في ترجمة عمليّة للدعوات التي وجّهها الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي إلى الشعب المصري بهدف المشاركة في الحدّ من أزمة الانفجار السكاني في البلاد وتخفيض عدد المواليد المتزايد باطراد، بدأت هيئة مستشاري مجلس الوزراء بالتعاون مع الوزارات الخدمية المختلفة في وضع خطط من المحتمل اللجوء إليها كحلول تشريعية للزيادة السكانية، بما لا يتناقض مع الشريعة الإسلامية وفي الوقت نفسه بما يحقق هدف نظام السيسي في تخفيض الدعم الحكومي للمواطنين على الخدمات المرفقية المختلفة.
وكان السيسي قد دعا المصريين مراراً إلى العمل على تخفيض عدد المواليد الذي وصل إلى 2.6 مليون في عام 2016 في حين تخطى عدد المصريين 104 ملايين نسمة. وخلال المؤتمر الوطني الخامس للشباب الذي عُقد منتصف شهر مايو/ أيار الجاري، حاول السيسي اللجوء لإضافة الدعابة والسخرية على دعوته المتكررة، مطالباً المتزوّجين حديثاً بالاكتفاء بإنجاب طفلَين اثنَين فقط.
وبعد أيام من مؤتمر الشباب المذكور، أدلى رئيس الوزراء شريف إسماعيل بتصريحات أكثر صرامة تدعو المواطنين إلى الاكتفاء بإنجاب طفلَين اثنَين فقط، وعدم تحميل الدولة أعباء إضافية في مجالات التعليم والمواصلات والمرافق الحيوية. وأتى ذلك بالتوازي مع مباحثات في الدوائر التشريعية التابعة للحكومة بهدف اقتراح أفكار قابلة للتطبيق تُلزم المواطنين، لا سيّما في الريف، بتخفيض عدد المواليد، فضلاً عن التواصل مع شركتَين كبريَين في مجال الدعاية لاختيار إحداهما وإطلاق حملة إعلامية كبرى لتنظيم الأسرة.
في السياق، يكشف مصدر حكومي مطّلع لـ"العربي الجديد" أنّ "من بين الأفكار المتداولة تخفيض الدولة دعمها للأسر المؤلّفة من أكثر من خمسة أفراد، فيكون بالتالي الفرد السادس المضاف إلى الأسرة كمولود رابع خارج منظومة الدعم، سواء في ما يتعلق بالمواد التموينية التي تصرفها الحكومة شهرياً للمواطنين أو الخدمات المرفقية كالكهرباء والمياه والغاز". ويشرح المصدر أنّ "هذه الفكرة قابلة للتطبيق الفوري في مجال التموين، لكنّها غير قابلة للتطبيق حالياً بالنسبة إلى الخدمات، لأنّها تتطلب أولاً تغيير نظام دعم الدولة لها، بأن يجري ربط التدرّج بين شرائح الدعم المختلفة بحسب عدد أفراد الأسرة وليس عدد الأجهزة الكهربائية أو المنطقة الجغرافية". ويشير إلى أنّ "تغيير نظام الدعم مستحيل خلال السنوات الثلاث المقبلة نظراً إلى الوفاء بالشروط الخاصة بالاقتراض من صندوق النقد الدولي، والقائمة على مفردات نظام الدعم الحالي".
أمّا الفكرة الثانية المتداولة بحسب المصدر الحكومي نفسه، فهي "زيادة مصروفات المدارس الحكومية بأنواعها وكذلك تلك الخاصة بالمولود الثالث أو الرابع فأكثر، بنسب تتراوح ما بين 20 في المائة و50 في المائة وبطريقة تزيد النسبة في المدارس الحكومية بأنواعها حتى التجريبية والرسمية واليابانية الجديدة بالمقارنة مع الخاصة، وذلك في كل المراحل التعليمية بهدف تخويف أولياء الأمور في المجتمعات الأقل تعليماً والأكثر فقراً من زيادة المواليد، على أن يجري تحديد النسب بدقة من خلال قرار يصدره وزير التعليم فلا يُترك الأمر لكل مدرسة على حدة". ويذكر المصدر أنّ "السبب من وراء هذه الفكرة هو أنّ الإحصاءات الحكومية كشفت تركّز نحو 70 في المائة من الأطفال المولودين في أسر تزيد عن خمسة أفراد في المدارس الحكومية العادية أو التجريبية". يضيف المصدر نفسه أنّ "الدوائر التشريعية بحثت فكرة ثالثة تقول بتقديم حوافز دعم عينية ونقدية للأسر الملتزمة بتنظيم الأسرة وحرمانها منها إذا زاد عدد المواليد عن حدّ معيّن، وذلك في إطار رؤية طرحها بعض المشاركين في الدراسات تقضي بضرورة تشجيع الأزواج على الاستجابة للدولة وعدم قصر المشروع على إجراءات التضييق والحرمان".
ويوضح المصدر نفسه أنّه "جرى إهمال المقترحات الدائمة بالتدخل التشريعي المباشر للحدّ من المواليد كمنع تعدّد الزيجات أو توقيع أشكال عقابية على الأسر ذات عدد الأفراد الكبير، لاتّقاء شبهة عدم الدستورية والصدام مع الشريعة الإسلامية وتفسيراتها المختلفة التي يذهب بعضها إلى تحريم تنظيم الأسرة". ويؤكد المصدر أنّ "الدائرة التشريعية للحكومة تستشير حالياً عدداً من القضاة والقانونيين المخضرمين حول مدى دستورية خفض الدعم أو حرمان بعض الأسر والأفراد منه على أساس عدد المواليد"، مشيراً إلى أنّ "الرأي الغالب حتى الآن هو أنّ مثل هذه الإجراءات تدخل ضمن السلطة المطلقة للدولة في إدارة مواردها لرفع مستوى معيشة المواطنين".