بعد توقّعات بتأجيل إقرار ألمانيا مسوّدة قانون الهجرة الجديد، الأربعاء، في 19 ديسمبر/كانون الأول، مع بروز اعتراضات حزبية على ما تمّ الاتفاق عليه بين أحزاب الائتلاف الحاكم، إلا أنّ الحكومة صادقت عليه.
بعد جدال بين أطراف الائتلاف الحاكم، أقرّ مجلس الوزراء الألماني، أوّل من أمس، قانون الهجرة الجديد الذي يتضمّن مرونة كبيرة تتيح إمكانية وصول المهنيين الذين يرغبون في الهجرة إلى ألمانيا، بعدما كان التركيز ينصبّ على الأكاديميين، لا سيّما وأنّ قدرات المواطنين الألمان المؤهلين لدخول سوق العمل وطاقاتهم وعددهم باتت لا تكفي.
وأتى ذلك انطلاقاً من واقع ألمانيا، التي وإن صُنّفت صاحبة أقوى اقتصاد في أوروبا، إلا أنّها في حاجة دائمة إلى أهل اختصاص مؤهلين ومدرّبين من البلدان الثالثة، الأمر الذي تطلب إزالة القيود المفروضة على بعض المهن التي تعاني من نقص حاد، والتي وصل عددها إلى 61 وظيفة ومهنة فرعية، وفق القانون الجديد، أي بزيادة 14 نوعاً عن عام 2017، على أن تبقى بعض التفاصيل المفتوحة للنقاش التشريعي، من بينها المؤهلات والراتب ومدة الإقامة.
ولعلّ أبرز النقاط الرئيسية الخاصة بالقانون الجديد هي إعطاء حق الهجرة المشروطة للعمّال من خارج دول الاتحاد الأوروبي إلى ألمانيا، على أن يبدأ التنفيذ اعتباراً من بداية عام 2020 ويبقى سارياً حتى يونيو/حزيران 2022، ليصار بعد ذلك إلى التفكير في إحداث تكامل مع الطاقات الجديدة، وفق ما صرّح به وزير الداخلية، هورست زيهوفر، الذي أعرب عن أمله كذلك في أن يؤدّي فتح باب الهجرة القانونية في سوق العمل إلى الحدّ من الهجرة غير الشرعية. أمّا وزير الاقتصاد بيتر ألتماير، فرأى، في يوم الأربعاء 19 ديسمبر/كانون الأول 2018 "يوماً تاريخياً نترك فيه وراءنا جدالاً أيديولوجياً استمر 30 عاماً"، بينما وصف ذلك وزير العمل هوبرتوس هايل بأنّه "خطوة مهمة إلى الأمام، قد تخلق فرصاً منصفة وقواعد واضحة".
والقانون الجديد أعطى أصحاب المؤهلات الأكاديمية والمهنية والباحثين عن فرصة عمل أو الذين ينوون الخضوع إلى تدريب أو الدراسة ومن يطلق عليهم "أصحاب التلمذة الصناعية"، الحق في الوصول إلى ألمانيا والبقاء لمدّة ستّة أشهر أو تسعة من دون عقد عمل وعلى حسابهم الخاص، على أن يتمتّعوا بمستوى جيّد في اللغة الألمانية. ويستفيد من الأمر كذلك الأشخاص الذين مُنحوا إقامة مؤقتة لمنع ترحيلهم (دولدونغ)، والذين يقدَّر عددهم بنحو 180 ألف شخص، ما سوف يمكّنهم من تجديد الإقامة في خلال فترة التأهيل المهني، ويُسمح لهم لاحقاً بالبحث عن فرصة عمل لمدّة عامين، بشروط من بينها الحصول على عقد عمل لمدّة 18 شهراً على أقل تقدير، وبمعدّل 35 ساعة أسبوعياً، والاندماج بشكل جيد والإلمام باللغة الألمانية، وعدم إدانتهم سابقاً بجريمة متعمّدة، مع ضرورة إثبات هويتهم. وهذه النقاط استوجبت نقاشات كثيرة في داخل الائتلاف الكبير، لوجود شكوك حول الأسباب المبدئية، وعدم وجود رغبة في الخلط بين اللجوء وسوق العمل، وذلك على أن يعمل بهذا القانون كمرحلة أولى حتى يونيو/حزيران 2022.
ويدور الجدال حول التدريب واللغة ومؤهلات الأفراد الذين قد يمنحون فرصة للوصول إلى البلاد، في حين يسري كلام عن أنّه من المرجّح تسلّمها من قبل البعثات الدبلوماسية للتحقق من ملفاتهم واختبار اكتسباهم اللغة، شريطة توافق المهارات اللغوية مع ما هو منصوص عليه في دورات الاندماج، وفق ما صرح به وزير الداخلية زيهوفر أخيراً، بمعنى أن تكون الإفادات صادرة عن معاهد غوته أو مدارس أجنبية خاصة أو غرف التجارة الألمانية التي توفر ذلك في خارج البلاد. يُذكر أنّه ومنذ عام 2012، سرت تصاريح العمل بالبطاقة الزرقاء لأصحاب الاختصاص من القطاعات التي تعاني نقصاً في ألمانيا ونصّت على شرط منح وعد عمل وحدّ أدنى للراتب، وهو القرار الذي استفاد منه نحو 80 ألف شخص من أصحاب اختصاصات مختلفة، معظمهم من أصحاب المهن الحرة كالأطباء والمهندسين والمبرمجين.
ومن المتوقّع أن يساهم قانون الهجرة الجديد في سدّ العجز على مراحل، مع الشحّ في العمالة المتخصصة في ألمانيا، الأمر الذي يمثّل مصدر قلق فعلي، وقد يتسبب في مشكلة كبيرة للشركات اليوم، على أن تبقى الأولوية للاستفادة من الكفاءات المحلية وسوق العمل الأوروبي. وذلك على الرغم من أنّ اقتصاديين يؤكدون أنّ الحل الحقيقي يسمح - في مهن معينة بعض منها في مجال تقديم الخدمات اللوجستية - بالاستغناء عن شرط اللغة إذا كان ذلك ضرورياً لتلبية احتياجات السوق، في ظل المؤشّرات التي تفيد بأنّ النقص في العمّال المهرة قد يكبح النمو الاقتصادي في البلاد. ويبقى المطلب الأساسي هو الازدهار، وأن يعزّز القانون الجديد القدرة التنافسية الألمانية، لا سيّما بين الشركات الصغيرة والمتوسطة، في وقت تعاني فيه البلاد من نقص يُقدّر بـ 1.2 مليون وظيفة، وفق ما كشف وزير العمل هايل.
لاقى القانون الجديد ترحيب اتحاد رجال الأعمال الألمان، وقال الرئيس ستيفن كامبريت إنّ التغييرات المخطط لها "متأخرة، إنّما صحيحة"، في حين أشار رئيس نقابة الحرفيين هانز بيتر فولزايفر إلى أنّ "الائتلاف الحاكم أظهر أخيراً القدرة على العمل في مجال سياسة واعدة". في المقابل، كانت هناك انتقادات من زعيم حزب "البديل من أجل ألمانيا" اليميني الشعبوي، ألكسندر غاولاند، الذي تحدّث عن "خداع للمواطنين"، قائلاً إنّ اللجوء والهجرة اختلطا الآن، وليس في الإمكان التمييز بينهما. أمّا زعيم "الحزب الديمقراطي الحرّ"، كريستيان ليندنر، فقال إنّه من الضروري تسريع إجراءات اللجوء، وتحسين إدارة الترحيل للأشخاص المرفوضة طلباتهم، وتخفيض البيروقراطية في تدفق العمّال المهرة.