ما زالت قضية وفاة التلميذ عيسى ثامر البلوشي، البالغ من العمر تسعة أعوام في إثر تعرّضه لضرب من قبل مدرّسته في مدرسة عمرو بن العاص الابتدائية للبنين في الكويت، تثير جدالاً كبيراً في الأوساط التعليمية والسياسية الكويتية بعد الإفراج عن المدرّسة المصرية. يُذكر أنّها مُنِعت من السفر لحين انتهاء التحقيقات حول الموضوع، في حين وعد برلمانيون عائلة التلميذ المتوفى بالاقتصاص من "المدرّسة الجانية" بحسب قولهم.
وكان وزير التربية والتعليم العالي الكويتي، الدكتور حامد العازمي، قد صرّح أمام البرلمان بأنّ التحقيقات ما زالت جارية للوقوف على ملابسات قضية وفاة الطفل، موضحاً أنّ المدرّسة التي اتهمتها العائلة بأنّها وراء وفاته جرى وقفها عن العمل مؤقتاً، مؤكداً أنّهم سوف ينصفون الجميع العائلة والمدرّسة. أمّا النائب رياض العدساني فقال إنّ على الوزارة تأليف فرق تفتيش تتأكد من احتمالية تعرّض التلاميذ إلى اعتداءات نفسية وجسدية من قبل طاقم التدريس، مضيفاً أنّ ما حدث للتلميذ البلوشي قد يكون دليلاً على انتشار ذلك في المدارس.
من جهته، يقول رئيس لجنة حقوق الإنسان البرلمانية والنائب في مجلس الأمة الكويتي، عادل الدمخي، لـ"العربي الجديد" إنّه "لا بدّ من التحقيق بشكل جدي في انتهاكات محتملة ضد التلاميذ الأطفال في المدارس. لكنّ هذا التحقيق لا بدّ من أن يكون حيادياً ومن دون أحكام مسبقة ولا ينجرف في العاطفة والمبالغة. ودورنا كبرلمانيين هو التأكد من إجراءات وزارة التربية في حماية أبنائنا".
وفي زيارة لـ"العربي الجديد" إلى مدرسة عمرو بن العاص في منطقة الروضة، يقول حارس المدرسة حجاب أحمد إنّ "الأجواء حزينة بعض الشيء هنا، وثمّة تغيّب كبير بين التلاميذ اليوم (أمس الخميس)". يضيف أنّ "الإدارة اتخذت قراراً بتغيير موقع الفصل الدراسي حيث كان عيسى البلوشي يتابع تعليمه، حتى لا يتأثر زملاؤه بذكرى الحادثة". من جهتها، رفضت إدارة المدرسة التصريح إعلامياً، مكتفية بالإشارة إلى أنّ الموضوع في يد وزير التربية ووكلاء الوزارة.
في السياق، تقول أم ثامر العرفج، والدة أحد زملاء عيسى في المدرسة، لـ"العربي الجديد"، إنّ "حوادث الاعتداء على التلاميذ ليست جديدة، سواء من قبل هذه المدرّسة أو غيرها، ونحن ألّفنا مجلساً لأهالي التلاميذ لرفع وثيقة إلى وزير التربية تطالب بتشديد العقوبات على المدرّسين والمدرّسات الذين يتعدون على التلاميذ جسدياً ولفظياً". تضيف: "أعرف عيسى إذ إنّه زميل لابني، وأعرف عائلته كذلك. هو طفل محترم وخلوق، ويؤدّي واجباته بانتظام. كذلك هو يمارس نشاطات أخرى مع ابني، من قبيل كرة الطاولة في نادي كاظمة الرياضي. أمّا المشاغبات البسيطة التي يقومون بها فهي تعود إلى سنّهم الصغيرة وطفولتهم. ولا بدّ من أن تتأقلم المدرّسات مع تلك المشاغبات بدلاً من أن يعتدينَ وحشياً على الأطفال ويهدّدنهم".
وقد ردّت المدرّسة المصرية المتهمة بالاعتداء، نجلاء محمد، على الاتهامات من خلال اتصال هاتفي مع الإعلامي المصري وائل الإبراشي في إطار "برنامج العاشرة مساء"، موضحة أنّها تعرّضت لحملة تشويه وشائعات مغرضة في وسائل التواصل الاجتماعي، ومؤكّدة أنّها تدرّس منذ 13 عاماً في المدرسة نفسها ولم تنتقل إليها من مدرسة أخرى واقعة في جنوب البلاد مثلما قال بعض النواب في البرلمان. وشرحت ما حدث قائلة إنّها دخلت إلى الفصل الذي كان في حالة هرج ومرج وأمرت التلاميذ بالسكوت، فسكتوا جميعاً إلا التلميذ المرحوم الذي رمى الكتاب والقلم بوجهها، حينها عمدت إلى سحبه من دون أن تضربه. أضافت محمد أنّه هرب حينها إلى مكتب وكيلة المدرسة باكياً وقال إنّه سوف يستدعي أمّه لتؤدّب المدرّسة، لكنّه تغيّب في اليوم التالي. وتتابع أنّه توفي في حمام منزله أثناء نفخه بالونات، في حين جاء في التقرير الطبي أنّه توفي نتيجة قصور في القلب بسبب ضعف عضلته. وعبّرت محمد عن صدمتها من حجم الحملة التي تعرّضت لها، لافتة إلى أنّها توجّهت إلى مخفر الشرطة للتحقيق وقد أُفرِج عنها على الفور بعد أخذ أقوالها. لكنّها اليوم تُعَدّ موقوفة إدارياً من قبل وزارة التربية لحين الانتهاء من التحقيقات، وتؤكد "أنا واثقة من براءتي إن شاء الله".
في المقابل، أرسلت والدة عيسى كتاباً إلى المنطقة التعليمية جاء فيه أنّ ابنها تعرّض للضرب مرّات عدّة على يد المدرّسة نفسها من دون تجاوب حقيقي من قبل إدارة المدرسة أو رئيسة القسم. أمّا والده فصرّح لصحيفة "الرأي" الكويتية بأنّه سوف يقتص من المدرّسة التي ضربت ابنه حتى الموت في ساحات المحكمة، وسوف يحاسب الوزارة وكلّ من تهاون في حماية ولده المريض بالقلب والذي خضع لثلاث عمليات جراحية فيه.
وقد فتحت حادثة الاعتداء هذه باب الجدال حول احتمال تعرّض التلاميذ للضرب في المدارس الحكومية والخاصة بالكويت، وتقول وكيلة وزارة التربية المساعدة للتعليم العام، فاطمة الكندري، لـ"العربي الجديد"، إنّ "الوزارة لا تتهاون مع أيّ اعتداء على التلاميذ والتحقيق ما زال جارياً ومن الخطأ استباق النتائج". وتشير إلى "حالة من العام الفائت، عندما اعتدت مدرّسة على تلميذة فجرى فصلها فصلاً نهائياً وجرى الحرص على عدم توظفيها كمدرّسة مرة أخرى". تضيف الكندري أنّ "قرار الوزارة بالامتناع عن التصريح لحين انتهاء التحقيقات يصبّ في مصلحة الجميع، المدرّسة والقطاع التعليمي وبالطبع أهل التلميذ المتوفى".
إلى ذلك، يقول حمود الحمدان وهو مدير مدرسة ومدرّس سابق لأكثر من 30 عاماً، لـ"للعربي الجديد"، إنّ "حالات الاعتداء على تلاميذ المدارس ليست كثيرة، إذ ثمّة رؤساء أقسام ومشرفون ووكلاء ومدراء وموجّهون يراقبون سلوك المدرّس. وما نعاني منه في الكويت حقاً هو اعتداء التلاميذ على المدرّسين. لكنّ الحادثة المؤسفة التي وقعت أخيراً فتحت باب المزايدات والاستعراض السياسي من قبل الجميع". ويتمنّى الحمدان أن "تجري التحقيقات من دون تأثير العواطف أو ضغط الشارع، لأنّ بعض النواب في البرلمان يحاولون تحويل القضية إلى قضية عنصرية ضد الوافدين، وهو أمر غير صحي وقد يؤثّر على القطاع التعليمي ككلّ".