لا تنتهي الأزمات المتعلقة بالتعليم في ليبيا. ولعلّ غياب الكتاب المدرسي في المناطق البعيدة عن المدن الكبرى واحدة منها، ولا سيّما أنّنا بلغنا منتصف العام الدراسي الحالي.
في مناطق ليبية نائية، تلجأ إدارات مدارس كثيرة منذ ثلاثة أعوام تقريباً إلى آلات نسخ المستندات لتوفير بدائل عن الكتاب المدرسي، نتيجة عجز حكومات البلاد عن توصيله إليها لأسباب لوجستية. إلى ذلك، ثمّة مناطق أخرى يصلها الكتاب المدرسي، فتجده متوفّراً في مدارس دون أخرى.
في قرية تويوه في وادي الآجال، غربيّ محافظة سبها (جنوب غرب)، ثمّة مدرستان اثنتان فقط. يخبر والد أسماء، وهي من تلاميذ المدرستَين، أنّها في الصف الأول الابتدائي وأنّها "فرحة لأنّها وبخلاف زملائها تملك كتباً مدرسية، حصلت عليها من شقيقها الأكبر سناً". يضيف الوالد لـ"العربي الجديد" أنّ "زملاءها بمعظمهم ما زالت حقائبهم فارغة من الكتب، على الرغم من انقضاء نصف العام الدراسي".
من جهته، يؤكد مدير قطاع التعليم في المجلس المحلي في تويوه، العربي الناجم، أنّ الكتاب المدرسي لم يصل العام الماضي نهائياً، الأمر الذي اضطره إلى الذهاب بسيارته الخاصة إلى مناطق أخرى للحصول على عدد من الكتب. ويقول لـ"العربي الجديد" إنّ "ما حصلت عليه من خلال علاقاتي الشخصية لا يكفي نصف تلاميذ مدارسنا. وقد اضطررنا إلى تخصيص كتاب واحد لكلّ تلميذَين أو ثلاثة تلاميذ". ويشير إلى أنّ "مدارس القرى الصغيرة في الجنوب تعاني من الوضع نفسه". يضيف الناجم أنّه "إذا راسلنا حكومة البيضاء ولم يتوفّر لديها الكتاب، امتنعت حكومة طرابلس عن تزويدنا به لأنّنا محسوبون على الحكومة الخصم. وفي العام الماضي، أرسلت حكومة البيضاء كتباً تكفي ثلث مدارس الجنوب وطلبت من بقيّة المدراس نسخها". إلى ذلك، ينقل الناجم عن مدير مدرسة في بلدة درج غربيّ البلاد، أنّ "المدرّس يمتلك الكتاب المدرسي نفسه منذ عامَين، ويضطر إلى إملاء معظم المقرّر الدراسي على التلاميذ، فيكتبونه في كرّاساتهم لتعويض نقص الكتاب".
ويعزو محسن التائب من إدارة المناهج التعليمية في وزارة التعليم التابعة لحكومة الوفاق "القصور الحكومي في توفير الكتاب المدرسي إلى مجموعة أسباب منها صعوبة النقل إلى المناطق النائية. كذلك، يتأخّر وصول الكتاب إذ إنّ الجهات المالية عادة تتأخّر في تسديد تكاليف الطباعة في الخارج". يضيف التائب لـ"العربي الجديد" أنّ "تعدد السلطات ووجود حكومة موازية في شرق البلاد أربك المدارس وتعاملاتها بصورة كبيرة. والإرباك الأكبر نعاني نحن منه، إذ يُصار إلى مصادرة سيارات نقل التعليم التابعة لنا في مناطق سيطرة الحكومة الموازية، على الرغم من أنّها مستلزمات لوجستية إلى قطاعات التعليم ومن بينها الكتب المدرسية". ويشير إلى أنّ "المدارس في غرب البلاد بمعظمها لا تعاني من النقص بقدر ما تعاني من التأخّر في استلام الكتاب، بسبب تأخّر وزارة التعليم في إرسال الأموال اللازمة إلى المطابع في الخارج"، مؤكداً أنّ "الوزارة طلبت من مسؤولي القطاعات الحضور لاستلام الكتب وتأمين نقلها إلى مناطقهم".
وفي محاولة للالتفاف على أزمة غياب الكتاب المدرسي، أعلنت وزارة التعليم التابعة لحكومة الوفاق رسمياً عن توفّر الكتاب المدرسي على موقعها بصيغة "بي دي إف" (نسق المستند المنقول) ليتمكّن التلاميذ من تنزيله كأحد الحلول. لكنّ الناجم يشير إلى أنّ "التكلفة عالية بالنسبة إلى أسر كثيرة تعاني في الأساس من مشكلات معيشية بسبب غياب السيولة". ويقول: "طلبنا توفير آلات نسخ كبديل عن الكتب الناقصة، لا سيّما مع عدم استجابة المتبرّعين لمطالبنا بتغطية تكاليف النسخ. فأسر كثيرة في الجنوب تعرف مشقّة كبيرة نتيجة ظروف البلاد الراهنة". ويشدد على أنّ "هذه الحلول آنية ولا تساعد العملية التعليمية المنهارة في الأساس".
لكنّ التائب يرد قائلاً إنّ "الوزارة وفّرت كل الدعم واستجابت لكلّ الطلبات ووضعت الحلول اللازمة، لكنّ غياب الرقابة والقانون في بلد منقسم حدّا من التنفيذ في كل المناطق". يضيف: "فلنكن واقعيين ولنكشف بعض الخبايا... ثمّة مسؤولون في بعض القطاعات يتاجرون بما ترسله الوزارة إلى مناطقهم، فيبيعون القرطاسية والمستلزمات الدراسية الأخرى قبل وصولها إلى مناطقهم. وأكثر من ذلك، تُنقل الأموال الخاصة بصيانة المدارس إلى حسابات خاصة". ويشدد على "أهمية دور جهات الرقابة والقانون في موازاة جهود وزارته".
في سياق متصل، تداولت وسائل إعلام ليبية خبراً مفاده أنّ رجال الأمن في منطقة أبو غيلان القريبة من غريان غربيّ البلاد، تمكّنوا من ضبط شاحنة محمّلة بأكثر من 10 آلاف كتاب مدرسي بطبعة حديثة، آتية من الجنوب وفي طريقها إلى العاصمة طرابلس بهدف بيعها. وبحسب تصريح مدير مركز أبو غيلان النقيب عبد المنعم القارة لوكالة الأنباء الليبية، فإنّ سائق الشاحنة قد أقرّ خلال التحقيقات الأولية أنّه استلم الكتب من مخازن التعليم في أوباري وكان ينوي بيعها بالكيلو لمصنع كبس الورق في مدينة طرابلس.
ويعلّق التائب على الخبر قائلاً إنّ "الحالات المضبوطة كثيرة سواء شحنات كتاب أو مختبرات مدارس أو شحنات قرطاسية. الأمثلة كثيرة لكنّ المتورّطين يخرجون غالباً نتيجة علاقات خاصة، في حين أنّ ثمّة شحنات لا تُضبط بالتأكيد". يضيف أنّه "من هنا، طلبت الوزارة من مسؤولي قطاعات التعليم الحضور شخصياً لاستلام حصصهم من الكتب المدرسية وتأمينها بمعرفتهم. لكنّ الاستجابة ضعيفة ولا يمكننا إلزام أيّ مسؤول في منطقة تبعد عن طرابلس نحو 2000 كيلومتر بالحضور".