دفن الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، تقرير بورلو حول الضواحي والأحياء الشعبية، اليوم الثلاثاء، وأعلن أمام جمهور متنوع من وزراء ورؤساء بلديات وفعاليات مدنية وجمعيات، في الإليزيه، أنه لن يكشف عن قرارات كبيرة ولا عن مشروع مارشال للضواحي.
وكان رؤساء البلديات الفقيرة في فرنسا، ينتظرون من ماكرون أن يحضر ومعه الأموال لتوزيعها، لكنهم أصيبوا بخيبة أمل كبيرة.
وقال ماكرون: "لن ألقي عليكم خطابا، ولن أعلن عن خطة للضواحي، فهذه الاستراتيجية عمرها مثل عمري"، في إشارة إلى خطة رئيس الحكومة الأسبق، ريمون بار، مضيفا أنه لن يستمر في هذه السياسة، وأنه لا يؤمن بها، كما انتقد مجمل التقارير عن الضواحي قائلا: "رجلان من البيض لا يقيمان في الضواحي ويقدمان تقريرا عنها: لن يكتب له النجاح".
واستبقت حديث الرئيس تغريدةٌ لقصر الإليزيه جاء فيها: "بعيدا من الأفكار المسبقة عن الضواحي وعن الإعلانات التي لا تأثير لها، سنقوم بتغيير المنهجية".
وتجاوز خطاب ماكرون الساعة ونصف الساعة، لكنه لم يضم سوى بعض الإجراءات والتوصيات التي تحتاج إلى الوقت لمناقشتها قبل تطبيقها، ولهذا ركّز على انتظار مرور شهري يوليو/تموز وسبتمبر/أيلول حتى تتضح الرؤية.
وتطرق الرئيس الفرنسي إلى قضية الأمن، وتحدث عن تجربة الشرطة في الحياة اليومية التي بدأت في نحو 30 من الأحياء الشعبية. ودعا إلى "مجتمع اليقظة"، حيث "كل فرد يصبح فاعلا لتوفير الأمن للجميع".
وفي ما يخص تجارة المخدرات التي تعرفها الأحياء، اعترف بأن "الدولة خسرت هذه المعركة" حاليا، وأعلن عن خطة لمكافحة تجارة المخدرات لن تتضح معالمها قبل شهر يوليو/تموز القادم.
وفي نفس الشهر، وعد ماكرون بإطلاق "عملية قلب الأحياء" (نحو عشر عمليات)، من أجل تجديد الأحياء على غرار المعمول به في أحياء مدينة تولوز.
وفي هجوم على من يستهين بخططه حول الضواحي، قال: "لا تُحمّلوا الحكومة المسؤولية لأنها لا تقدم المليارات. نحن لسنا في السلطة إلا منذ سنة، والفشل المتواصل منذ عشرين سنة ليس خطأي…".
ثم تطرّق إلى التعليم فأعاد التذكير بما أنجزته حكومته، وخصوصا عملها من أجل وضع حد للتفاوتات في الأجور، وذكّر بقرار "إلزامية دور الحضانة من سنّ الثالثة".
وتضمّن خطاب ماكرون "وضع خطة لشهر سبتمبر/أيلول، لتقديم منحة لتلاميذ الصف الرابع في المدرسة الإعدادية للمراقبة في الشركات"، وهو يأمل في الوصول إلى رقم 30 ألف منحة في الدخول الدراسي القادم.
وتطرق إلى قضية ولايته الكبرى، وهي المساواة بين النساء والرجال، وكشف عن بدء المؤسسات التعليمية تفعيلها من شهر سبتمبر/أيلول.
ولم يغفل ماكرون قضية التطرف، حيث نوّه بتصاعد التطرف في بعض الأحياء، وشدد على العمل ضد "الوصم"، وأعاد التذكير بأن "الدولة لن تتهاون في مكافحة التطرف، لكن دون وصم أي دين".
وعبّر عن أمله في أن يَحُلّ "الحُلم الجمهوري" محلّ "حلم الموت"، لدى بعض شباب الأحياء والضواحي، ولم يُخف أمله في ظهور "أبطال جمهوريين"، يضعهم الشباب "الضائع" نصب أعينهم، ويكونون قدوة لهم.
ومن أجل تحقيق هذه الأهداف، طالب الرئيس الفرنسي بتضافر الجهود، بين الحكومة والمدن والجمعيات. وحذّر من أنه لن يغطّي على إخفاقات أحد. وفي النهاية أشاد بدور الأمهات: "اللواتي لا يمارسن سياسة رمزية، بل يقمن بالسياسة من أجل أبنائهن وأزواجهنّ وجيرانهن. أحيانا، هن من يتصدين لما هو أصعب في الأحياء، رغم أنهن منسيّات من كل سياساتنا العمومية".
وكان رؤساء البلديات على اختلاف مشاربهم السياسية، يعولون كثيرا على "تقرير بورلو"، نسبة إلى صاحب التقرير، الوزير الأسبق جان لوي بورلو، لكنهم أصيبوا بخيبة الأمل من خطاب الرئيس الذي لم يتضمن أشياء ملموسة، وكان عمدة مدينة مونتروي (ضاحية باريس)، باتريس بيساك (يسار)، لاذعا حين كتب: "كلما كانت الخطب طويلة. كان المال أقلّ. خطاب ماكرون طويل حول المنهج، وغير كاف حول العمل".
كما عبّر عمدة مدينة سفران، عن خيبة أمله، من "خطاب ضعيف"، بينما كان الفرنسيون ينتظرون "خطابا سياسيا يمنح الأمل".
وعبّر مسؤولون في حزب "الجمهوريون" عن ذهولهم من "غياب الرئيس عن حقيقة ما يجري على الأرض"، فكتبت لورنس سيليي، الناطقة باسم الحزب اليميني، ساخرة من: "شرطة أمن للحياة اليومية في مواجهة رجال مسلحين بالكلاشنيكوف".
وكتب النائب عن حركة "فرنسا غير الخاضعة"، إيريك كوكريل: "إعلانات ماكرون حول خطة بورلو وسياسة المدينة: الفراغ". وأضاف: "بورلو اقترح خطةً للضواحي، ولكن ماكرون قرر التخلي عن الضواحي".
أما مارين لوبان، فأصيبت بـ"الصدمة" لأن خطاب الرئيس يستحضر حُجّة عرقيّة، جديرة بـ"حزب أهالي الجمهورية"، حين ينزع الشرعية عن كل حلّ يأتي من قبل ذكور بيض. وختمت: "إنه تتويج للنزوع الجماعاتي على رأس الدولة".
والطريف أن جان-لوي بورلو، صاحب تقرير الضواحي، الذي أجمع الجميع على أن الرئيس أطلق عليه رصاصة الرحمة، عبّر عن رضاه الشديد عن خطاب ماكرون، مقدّرا أن "كل مواضيع التقرير اختارها الرئيس"، لكنه استدرك "أن التنفيذ هو في مصاف الفنّ".