سوريون كثر جرى تهجيرهم حديثاً باتجاه شمال البلاد. لكنّ هؤلاء لم يتمكنوا من التأقلم مع الظروف الجديدة. باتت تركيا هدفهم المنشود، ولو أنّ الوصول إليها دونه مخاطر عدة.
لم يستسغ المهجرون إلى الشمال السوري بعد، سواء كانوا من الغوطة الشرقية أو القلمون الشرقي أو جنوب دمشق أو ريف حمص الشمالي وغيرها من المناطق التي وقعت فيها عمليات تهجير، تلك الفكرة. مرت سنوات عليهم من القصف والحصار والجوع، كان سندهم الأساسي للصمود خلالها أحلامهم بالحرية والكرامة والعدالة، في وقت تبدو الحياة صعبة جداً، في ظل أزمات السكن والعمل في الشمال. هذا ما دفع بكثير من الشباب والعائلات إلى التفكير في السعي إلى الخروج من سورية باتجاه تركيا، للاستقرار فيها أو متابعة الرحلة إلى أحد بلدان اللجوء في أوروبا.
يقول أبو مأمون (26 عاماً)، وهو مهجّر من القلمون الشرقي إلى عفرين، لـ"العربي الجديد": "نعيش حياة غريبة جداً عنا في قرى عفرين، نكتشف سبلها بعناء ومرارة يومية، فبعد الفترة التي أمضيناها في المخيمات وكانت لنا معها معاناتنا الخاصة، نعيش اليوم في قرى جبلية وعرة الطرقات يصعب الوصول إليها من دون سيارات خاصة بالطرقات الجبلية. وهي قرى خالية من أهلها بسبب المعارك السابقة".
يضيف أبو مأمون أنّ "الحياة في هذه القرى ليست سهلة، فتأمين الاحتياجات اليومية همّ يشغل المهجّرين، ومنها احتياجات كبيرة كمياه الشرب، إذ اكتشفنا أنّ هذه القرى ليست لديها شبكات مياه أو آبار، بل يعيش أهلها على ما يجمعونه من مياه أمطار الشتاء في خزانات سبق إنشاؤها تحت الأرض ليدخروها للصيف الحارّ. ويعاني المهجّرون من غياب الخدمات الطبية، إذ إنّ أقرب مركز طبي يحتاج إلى نحو ساعة ونصف الساعة بالسيارة للوصول، في حين تنتشر الأفاعي والعقارب السامة وغيرها من الزواحف والحيوانات المؤذية في المنطقة". يتابع: "يؤرق عائلات المهجّرين غياب أي خدمات تعليمية حالياً، في حين لم ينهِ الأطفال بعد عامهم الدراسي، وهم اليوم مهددون بالانقطاع عن التعليم".
يلفت أبو مأمون إلى أنّ "العائلات المهجّرة في عفرين غير مستقرة، فمع عودة أهالي المنطقة يضطر شاغلو منازلهم من المهجّرين إلى مغادرتها والعودة إلى رحلة البحث عن منزل من جديد". يبيّن أنّه حتى تأمين الاحتياجات الرئيسية واليومية أمر غير متاح في غالبية تلك القرى، ما يضطر الأهالي للتوجه إلى عفرين. كلّ ذلك يدفع المهجّرين إلى التفكير في الخروج من سورية".
من جانبه، يفكر يحيى (23 عاماً)، المهجّر من الغوطة الشرقية إلى ريف حلب الشمالي، في السفر إلى تركيا، بحسب ما يقول لـ"العربي الجديد". يضيف: "لم أكن أفكر أبداً في أن يأتي يوم وأخرج فيه من الغوطة الشرقية، التي أفنيت سنوات عمري السبع الماضية وأنا أحاول مساعدة أهلها على الصمود، لنحقق أهداف ثورتنا في الحرية والكرامة. اليوم، أشعر بأنّي غريب هنا، مع أنّ الناس لطفاء جداً، لكن لم أعد أستطيع ممارسة نشاطاتي الإنسانية السابقة، خصوصاً أنّ بعض المنظمات الداعمة أوقفت الدعم عن منظماتنا بحجة أنّنا خرجنا من الغوطة وأنّ المشاريع كانت مخصصة للغوطة".
يقول يحيى: "أفكر اليوم في أن أستأنف دراستي وأكمل حياتي، وهذا غير متوفر في الشمال السوري بالشكل الذي أرغب فيه، لذلك بدأت بشكل جدي في البحث عن سبل الخروج إلى تركيا، لتكون إما مكان استقرار لي أو أتابع السفر إلى إحدى دول اللجوء الأوروبية". يلفت إلى أنّ "الدخول إلى تركيا ليس سهلاً أو متاحاً، وهناك من فقدوا حياتهم خلال محاولتهم تجاوز الحدود السورية - التركية، كما أنّ المبالغ التي يتقاضاها المهربون ترتفع باستمرار، لتصل إلى 2000 دولار أميركي، ولا تقل عن 500 دولار، وغالباً فإنّ من يأخذ مبلغاً قليلاً على الشخص، تكون المخاطرة في رحلته أكبر، بل هناك أشخاص تعرضوا للنصب".
أمّا أم عمر (40 عاماً) المهجّرة من ريف دمشق إلى إدلب، فقد حاولت مع عائلتها، المكونة من زوجها وابنها وابنتيها، أن تتجاوز الحدود مرتين متتاليتين، بمساعدة إحدى شبكات تهريب البشر، التي نشطت في الشمال السوري خلال السنوات الأخيرة، إلّا أنّها فشلت، بحسب ما تقول لـ"العربي الجديد". تفسر: "هناك عدد من أفراد عائلة زوجي وعائلتي في الخارج. عندما علموا أنّنا وصلنا إلى الشمال السوري جمعوا لنا مبلغاً من المال، لنستطيع مغادرة البلد، وهذه كانت رغبتنا فالوضع هنا ليس كما توقعناه، وأعتقد إن لم تتكرر تجربة مناطقنا هنا فهي في حاجة إلى سنوات لتضبط ويعاد الاستقرار إليها بشكل تام، فتديرها جهة واحدة. لذلك، قررنا أنّ السفر هو الخيار الأفضل".
تتابع أم عمر: "لكن للأسف فإنّ وضع الحدود صعب جداً، وقلة هم من يتمكنون من تجاوزها ودخول تركيا. في المرة الأولى عدنا تحت رصاص حرس الحدود التركي، وفي المرة الثانية تجاوزنا الحدود ببضعة أمتار إلّا أنّ الشرطة التركية ألقت القبض علينا وأبقتنا لديها في المخفر يوماً كاملاً قبل أن تعيدنا إلى الأراضي السورية، وتهددنا بالاعتقال إن حاولنا التسلل مرة أخرى عبر الحدود". تضيف: "فكرة السفر ما زالت قائمة لكنّنا سنحاول أن ندخل الأراضي التركية بطريقة نظامية، بالإضافة إلى أنّ المبلغ الذي وصلنا لم يبق منه ما يكفي لمحاولة جديدة. لذلك أعتقد أننا سنحتاج إلى بعض الوقت لنحاول الخروج مجدداً".