ويفرض هذا الإجراء، الذي اعتمد قبل سنوات في بغداد، خلال فرار سكان تلك المناطق من الحرب وإرهاب "داعش"، على المواطنين أو الأسر التي ترغب في الدخول إلى مدن جنوب العراق، أن تحضر كفيلا من أبناء هذه المحافظات حتى لو كان على مستوى زيارة عائلية، وهو ما أثار امتعاضا واسعا في البلاد على مستوى العشائر والوجاهات الاجتماعية واعتبروه مخططاً سياسياً ومليشياوياً يهدد إتمام المصالحة الوطنية بالبلاد.
وأقرّ نظام الكفيل في زمن رئيس الوزراء الأسبق، نوري المالكي، بعد اجتياح"داعش" العراق وانكسار قوات الجيش العراقي، وفرار الملايين من العراقيين من مناطق القتال. ويقضي بأن يمنع العراقي من دخول بغداد أو أي مدينة أخرى تسيطر عليها الحكومة، دون أن يكون هناك من يكفله ويضمنه أمنيا. وتوفي العشرات من العراقيين في معابر بزيبز والرزازة وأبو غريب وبيجي دون أن يسمح لهم بالدخول، في وقت كانت القوافل الإيرانية تدخل بغداد بدون تأشيرة.
ويخالف نظام الكفيل القانون، بحسب ما يوضح الدستور العراقي في (المادة 44) والبند الذي يمنح العراقي حرية التنقل والإقامة دون قيد أو شرط في مختلف مدن العراق ومتى شاء وقرر، كما أنه يخالف المادة السابعة بالدستور ذاته، التي تنص على تجريم أي تصرف أو إجراء من شأنه أن يفسر على أساس طائفي أو عنصري.
وفي هذا السياق، قال مسؤول عراقي في بغداد، لـ"العربي الجديد"، إنّ "محافظة ذي قار جنوبي العراق بدأت بالتعامل مع الداخلين إليها من المحافظات المحررة وفقا لنظام الكفيل، ومنعت دخول أي منهم، مهما كان ظرفه، إلّا بكفالة أحد أبناء المحافظة، بأوراق ثبوتية وتعهد خطي"، مبينا أنّ "أبناء هذه المحافظات صدموا جرّاء هذا القرار، الذي يلصق بهم تهمة الشبهة ويتعامل معهم وكأنّهم إرهابيون".
وأضاف، أنّ "القرار لم يبن على أي دواعٍ أمنية، إذ إنّ أبناء تلك المحافظات، يذهبون الى ذي قار لقضاء بعض الأعمال، وأنّهم غير مطلوبين للسلطة القضائية، ولا توجد أي تهم ضدّهم، الأمر الذي يجعل من القرار غير مجد أمنيا"، مؤكدا "من حق أي محافظة أن تمنع المطلوبين للقضاء من دخولها، لكن غير المطلوبين لا يمكن منعهم".
ويؤكد مسؤولون أمنيون في محافظة ذي قار، أنّ القرار لم يبن على معلومات معينة، وإنما هو قرار ارتجالي فرض من حكومة ذي قار على الأجهزة الأمنية.
وقال ضابط في قيادة عمليات ذي قار، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الأجهزة الأمنية لم تؤشر أي ملاحظة، ولم تحصل على أي معلومة تثير الشكوك من الداخلين للمحافظة من المحافظات المحررة وغيرها، وإنّ الوضع الأمني في المحافظة مستقر بشكل عام".
وأكد "لم تقدم أي مبررات لفرض هذا القرار، وقد يكون اتخذ من قبل جهات سياسية معينة تسعى لتفرقة أبناء الشعب الواحد"، داعيا الحكومة المحلية والمسؤولين إلى "منع هذا القرار، وعدم التعامل بتفرقة بين أبناء العراق".
وينتقد أبناء المحافظات المحررة قرار الكفيل، محذرين من نتائجه وتأثيراته السلبية على التعايش السلمي بين أبناء العراق، والدفع باتجاه زرع التفرقة بينهم.
وقال ناجي الحمداني، وهو سائق سيارة أجرة من أهالي الموصل، لـ"العربي الجديد"، "استغربنا قرار منعنا من دخول ذي قار، وفرض نظام الكفيل علينا"، مبينا "هناك سائقو سيارات أجرة وتجار من أبناء المحافظات، وهناك الكثير ممن يرتبطون بأعمال معينة في ذي قار، منعوا من دخولها".
وأشار إلى أنّ "أهالي المحافظات المحررة ليسوا إرهابيين، بل هم من تحملوا ضريبة الإرهاب، ويجب ألا يتم التعامل معهم على هذا الأساس"، داعيا الحكومة إلى "إلغاء القرارات التي تفرّق بين أبناء الشعب، لما لها من تأثيرات سلبية على الواقع في البلاد".
ويحذّر مراقبون، من الدفع باتجاه تعامل المحافظات الجنوبية كافة، بنظام الكفيل، وأن يكون أشبه بجدار الفصل العنصري، الذي يمزّق وحدة العراق.
وكانت الأجهزة الأمنية في العاصمة بغداد، خلال معارك القوات العراقية مع تنظيم "داعش" الإرهابي، في المحافظات التي سيطر عليها، قد منعت أبناء تلك المحافظات من دخول العاصمة إلّا بكفيل ضامن لهم.