وتتزعم الدنمارك مقترحات التعديل بتصريح مثير للغضب بين البرلمانيين والحقوقيين جاء على لسان وزير العدل في بلدهم سورن بابي بولسن بالقول: "حقوق الإنسان ليست قضية لا يمكن المس بها".
وفي تفاصيل ما جرى تبنيه من دول مجلس أوروبا الـ47، كاستكمال لاجتماعاته في بريطانيا 2013، على صعيد المحكمة الأوروبية، ودفعت به كوبنهاغن، بتضامن من دول أخرى، تصبح من الآن فصاعدا المحاكم الوطنية هي صاحبة الولاية في بعض المسائل المثيرة للجدل.
ومن بين ما جرى "تصحيحه"، سحب صلاحية المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان للبت في "إبعاد المهاجرين". ففي حين تلتزم المحكمة الأوروبية في أحكامها، لوقف إبعاد الأجانب، بالبند 8 حول "الحق في حياة أسرية"، يبدو أن الدول ترغب أيضا في تعديل مواد تتعلق بقضايا حريات أخرى منصوص عليها في البندين 9 و10 و11 حول حقوق التجمع والتعبير وحرية الأديان وتفسيراتها. ففي قضية الإبعاد، إذا كان المحكوم لديه أسرة في البلد الذي حكمه، يصبح الآن في "إعلان كوبنهاغن" من خلال الإصلاحات "من حق المحاكم الوطنية أن تقرر إبعاد المجرمين/الجنائيين المحكومين حتى لو كان لديهم أسرة"، دون اعتبار لمواد مقررة في الاتفاقية الأوروبية لحقوق الإنسان.
ويعتبر حقوقيون وساسة معارضون بأن "مثل هذا التبني المسمى إصلاحيا ليس سوى تراجع عن حقوق الإنسان"، كما يصف عضو البرلمان الدنماركي عن اليسار نيكولاي فيلموسن لـ"العربي الجديد".
أمر يتفق أيضا في تقييمه الحقوقي هيليا راتزر في اعتبار ما يجري تعديله يتجاوز مسألة جعل الاختصاص وطنيا. فبالنسبة لراتزر القضية "ترتبط ببنود تحميها الاتفاقية، وخصوصا البند 8 المرتبط بحماية حق كل الناس في العيش مع الأسرة، فيما أيضا نرى محاولات للأسف للتراجع عن الالتزام بالبنود 9 و10 و11 حول حرية الأديان والتعبير وحق الانتظام والتجمع".
في المقابل، يرى المؤيدون للتعديلات أنه "لا يمكن للمحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان أن تجبر الدول على الإبقاء على مجرمين أجانب حكمت عليهم المحاكم الوطنية بقضاء محكوميتهم والإبعاد، فهؤلاء خرقوا قوانين دول ذات سيادة ويجب أن يبعدوا، بغض النظر عمن يوجد من أسرهم في الدول". وكانت بعض الحالات رفعت شكاوى إلى المحكمة الأوروبية خلال الأعوام الماضية، ومنهم من كسب الدعاوى ومنهم من أيدت المحكمة الأوروبية الأحكام الوطنية في إبعادهم.
ومع استمرار الجدل بين الطرفين، مضى المجلس الأوروبي في صياغة التعديلات الشاملة من خلال "إعلان كوبنهاغن"، ومن بين القضايا التي عدلها تبرز عملية "تسريع المحاكمات وطريقة اختيار القضاة في المحكمة الأوروبية".
وتعتبر حكومة يمين الوسط الدنماركية، ائتلاف ليبرالي ومحافظ، أن التعديلات على قضايا حقوق الإنسان، "انتصار تاريخي للراغبين بها، بعد عام ونصف من المعارضة"، بحسب وزير عدل محافظ، سورن بابي بولسن.
ويعتبر بولسن، شأنه في ذلك شأن معسكر اليمين المتشدد حول أوروبا، بأنها "خطوة أولى في مراجعة حقوق الإنسان في أوروبا". فخلال 6 أشهر من العمل لتقديم 67 مقترح تعديلات يبدو أن "إعلان كوبنهاغن" استطاع بتأييد دول المجلس الأوروبي تمريرها رغم خشية كثيرين بأنه إعلان "سيجري تفسيره بطريقة لا تحاسب على التعدي على بعض الحقوق الفردية والخاصة للناس".
وبالرغم من ذلك يعتبر المعسكر المؤيد للتعديلات على النظام الأساسي للتقاضي ولحقوق الإنسان أنه "سيجعله نظاما فعالا ويدخل توازنا على نظام التقاضي، ويجعل المحكمة تركز على تحديد انتهاكات أخطر وأوسع نطاقا بتغيير بعض الهيكليات والمنهجية التي تعمل بها المحكمة الأوروبية الحقوقية".
وبهذا الشكل يعتبر بولسن، الذي تزعم التفاوض في كوبنهاغن لتبني الإعلان بأن "حقوق الإنسان ليست قضية مقدسة لا يمكن المس بها، فهي ليست منزلة من السماء".
وبشكل مبسط تبدو الدول ذاهبة لاعتبار المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان "صاحبة ولاية في قضايا أكبر وأهم، وترك القضايا الأصغر لمحاكم الدول الوطنية". ويعتبر ذلك بالفعل انتصارا لمعسكر اليمين المتشدد، الذي ظل يشكو من "هيمنة قوانين وقرارات أوروبا على السيادة الوطنية".
وبالرغم من الخطوة "المتقدمة في التراجع عن حقوق الإنسان"، بحسب معارضي التعديلات، يجد اليمين المتشدد بأنه "لو كان الأمر لنا لشطبنا كل فقرة في قوانين بلدنا التي ترتبط بالمعاهدة الأوروبية لحقوق الإنسان"، كما يعرب اليوم مارتن هينركسن، مقرر شؤون الهجرة في حزب الشعب الدنماركي اليميني المتشدد.
ويعتبر هينركسن بأن "أغلب أحكام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان تقوم على حماية المجرمين الأجانب في دولنا الوطنية"، وهو يشير إلى فرملة المحكمة الأوروبية لقضايا ترحيل بعض المحكومين من المهاجرين وأبنائهم، واعتبر في النهاية بأن "الإعلان عبارة عن ثورة وانتصار للسيادة".