وتسود مدن القلمون الشرقي الأربع حالة من الخوف، فكل الخيارات بالنسبة لهم صعبة، وقبول الحلول، أصعبُ من الحلول بحدّ ذاتها. وللوقوف عند هذه السيناريوهات التي تنتظر الأهالي، تحدث "العربي الجديد" إلى عددٍ منهم، فأكدوا أن خيار تهجيرهم من أرضهم، أقلّ شراً من البقاء أسرى النظام واستبداده.
ويقول معاذ غزال، وعيناه تذرفان الدموع: "لا يمكن أن أتصور نفسي خارج بلدتي التي عشت فيها 25 عاماً. لا يمكن أن أترك أصدقائي وأهلي، وأترك أناساً لطالما خرجت من بيتي لأراهم في كل صباح"، مؤكداً أن "التهجير هو أصعب قرار من الممكن أن أتخذه في حياتي، وإن حدث، فسأتخذه على مضض، لأنني سأنتقل من مكان إلى آخر مجهول، قد لا أتأقلم معه، خصوصاً أننا استقبلنا آلاف المهجرين من الغوطة، ورأيت جانباً بسيطاً من المعاناة التي يعيشونها، والموت الذي يقاسونه في كل لحظة، رغم تقديم أهالي الضمير لهم مدارس الإيواء والبيوت". وختم معاذ بالقول إن "التهجير قطعة من جهنم".
وبالنسبة لأبو ممدوح، أحد المنشقين عن جيش النظام، فوصف استبداد وغطرسة هذا الجيش، قائلاً: "تركت نظام الأسد لما رأيت فيه من ظلم واستبداد للشعب السوري، لم أكن أتوقع هذا السيناريو، لكنه واقع لا محالة فالخيارات أمامنا، إما الحرب، وإما التهجير وإما المصالحة".
وبالنسبة لصعوبات البقاء في القلمون، فيعتبر أبو ممدوح أنه "لا يمكن أن أتعايش مع من قتلوا أهلي وشردوني وداهموا بيتي"، متسائلاً "كيف سأعيش معهم وقد يتهمونني في كل يوم بالخيانة والعمالة لأميركا، كيف سأعود لحضن الوطن لأرفع السلاح ضد إخواني في درعا، أو في الشمال السوري، لا يمكن أن أتصور الثورة السورية تعود للنظام المجرم الذي حاول بكل الأساليب إيقافها".
ويضيف أبو ممدوح أن "من صعوبات البقاء في القلمون، مسألة دخول المليشيات والشبيحة، الذين سنبقى تحت حكمهم لأجل غير مسمى. الهجرة صعبة، لكنها مكان تستطيع أن تعيش فيه بحريتك. أما هنا، فستعود للخضوع لقوانين حزب البعث، وستشاهد بأم عينك الفساد المنتشر على الأصعدة كافة، خصوصاً بعدما بانت نوايا جيش النظام، وهي قتل كل المعارضين له، أو تصفيتهم".
ولا تنتهي الصعوبات التي تواجه أهالي القملون الشرقي إذا ما اختاروا البقاء في مناطقهم، ومنها أيضاً، بحسب أبو ممدوح، "احتمال التعرض للاعتقال والسجن والتعذيب بتهمة العمالة والإرهاب، وغيرها من التهم".
أما أكثر "ما يحز في النفس"، فهو بالنسبة له "أن تنتهي الثورة في نفوسنا، وانتهاء مشروعنا الذي ضحينا لأجله بأرواحنا".
من جهته، يرى ياسر، المطلوب للخدمة الإلزامية في جيش النظام، في حديثه لـ"العربي الجديد" أنه "لا يمكن مطلقاً أن أرضى بحمل السلاح في جيش قتل أخي وصديقي، واقتحم منزلاً فيه والدة أو فتاة أو طفل، وأنه من العار عليّ القبول بتسوية أو الرضوخ لعنصر من الاستخبارات ليقودني ويملي علي الأوامر، ويهددني ويسخر مني تحت رحمة السلاح، لذلك أفضل ترك كل شيء خلفي، والقبول بالتهجير، لأنه الأقل مرارة بالنسبة لي، وهو خيار لن يمنعني من المضي في درب الثورة الذي اخترته".
أما مؤيد، الذي استقصى بعض الحقائق من معارفه حول البقاء تحت رحمة جيش النظام، فأوضح لـ"العربي الجديد" أنه "بالنسبة للمصالحات، تحدثت مع أصدقاء لي في التل عما حدث بعدها، فأخبروني أن الموت أهون بكثير مما فعله النظام، بعد وعوده المزيفة لأهالي المنطقة، حيث قام بتجنيد الشباب في صفوفه لقتال أهل الغوطة، وقام بمداهمة بيوت الناشطين والمطلوبين والمهجرين، وفعل ما لا أستطيع أن أذكره. وأنا صراحة لا أستطيع أن أقول عن المصالحة سوى إنها القتل بغباء، فنحن نقتل بالصواريخ، بالطائرات، بالبنادق، لكن برجولة وتحت شرف الثورة، أما إن قاتلنا مع جيش النظام، فربما سنقتل ونحن نقاتل أهلنا في المناطق الأخرى".
ولفت إلى "ما يحصل من محاولة البعض ممن ينتسبون للنظام وأزلامه من أبناء منطقتنا، تلميع وتجميل مصطلح المصالحة، وإبرازها على أنها نهاية لآلة الحرب الهمجية. نعم قد يكون انتهاء للقتل بالطائرات، لكنها بداية لقتل أنفسنا وقتل أهلنا بأسلوب غبي جداً".