قبل قراءته حتّى، سيقولون إنه "استشعار". لكن لا. إنّه ذلك الحزن المتراكم عبر سنوات بل عصور. تلك التي كنتُ فيها مجرّد روح لا تعرف في أيّ جسد تستقرّ. وحين عثرت على جسد، اتحدّت معه ليصيرا أنا. وفيّ كميّات من الحزن، لا هو بطازج ولا معتّق. هو من النوع الذي يقفز قفزات موجعة في صدري، تاركاً وراءه ما هو أقسى من معنى حزن.
لا، ما سبق وما سيليه ليس "استشعاراً". الحزن لا تعكسه إلا ملامح أو كلمات. ولن يكون للأخيرة أي قيمة بعد وقت قصير. تخرج من القلب إلى الأوراق وتموت مثل صاحبها. لا مكان في قلبي إلّا لخريف سقطت أوراق أشجاره من دون أن تمارس فعل السقوط الجميل. ولا أوراق صفراء على الأرض. حتى الطرقات باهتة. ما كل هذا الحزن؟
ليس "استشعاراً" ولا رغبة في كسب تعاطف. هو حزن لا أكثر. شعور يتشبّث في جسد حد الاختناق. يتعلّق به ولا يفلته. حزن موجع يجعل من الملامح مجرّد ظلّ. ظل ملامح وظلّ إنسان. مجرّد ظلّ تدوسه الأقدام صيفاً وشتاء. مكشوف وما من أحد قادر على حمايته.
ولمَ لا يكون "استشعاراً"؟ وماذا يملك القلب بعد؟ عليل في الماضي وعليل في الحاضر. والحياة من حوله تقدّم له أصنافاً من البشر. بعضهم غارقون في حزن، وآخرون متكيّفون معه، وقلّة يبتسمون. وماذا يملك القلب بعد؟ حتّى الشرايين التي تنبض فيه حياة باتت تخنقه. وكم يكذب حين يصير قلوباً ملوّنة على أوراق بيضاء. لا، هو ليس على هذا النحو. تملأه الدماء وتخنقه الشرايين، وينبض ونعيش. ولماذا نعيش؟ من أجل آخرين. من أجل طفلٍ أو ضنى. من أجل لقمة...
اقــرأ أيضاً
كم هو موجع ذلك الحزن. ينهش ما بقي من روح يخفت وهجها عبر الزمن، "فتُجعلك" ملامح الوجه. ها أنا أصير مثل عظام ناتئة داخل جلد مترهّل. والروح يزيد ذبولها. كأنها لم تكن يوماً.
"استشعار"؟ بل ألمٌ يذوب في الأحشاء. وحزن لا ينتهي. هو هنا منذ زمن بعيد. لم يغادر يوماً. لم يعط الجسد الذي سكنه قسطاً من الراحة، حتى بات الجسد عجوزاً تائهاً. يسترق النظر والسمع ولا يرى ولا يسمع. هو حزين. مجرّد كائن حزين فقد إحساسه بتفاصيل يقول من حوله إنها جميلة. يتحدثّون عن أحاسيس لا يُدركها. عن شعور بسعادة ودفء وطمأنينة. ماذا يكون كلّ هذا؟
لكنّها حزينة. روحها حزينة وجسدها حزين. قلبها يلملم دماء من هنا وهناك ليُتابع حياته من أجل آخرين ما زالوا في حاجة إليه، من أجل ضنىً لا تكاد تحمل أنامله ورقة وقلماً. قلبُها لاجئ يبحث عن عالم وجعه أقل. لم تعد تحتمل الكثير. عجوزاً صارت قبل الأوان، وإن لم تشخ بشرتها بعد. عجوزٌ وضعها أبناؤها في غرفة ورحلوا.
لا، ما سبق وما سيليه ليس "استشعاراً". الحزن لا تعكسه إلا ملامح أو كلمات. ولن يكون للأخيرة أي قيمة بعد وقت قصير. تخرج من القلب إلى الأوراق وتموت مثل صاحبها. لا مكان في قلبي إلّا لخريف سقطت أوراق أشجاره من دون أن تمارس فعل السقوط الجميل. ولا أوراق صفراء على الأرض. حتى الطرقات باهتة. ما كل هذا الحزن؟
ليس "استشعاراً" ولا رغبة في كسب تعاطف. هو حزن لا أكثر. شعور يتشبّث في جسد حد الاختناق. يتعلّق به ولا يفلته. حزن موجع يجعل من الملامح مجرّد ظلّ. ظل ملامح وظلّ إنسان. مجرّد ظلّ تدوسه الأقدام صيفاً وشتاء. مكشوف وما من أحد قادر على حمايته.
ولمَ لا يكون "استشعاراً"؟ وماذا يملك القلب بعد؟ عليل في الماضي وعليل في الحاضر. والحياة من حوله تقدّم له أصنافاً من البشر. بعضهم غارقون في حزن، وآخرون متكيّفون معه، وقلّة يبتسمون. وماذا يملك القلب بعد؟ حتّى الشرايين التي تنبض فيه حياة باتت تخنقه. وكم يكذب حين يصير قلوباً ملوّنة على أوراق بيضاء. لا، هو ليس على هذا النحو. تملأه الدماء وتخنقه الشرايين، وينبض ونعيش. ولماذا نعيش؟ من أجل آخرين. من أجل طفلٍ أو ضنى. من أجل لقمة...
كم هو موجع ذلك الحزن. ينهش ما بقي من روح يخفت وهجها عبر الزمن، "فتُجعلك" ملامح الوجه. ها أنا أصير مثل عظام ناتئة داخل جلد مترهّل. والروح يزيد ذبولها. كأنها لم تكن يوماً.
"استشعار"؟ بل ألمٌ يذوب في الأحشاء. وحزن لا ينتهي. هو هنا منذ زمن بعيد. لم يغادر يوماً. لم يعط الجسد الذي سكنه قسطاً من الراحة، حتى بات الجسد عجوزاً تائهاً. يسترق النظر والسمع ولا يرى ولا يسمع. هو حزين. مجرّد كائن حزين فقد إحساسه بتفاصيل يقول من حوله إنها جميلة. يتحدثّون عن أحاسيس لا يُدركها. عن شعور بسعادة ودفء وطمأنينة. ماذا يكون كلّ هذا؟
لكنّها حزينة. روحها حزينة وجسدها حزين. قلبها يلملم دماء من هنا وهناك ليُتابع حياته من أجل آخرين ما زالوا في حاجة إليه، من أجل ضنىً لا تكاد تحمل أنامله ورقة وقلماً. قلبُها لاجئ يبحث عن عالم وجعه أقل. لم تعد تحتمل الكثير. عجوزاً صارت قبل الأوان، وإن لم تشخ بشرتها بعد. عجوزٌ وضعها أبناؤها في غرفة ورحلوا.