على الرغم من إعلان سفارة إيران في كوبنهاغن عن استعدادها لاستقبال اللاجئين الإيرانيين الذين رفضت طلبات لجوئهم، وتسفيرهم إلى طهران، إلا أن الدنمارك تتعامل مع تراكم حالات طالبي اللجوء المرفوضين بأساليب ضاغطة وغير مسبوقة، لضمان قبول المرفوضين بترحيلهم "طوعاً".
ففي القضايا المتعلقة بالإيرانيين في مراكز الترحيل تظهر قضية "تغيير الديانة" والتحول إلى المسيحية، وهي الملاذ الأخير لبعضهم من أجل وقف قرار تسفيرهم، وهو ما لم ينفع في بعض الحالات. ويبدو أن السلطات الدنماركية، بالتعاون مع شرطتها، باتت تضغط أكثر من أي وقت مضى على طالبي اللجوء الإيرانيين ليوقفوا معارضتهم العودة طوعيا إلى بلادهم ونقل بعضهم إلى "معسكر مغلق" (سجن الترحيل في منطقة اليبيك، شمال العاصمة كوبنهاغن) على أمل أن تقنعهم السفارة الإيرانية في الدنمارك بالعودة الطوعية إلى طهران.
وأثار عرض طالبي لجوء على موظفي سفارة بلدهم انتقادات حقوقية باعتبارها "خطوة لم تحصل سابقا على الإطلاق"، بحسب ما يذكر محام عن 8 طالبي لجوء إيرانيين مرفوضين، يدعى دانيال نورونغ. يعتبر منتقدون أن تلك الخطوة تسبب "تعريض طالبي اللجوء لمخاطر أكبر مع سلطات بلدهم".
وينتظر بعض المحتجزين في مراكز مؤقتة أكثر من ثلاثة أعوام. ويرى حقوقيون أن حبس من يفترض ترحيلهم إلى طهران يندرج في إطار "محاولات الضغط النفسي عليهم لقبول تعاونهم مع مسألة الترحيل".
وزيرة الهجرة الدنماركية، انغا ستويبرغ، ردت باختصار على كل تلك الانتقادات بالقول إنها مصرة على انتهاج سياسة الترحيل "بكل خطوة ضرورية".
وتذكر الشرطة الدنماركية بأن عرض هؤلاء على السفارة الإيرانية جرى "للتحقق وإثبات هويتهم وجنسيتهم"، رافضة تلك الانتقادات ومعتبرة أن "الخطوة جاءت فقط في سياق جهودنا لتنفيذ قرارات الترحيل وكجزء من الحوار الجاري بين سلطات البلدين (إيران والدنمارك) لتعزيز عملية التسفير"، بحسب بيان رسمي صادر عن "الشرطة الوطنية".
ومن الواضح أن الحكومة الدنماركية، المكونة من ائتلاف يمين الوسط بدعم من حزب الشعب المتشدد، باتت تنفذ سياسات تبنتها حديثا تعتمد "التعاون مع سلطات دول منشأ اللاجئين" لترحيل المرفوضين قسراً. وعينت من أجل تنفيذ المهمة ما يسمى "سفير الطرد" وملحق في سفاراتها في دول المنشأ للتفاوض بشأن استقبال المبعدين. وعلى تلك الخلفية يقيم في العاصمة الإيرانية ملحق دبلوماسي في السفارة الدنماركية مهمته التواصل وخلق شبكة تعاون لاستقبال هؤلاء. ويبدو أن السجن بات وسيلة متبعة هذه الأيام لـ"تسريع قبول اللاجئين التعاون"، بحسب تبرير وزارة الهجرة في كوبنهاغن، رغم كل الانتقادات البرلمانية التي تعتبر بعضها العملية برمتها بمثابة "تسليم من طلبوا حماية إلى سلطات هربوا منها".
وتنتهج الدنمارك أيضا سياسة "الاستثمار في الدول التي تقبل مواطنيها المرحلين" كتشجيع لها على التعاون، وهو أمر يتعرض لانتقادات يسارية وحقوقية شديدة، خصوصا ما يصفه اليسار "تعاون مع أنظمة ديكتاتورية لأجل مصالح ضيقة بترحيل بضع مئات من طالبي الحماية لدينا".
ورغم الخطوات المتبعة بحق الإيرانيين، لا يبدو أن تنفيذ الترحيل قد أثمر. ففي إحدى القضايا التي تابعها "العربي الجديد" في زيارة لأحد مخيمات الشمال منذ أكثر من عامين ما يزال اللاجئ الإيراني هومان زاهدي ينتظر منذ 2010 حصوله على اللجوء، دون أن تنفع الضغوط في حمله على قبول الترحيل الطوعي. وبالرغم من أن زاهدي اعتقل وعرض الأربعاء الماضي على السفارة "للتأكد من أنه إيراني"، حسب تبرير الشرطة، لا تمكن إعادته بحسب محاميه لأنه "يرفض العودة الطوعية". وسبق لزاهدي أن كرر مرارا بأنه "في حال عودتي سيكون مصيري الإعدام كما جرى مع حالات أخرى، خصوصا أنني حولت ديانتي إلى المسيحية وهو أمر خطير وغير مسموح به في إيران".
وجدير بالذكر أن عدد الإيرانيين الذين تتحفظ عليهم السلطات وترفض منحهم اللجوء، وبعضهم حول ديانته وجرى تعميده بتغطية إعلامية وعرفت السفارة بذلك، وصل إلى 328 شخصا، من بين 968 يعتبرون بحكم المتحفظ عليهم، بحسب أرقام رسمية لدائرة الهجرة ومكتب مساعدة اللاجئين في الثالث من الشهر الجاري. وهؤلاء مجردون من أية حقوق بالعمل والدراسة ويتلقون فقط وجبات في معسكرات تحت المراقبة الصارمة. في حين يتواجد الآلاف ممن يعيشون بطريقة متخفية أو انتقلوا إلى دول أخرى، لا سيما فرنسا وألمانيا.