يعيش العاملون في المجال الطبي، وخاصة الأطباء والممرضين بالغوطة الشرقية ضغطاً نفسياً كبيراً، جراء ما يصل إليهم يوميا من إصابات خطيرة وبشعة، في ظل وضع صعب يفاقمه استمرار القصف وظروف العمل الاستثنائية، لتحجز كل حالة مكانا لها في ذاكرتهم.
وقال عبد الهادي، وهو ممرض بأحد مستشفيات الغوطة الشرقية لـ"العربي الجديد"، "بعد غارة جوية على منطقة سكنية قريبة من المشفى، وصل من بين الجرحى طفلة في التاسعة من العمر تقريبا، كانت تدعى ولاء، فقدت ساقيها مع مفصلي الركبة، كانت لحظات قاسية جدا، وأنا أبحث عن وريدها لوضع كيس دم لها، قالت لي بصوت منخفض: "عمّو مو حاسّي برجلي"، لم تكن تدري أنها قد فقدتهما"، ولفت إلى أن الطفلة "استطاعت الوصول إلى غرفة العمليات قبل أن تفقد حياتها جراء النزيف لإجراء عملية".
ولفت إلى أنه التقى بها بعد فترة كانت على كرسي متحرك، لكنها تحتاج إلى دعم نفسي لأن الصدمة ما زالت بادية عليها بقوة. واستدرك قائلا: "بعد أن وصلت ولاء بقليل تبعتها أمها وهي تحضن ولدها الذي يبدو أنه أصغر من ولاء، لكن لم يتبق منه بين يديها سوى رأسه وأشلاء إحدى ذراعيه".
وفي حالة أخرى، ذكرها لـ"العربي الجديد"، وصلت فتاة في العشرينيات من العمر إلى المشفى، لم يعرف اسمها، في حالة إسعاف جراء إصابتها بشظايا في الصدر نفذت إلى البطن، كانت تنزف وتتألم بقوة، جرى تقديم الإسعافات الأولية لها، ومن ثم إدخالها إلى غرفة العمليات، كانت تقول بصوت خائف وأنين متواصل: "لا تتركوني منشان الله بقو معي"، وبالفعل بدأنا إجراء العملية، وشقّ الطبيب البطن، وإذا بالمشفى يرتج بنا جراء غارة بالبراميل المفجرة، بعد البرميل الأول، دُمّر قسم الإسعاف وكان الغبار يملأ المكان، فخرج المخدّر ليبلغ أننا تعرضنا للقصف، لكن إحدى شظايا البرميل الثاني أصابته بإصابة بليغة في الرأس تسببت باستشهاده، كما تم تدمير مولدة الكهرباء التي تعمل عليها غرفة العمليات.
وتابع "سارعنا إلى خياطة الجلد بشكل إسعافي ليتم نقلها إلى مشفى آخر لاستكمال العمل الجراحي لها، بقينا لساعتين، لم يتمكن أحد من الوصول إلينا، كنا نحاول الحفاظ على أن تبقى عملية التنفس مستمرة لدى المريضة عبر جهاز يدوي، إلى أن أتت سيارة إسعاف نقلتها إلى مشفى آخر بمرافقتي، وأخبرت الطبيب عن حالتها، ووضع التخدير، ليتم إجراء العملية لها"، مبينا أن "هناك الكثير من الحالات التي مرت عليه والتي لا يستطيع أن ينساها".
من جانبه، أوضح عبد الله، وهو ممرض في إحدى النقاط الطبية في الغوطة الشرقية، "وصل إلينا مريض كان يدعى أحمد، وهو في عقده الثالث، أصيب بطلق ناري متفجر في منطقة الوجه، تسبب بخسارته لمعظم فكه السفلي، وجزء من اللسان وتضرر الفك العلوي، وهذا نجم عنه نزيف خطير جدا، وكان المريض هائجا بشكل كبير، فتم إعطاؤه مخدرا والعمل على تركيب أنبوب هوائي للتنفس، وإسعافه وتأمين أخصائي".
وكانت مديرية الصحة في ريف دمشق، التابعة للحكومة السورية المؤقتة، أكدت في آخر تقاريرها المشتملة على إحصائية طبية مقتل "540 شخصا بينهم 155 طفلا و114 امرأة، في حين جرح 3057 شخصا، بينهم 738 طفلا و772 امرأة، مبينة أن 637 شخصا كانت إصابتهم شديدة بينهم 131 طفلا و153 امرأة"، في الفترة من 19 إلى 25 فبراير/شباط الجاري.
وذكرت أنه "تم إجراء 806 عمليات جراحية، تصدرتها الجراحة العظمية بـ267 عملية، في حين تم إجراء 11 عملية بتر أطراف".