والمنطقة". تضيف آل ثاني أنّ "البحوث التي تُنفَّذ بفضل البيانات والعيّنات التي جمع قطر بيوبنك 15 ألفاً منها حتى اليوم، سوف تكشف في خلال السنوات المقبلة مدى تأثير نمط الحياة والبيئة والجينات على صحة السكان".

وتوضح آل ثاني أنّ "قطر بيوبنك يُعَدّ دعماً قيّماً للبحوث التي ترمي إلى تطوير سبل الوقاية والعلاج من الأمراض التي تهدد حياة الأفراد مثل داء السكري والسرطان، وهو مبادرة غير مسبوقة في مجال البحوث الطبية، مع الأخذ في الاعتبار حقيقة أنّه يشتمل على أوّل وأكبر دراسة سكانية تجمع عيّنات حيوية في الدولة وتُعَدّ الأكثر طموحاً بين دراسات العالم العربي، إذ إذ إنّها تهدف إلى جمع البيانات الطبية من 60 ألف متطوّع من قطريين ومقيمين".




ويتمثل الهدف الرئيس بحسب نائبة رئيس مجلس أمناء "قطر بيوبنك"، في "العثور على طرق لتطوير أنظمة تساعد في توفير بيانات الجينوم المتعلقة بسكان قطر لجميع مراكز الرعاية الصحية والمستشفيات والعيادات، من أجل تقديم علاج فعّال ومصمَّم بعناية لتلبية احتياجات المرضى، مع ضمان حماية البيانات الخاصة بهم والحفاظ على سريّتها. فالبيانات المستمدّة من البحوث تساعد متخصصي الرعاية الصحية على تطوير وسائل أفضل للوقاية وطرق للعلاج الشخصي متوافقة مع الشفرة الوراثية لكل فرد، بالتالي سوف يتمكن هؤلاء المتخصصون المطلعون على المعلومات الطبية الحيوية من تطوير وسائل أفضل للوقاية من الأمراض والتشخيص وعلاج الأمراض الخطيرة التي تصيب سكان الدولة". وتلفت إلى أنّ "قطر بيوبنك حقّق حتى اليوم إنجازات ملموسة في مجال بحوث الطب الحيوي، وبات قريباً من إنشاء نظام رعاية صحية قادر على تقليل عدد المواطنين المصابين بأمراض يمكن الوقاية منها، وضمان تحقيق معدّل مرتفع للشفاء، والحد من احتمالات التعرّض للأمراض".




أمّا في يتعلق بالأهداف المباشرة على المدى القصير، فتوضح آل ثاني أنّ "الفحوصات التي تجرى للمشاركين قد تساعد في اكتشاف أمراض لم يكونوا على علم مسبق بها. وقد أظهرت نتائج المرحلة الثانية من البحوث التي أجريت على أكثر من 6800 مشارك (5300 قطري و1500 مقيم) لمعرفة تاريخهم المرضي، أنّه جرى تحويل 47 في المائة منهم إلى عيادات الأمراض غير المعدية. كذلك بيّنت الدراسة أنّ 42 في المائة من النساء لا يمارسنَ أيّ نوع من أنواع الرياضة في مقابل 26 في المائة من الرجال، في حين أنّ 11 في المائة من الرجال يمارسون الرياضة بطريقة منتظمة في مقابل خمسة في المائة من النساء. ومن خلال هذه النتائج، يكون المشروع قد حقق قفزة كبيرة في مجال الطب الشخصي في قطر، كأساس للبناء عليه مستقبلاً".




ويعتمد نجاح "قطر بيوبنك" بحسب ما تفيد آل ثاني على "مشاركة السكان المحليين. وهو يستهدف الشباب القطريين الذين تزيد أعمارهم عن 18 عاماً، والمقيمين البالغين الذين يعيشون في قطر منذ 15 عاماً على أقل تقدير، لأنّه يدرس آثار نمط الحياة والبيئة على الصحة. ومن الضروري أن يكون كل المشاركين قد عاشوا في قطر لفترة طويلة بما يكفي لكي يتأثروا بالعوامل الحياتية والبيئية. وتلك الآثار لا تحدث إلا بعد 15 عاماً من العيش في قطر، وهو الحدّ الأدنى المعتمد في مختلف الدراسات الطبية التي تتناول تأثر صحة الإنسان بالبيئة التي يعيش فيها". وتعبّر آل ثاني عن سعادتها إزاء "الإقبال الكبير الذي يلقاه المشروع من مواطني وسكان الدولة، فهو بلغ في الآونة الأخيرة مرحلة بارزة مع وصول عدد المشاركين إلى 15 ألف مشارك، الأمر الذي يعكس الوعي العام المتزايد حول دور المبادرة ويبيّن فهماً أوسع لأهمية هذه المشاركة وتأثيرها على صحة أجيال المستقبل".



وحول الخطط المستقبلية وأبرز شراكات المشروع، تقول آل ثاني إنّ "قطر بيوبنك يطبّق استراتيجية عامة وشاملة لاستقطاب المشاركين تستفيد من قوة المشهد الإعلامي المحلي بهدف زيادة الوعي وتشجيع الجمهور على التسجيل والمشاركة. وفي خلال أقل من أربعة أعوام، تمّ تسجيل 25 في المائة من إجمالي 60 ألف شخص مستهدف للمشاركة في برنامج للبحوث الطبية في خلال السنوات المقبلة، الأمر الذي سوف يتيح رسم الخريطة الجينية لسكّان الدولة". وتتابع أنّه "بهدف تحقيق أكبر قدر ممكن من الاستفادة، يتمّ استخدام العينات والبيانات الخاصة بمشاركي قطر بيوبنك لدعم جهود برنامج قطر جينوم الذي يسعى إلى التعرف على الروابط بين الأنماط الجينية (الوراثية) والأنماط الظاهرية الخاصة بسكان قطر، ما يوفّر رؤية شاملة تساعد على تطوير منظومة الطب الشخصي في الدولة".

تجدر الإشارة إلى أنّ "قطر بيوبنك" وفي إطار شراكاته الوطنية، تعاون مع قسم الوراثة الطبية في كلية وايل كورنيل للطب - قطر، ومع قسم المختبرات الطبية في مؤسسة حمد الطبية، ومع فريق البحوث في مركز سدرة للطب، لتشكيل فريق عمل وطني يهدف إلى تطوير أول رقاقة جينية قطرية للاستعمال الطبي. وسوف تحتوي الرقاقة على المتغيّرات الجينية الخاصة بالسكان القطريين، وسوف تكشف عن عدد كبير من الطفرات الجينية المسؤولة عن مجموعة واسعة من الاضطرابات الوراثية، وسوف تساعد بالتالي في الكشف المتزامن والسريع والفعّال عن تلك الاضطرابات. كذلك سوف يكون ممكناً استخدام الرقاقة في المستقبل، للفحص الوقائي الخاص بأمراض الأطفال حديثي الولادة، وكذلك فحوصات ما قبل الزواج.




"قطر جينوم"
في عام 2015، انطلقت المرحلة التجريبية من برنامج "قطر جينوم" الذي ترأس لجنته الوطنية الدكتورة أسماء آل ثاني، للاستفادة من القدرات البحثية في مجال العلوم الحيوية الطبية في دولة قطر، بهدف توفير بيئة تعاونية متكاملة. وقد استخدم البرنامج البيانات والعيّنات التي جمعها "قطر بيوبنك" في خلال الأعوام الماضية.